الأرقام القياسية لدرجات الحرارة الشهرية التي يكسرها كوكب الأرض هذا العام، فاجأت علماء المناخ حول العالم بصورة غير مسبوقة. هذا الأمر كشفه خبير بارز، والذي قال إن العلماء لم يتوقعوا مثل هذه الزيادة في مستويات ظاهرة الاحتباس الحراري.
فخلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، بلغ متوسط زيادة درجات حرارة كوكب الأرض 1.3 درجة مئوية مقارنة بمتوسط درجات الحرارة في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية. هذا الدرجة تعتبر متقدمةً جدًّا مقارنةً مع طموح الاتفاق الذي وقع عليه زعماء العالم في قمة المناخ التي استضافتها العاصمة الفرنسية باريس، في ديسمبر (كانون الأول) 2016، والتي تعلقت بإمكانية الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية.
تفاؤل ضُرِب في مقتل
فكرة المحافظة على زيادة في درجات الحرارة الخاصة بكوكب الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية كحد أقصى، طبقًا لاتفاقية باريس، تبدو الآن فكرةً متفائلة زيادة عن الحد، لا سيما وأن العمل الفعلي الذي تعهدت به الدول من أجل الحد من ارتفاع الحرارة، يبدو أنه لا يؤتي ثماره، مع توقعات بأن يشهد متوسط درجة حرارة سطح الأرض ارتفاعًا بنسبة تصل إلى 3.1 درجة مئوية، وفقًا لتحليل حديث.
ومع ذلك، قال الدكتور ديفيد كارلسون، مدير برنامج أبحاث المناخ العالمي، إن نماذج الاحتباس الحراري المستقبلية التي صممها العلماء، فشلت في التنبؤ بارتفاع درجات الحرارة المسجلة هذا العام؛ مما يدل على أن تقديراتهم تحت التقديرات الفعلية لمدى السخونة التي سوف يشهدها العالم.
الأمر المذهل الذي شهده العام الجاري 2016، هو أن كل شهر من شهوره قد شهد رقمًا قياسيًّا جديدًا في ارتفاع درجة الحرارة لهذا الشهر، مقارنةً بنفس الشهر في الأعوام السابقة، هذه الأرقام القياسية امتدت حتى الآن إلى أكثر من 14 شهرًا متتاليًا.
وقال الدكتور كارلسون، لوكالة أنباء رويترز، إن أكثر ما يهمه هو أنهم لم يتوقعوا هذه القفزات في درجات الحرارة، مضيفًا: «لقد توقعنا دفئًا معتدلًا لعام 2016، ولكن توقعاتنا كانت خاطئة وأقل من الواقع، فارتفاع درجات الحرارة هذه هو شيء لم يسبق لنا أن رأيناه من قبل».
وأوضح كارلسون أن درجات الحرارة ترتفع بشكل كبير واضح، ولكن أيضًا الأحداث المتطرفة مثل الفيضانات، أصبحت أمرًا عاديًا ومعتادًا على كوكب الأرض الآن.
نقاط حرجة وزيادات كبيرة
وأنشأ برنامج أبحاث المناخ العالمي (WCRP) من قبل المجلس الدولي للعلوم، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية في عام 1980. وأعرب العلماء في هذا البرنامج عن قلقهم إزاء عدد من النقاط الحرجة، التي يمكن أن تزيد بشكل كبير من معدل الاحترار العالمي.
على سبيل المثال، يقلل ذوبان الجليد في القطبين من كمية ضوء الشمس التي تنعكس؛ مما يسمح للمياه الداكنة أو الأرض بامتصاص أكثر لطاقة الشمس، وزيادة درجة الحرارة. وحذر الخبراء من أن ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي بمعدلات أعلى بكثير من المتوسط العالمي، يمكن أن يكون لها تأثيرات «كارثية» على عدد من العواصف الخطيرة في نصف الكرة الشمالي.
الميثان
ويتميز غاز الميثان بأن له تأثيرًا على ظاهرة الاحتباس الحراري، لكن بصورة أقوى تصل إلى ضعف تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون، ما يجعله أحد العوامل الرئيسية والهامة لارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض.
