قائمة الموقع

الاحتراق الوظيفي يرهق أطباء غزة وهيكلية "الصحة" بلا دعم نفسي

2016-08-06T06:44:14+03:00
صورة تعبيرية
الرسالة نت _أمل حبيب

 

تلاحقهم صرخات صغار شوهت آلة الحرب ملامح براءتهم، في حين لاتزال بقع دماء ضحايا مجزرة الشجاعية وخزاعة وغيرها عالقة على ردائهم الأبيض.

العمل تحت الضغط وثلاث حروب تستفز ذاكرة الأطباء في غزة، في حين لم يكتمل الراتب لمعظمهم منذ ما يزيد عن عشرة أعوام، بقيت خلالها "يعطيك العافية" مفقودة!.

تحديد وعلاج التعقيدات النفسية والاضطرابات التي خلفها الوضع الاقتصادي والمهني وحالة الانقسام السياسي التي يعمل الطبيب في ظلها، لم تدرك خطورته وزارة الصحة على الطبيب، فغياب وحدة الدعم النفسي ضمن هيكليتها خير دليل على ذلك!.

لم يتوقف الأمر عند غياب وحدة تأهيل للطبيب ودعمه، بل تعدى ذلك ليصل عدم استيعاب الطواقم الإدارية بأهمية وجودها بين أروقة المشفى رغم جهود فردية ومبادرات تطوعية للعمل من خلالها.

جولات من الضغوط والإجهاد النفسي التي تثقل كاهل طبيب مجمع الشفاء الطبي _عينة التحقيق_ أصابته بالاحتراق الوظيفي دون أن يجد من يمده بأنبوب إطفاء حرائق لطبيب منهك ومنتهك الحقوق!.

"الرسالة نت" ومن باب حرصها على هذه الفئة التي تعتبر جزءا من المجتمع بإحباطه وضغوطه، تأخذك إلى الطبيب والظروف التي يعمل بها، لندق جدار الخزان، لخطورة الأمر وتبعاته، فقد يفسد حياة من يتعامل معه، ويعود بمردود سلبي على متلقي الخدمة.

في قسم الاستقبال والطوارئ بمجمع الشفاء بغزة، تكمن حكاية الكبت والضغط التي يعيشها الطبيب، في ظل غياب منظومة رعاية نفسية وترفيهية له، فبمجرد أن عرفنا عنوان التحقيق المراد إعداده، بدأت التعليقات الممزوجة بطابع القهر والسخرية!.

"دعم نفسي للطبيب!" يتساءل أحد الأطباء وهو يرفع حاجبيه متعجبًا، ثم يواصل الآخر من وراء المكتب ضحكاته ويقول:" هي المرة الأولى التي أسأل فيها عن نفسيتي".

لم تتمكن مراسلة "الرسالة" من التركيز الى الصوت المنبعث، أو إمكانية تحديد الطبيب المتحدث لرغبة الجميع في "الفضفضة"!.

أطباء: "يعطيك العافية" لم نسمعها من الإدارة التي تلاحقنا على أدنى تأخير!

ما أثار استغرابنا بأن معظم الأطباء الذين أجريت معهم اللقاءات من أقسام الاستقبال والطوارئ والجراحة وحتى التوليد رفضوا ذكر أسمائهم عند نشر المادة، وكأنه الخوف من الوصمة المرتبطة عند الحديث عن مشاكلنا النفسية، أو أنه الخوف من المساءلة!.

نقاط تقاطع التقوا بها جميعًا لدى حديثهم عن غياب الدعم المعنوي من الوزارة أو الإدارة المباشرة مرورًا براتب لا يتعدى 45 % وليس انتهاءً بمريض يسمعه ألفاظا بذيئة قبل المغادرة!.

ابتسامة الطبيب وسام عوض الله من قسم الجراحة دفعتنا إلى البدء بالحديث إليه، وكأنه يخفي خلفها الكثير.