يذكر أن غاز الميثان عادةً ما يتواجد بشكل مغلق تحت طبقات الأرض المتجمدة، ولاحظ العلماء أن الميثان، بدأ يخرج من قوقعته هذه إلى الغلاف الجوي، وذلك نتيجة ذوبان الطبقات الجليدية من التربة بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وتتواجد مئات الملايين من الأطنان من غاز الميثان بعيدًا تحت سطح الأرض في المنطقة القطبية الشمالية، والتي تمتد من البر الرئيسي إلى قاع البحار الضحلة نسبيًّا في منطقة القطب الشمالي المقابلة لشرق سيبيريا.
الباحثون في من جامعة «القطب الشمالي» في النرويج، قالوا إنهم رصدوا وجود حفر كبيرة، تكونت نتيجة لتراكم غاز الميثان قبالة الشواطئ النرويجية. وقد صرح الباحثون أنهم وجدوا حفرًا عملاقة عديدة في قاع البحر في إحدى المناطق في وسط غرب بحر بارنتس. وتمثل هذه المنطقة على ما يبدو واحدة من أكبر المناطق الضحلة التي تطلق غاز الميثان في البحر، بالمنطقة الشمالية القطبية بأكملها.
وكان العالم الروسي إيجور يلتسوف، قد صرح العام الماضي أنه يمكن لغاز الميثان المتجمد مثل الثلج، والموجود تحت الماء أن ينفصل ويتحرر، ويتحول سريعًا إلى غاز يكون فقاعاتٍ غازية كبيرة على سطح البحر.
وشبه يلتسوف قوة انبعاثات غاز الميثان هذه بأنها تشبه التفاعلات النووية التي تطلق كمية كبيرة من الغازات، في إشارة إلى خلخلة الهواء القوية التي تحدثها التفجيرات النووية، والتي تتسبب في انطلاق تيار هوائي قوي يكون السبب في تدمير العديد من الأبنية والمنشآت.
السحب
وطبقًا لبحث جديد أُعلن عنه مؤخرًا، فإن مستقبل الاحتباس الحراري سيكون أكثر سوءًا مما كان يتوقع العلماء حدوثه، وذلك لأنهم لم يأخذوا في الاعتبار التغيرات التي طرأت على السحب. ويقول الباحثون إن تضاعف كمية غاز ثاني أكسيد الكربون (الغاز الرئيسي المسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري)، هذه الأيام، مقارنةً بفترة ما قبل الثورة الصناعية، يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع عالمي في درجة الحرارة بمقدار 5.3 درجة مئوية.
نماذج توقع ظاهرة الاحتباس الحراري القديمة، توقعت أن تصل الزيادة إلى 4.6 درجة مئوية فقط. قد تظن أن الفرق في درجتي الحرارة ضئيل (فقط 0.7 درجة مئوية)، لكنك ربما تغير نظرتك لهذا الفارق عندما تعلم أن الأرض حاليًا، على بعد درجة واحدة مئوية من الوصول لنفس درجة الحرارة التي وصلت لها الأرض منذ 120 ألف عام.
في ذلك الوقت تسبب ارتفاع حرارة الأرض إلى حدوث تغيرات مناخية حادة، في محاولة لاستعادة التوازن المناخي والحراري من جديد، فضربت الأرض عاصفة عملاقة جعلت الأرض تدخل فيما يشبه العصر الجليدي، وفي ذلك الوقت كانت مستويات البحار والمحيطات أعلى مما هي عليه حاليًا بمقدار ستة إلى تسعة أمتار؛ مما تسبب في غرق أجزاء واسعة من اليابسة.
عندما قام هؤلاء الباحثون، الذين تشرف عليهم جامعة ييل الأمريكية، بتحليل البيانات التي زودتهم بها الأقمار الصناعية، وجدوا أن السحب تحوي كمية مياه أكبر من المتوقعة بدلًا من الثلوج، ما كان مفترضًا حدوثه في أيامنا هذه. المفترض في السحب التي تتميز بوجود بلورات الثلج بها أن تعكس المزيد من ضوء الشمس، وتمنع وصول جزء كبير منه؛ وبالتالي من الوصول إلى سطح الأرض وتسخينها. المياه الموجودة في السحب لا تقوم بهذه العملية بنفس الكفاءة؛ وبالتالي فإن زيادة كمية المياه، ونقص كمية الثلوج معناه وصول كميات أكبر من ضوء وحرارة الشمس إلى سطح الأرض.
هذا يعني أن عملية استخفاف العلماء السابقة بكميات قطرات الماء الموجودة في السحب، تعني أن النماذج التي ترسم توقعاتها لارتفاع درجات الحرارة في المستقبل القريب تحوي نتائج مضللة، وغير صحيحة. وتقول الدراسة إنها وجدت أن كمية أقل من الغيوم سوف تتحول إلى حالة عاكسة للضوء والحرارة في المستقبل، كرد فعل لزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون عما كان يعتقد العلماء في السابق. هذا الأمر يعني أن تقديرات مستويات ارتفاع درجات الحرارة التي قام بها العلماء سيتم رفعها؛ وبالتالي فإن الأرض ستزداد حرارتها بشكل أكبر مما كنا نتخيل.
اختفاء الجليد
وأظهرت بيانات الأقمار الصناعية المؤقتة التي ينتجها المركز القومي الأمريكي لبيانات الثلج والجليد، أن هناك أكثر من 11.1 مليون كيلومتر مربع من الجليد البحري في الأوّل من يونيو (حزيران) من هذا العام، مقارنة مع متوسط يقترب من 12.7 مليون كيلومتر مربع من الجليد خلال الثلاثين عامًا الماضية.
قال البروفيسور بيتر وادامس، رئيس مجموعة فيزياء المحيط القطبي في جامعة كامبريدج، لصحيفة الإندبندنت البريطانية، إن أحدث الأرقام التي توصل إليها العلماء تحمل إلى حدٍّ كبير تنبؤات مثيرة للجدل، كان قد أدلى بها قبل أربع سنوات.
وأضاف أنه ما يزال يتوقع أن جليد القطب الشمالي قد يختفي بشكل كبير، ليصبح لدينا مساحة تبلغ أقل من مليون كيلومتر مربع بحلول شهر سبتمبر (أيلول) من هذا العام. وذكر أنه حتى لو لم يختفِ الجليد بشكلٍ كامل، فمن المحتمل أن هذا الرقم سيكون رقمًا عالميًّا منخفضًا غير مسبوق، «أنا مقتنع أنه سيكون أقل من 3.4 مليون كيلومتر مربع، والأخير هو الرقم القياسي الحالي»، كما يقول بيتر وادامس.
وأضاف وادامس: «أعتقد أن هناك فرصةً معقولة لأن نصل إلى مليون كيلومتر مربع هذا العام، وإذا لم يكن هذا العام، فإننا سنصل إلى هذا الرقم في العام المقبل».
ويوضح العلماء أن مصطلح قطب شمالي خالٍ من الجليد معناها أن الجزء المركزي من المحيط القطبي الشمالي، والقطب الشمالي سيكون بلا أي قطع جليدية. ومعظم ما تبقى من الجليد في الدائرة القطبية الشمالية، سيكون محاصرًا بين عدد لا يحصى من الجزر على طول الساحل الشمالي لكندا. ويعتقد أن آخر مرة كان القطب الشمالي خاليًا من الثلج ما بين 100 و120 ألف عام مضت.
وقد رُبط ارتفاع درجة الحرارة السريع للمنطقة القطبية، مع الظواهر الجوية المتطرفة، مثل الأعاصير العملاقة، والفيضانات التي شهدتها مساحات واسعة من المملكة المتحدة، والأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية في غير المواسم المعتادة للأعاصير.
أضف إلى هذا أن الكتل الجليدية قبالة الساحل الشمالي لروسيا، والتي تعمل على عزل الماء الموجود تحتها للحفاظ على درجة برودة، لم تعد موجودة منذ فترة طويلة على مدار العام الجاري، وهو ما يسمح لمياه البحر باكتساب درجات حرارة أعلى لتتحول إلى مياه أكثر دفئًا من ذي قبل.
ساسة بوست