بدأ عوض الله حديثه قائلاً: "منذ وضعت الحرب الأخيرة على غزة أوزارها وتلك المشاهد لمجزرة أرجوحة العيد غرب المدينة والتي راح ضحيتها ثلاثة أطفال لا تغيب عن مخيلتي"، تختفي الابتسامة عن وجهه، ويقول:" بكيت بشدة وأنا أحمل الصغار دون أطراف سفلية (...) عدت لأبكي من جديد مع صرخات أحد الناجين "بابا"".

في كل مرة يتخيل طبيب الجراحة بأن أحد أطفاله سيدخل للقسم محمولًا على الأكتاف، ويوضح بأنه عايش ثلاثة حروب تركت في نفسه الكثير من الشوائب والآلام.

من الصعاب التي يواجهها أن يفصل بين العاطفة والعمل، الأمر الذي يرهق نفسه كثيراً، لاسيما للحالات التي تصل لأطفال واعتداءات جنسية عليهم، يشعر بحالة من الغضب، كما يقول.

فاجأنا الطبيب عوض الله بقوله:" عشرين سنة بشتغل طبيب بالشفاء لم يسألني أحدهم عن حالتي أو عن شعوري ووجعي، عمري ما حكيت هالكلام المخزون بالقلب"، وفق تعبيره.

الضغوط التي يواجهها الطبيب عوض الله لم تقتصر على ما أفرزته الحرب وطبيعة عمله خلالها من مشاهد، بل شمل امتعاضه من غياب دور الإدارة في عمل رحلات أو لقاءات ترفيهية للأطباء والتخفيف عنهم حالة الضغط.

وعند بدء حديثه عن الرواتب المتدنية جدًا مقارنة بحجم العمل والمهام الموكلة إلى الطبيب، قاطعه زميله الذي زفر الآه فجأة، وقال:" المطلوب نيجي نشتغل ونناوب وما نشكي ولا نرفض ولا نعبر"، صمت لبرهة، وتابع:" محبط للغاية من أوضاعنا ونسبة الراتب زادت أزمتنا، الطبيب بحاجة إلى دعم نفسي ومادي".

مازحه الطبيب عوض الله بعد أن أنهى الحديث قائلاً له:" بإمكانك الجلوس على مقعد التفريغ النفسي .. فضفض وعبر عن قهرك!".

رفض الطبيب الثاني ذكر اسمه أو حتى الجلوس لاستكمال الحديث، حيث تابع عمله وخرج من الغرفة بصمت وهو يقلب أوراق المرضى بعقدة حاجبيه التي تدعو المريض إلى التوجس من الاقتراب منه.

فريق نفسي تطوعي: حاولنا بناء نواة للدعم النفسي بـ "الشفاء" وعدم تقبل الفكرة أبرز الصعاب

الهموم التي تثقل كاهل الطبيب وتفجر الاضطراب السلوكي لديه كالعصبية أو عدم المبالاة أو فقدان العنصر الإنساني في التعامل مع الآخرين داخل المشفى وخارجها تمثل أبرز الأعراض التي يمكن أن ينتجها الاحتراق الوظيفي.

ووفق علماء التنمية والنفس فإن الاحتراق الوظيفي يتمثل في فقدان متنام للطاقة والأماني والاهتمام بالعمل، فالإحباط المستمر وعدم الشعور بالرضا ينشأ عندما لا يكون جو العمل صحيًا!.

مقياس الضغط النفسي لتحديد مدى حاجة الطبيب إلى الاستشارة والدعم لم يطبق يومًا في مجمع الشفاء للأطباء العاملين هناك كما هو معمول في مستشفيات الخارج، التي يتوفر بداخلها وحدة لا تقل أهمية عن الخدمات الصحية والعلاجية وهي الدعم النفسي للأطباء!

غرفة دعم نفسي!

غرفة صغيرة في الطابق الرابع من مبنى الجراحة بمجمع الشفاء ..ألصق على واجهة بابها صورة لوجه كرتوني أصفر اللون مبتسم المحيا، كتب أعلاه "غرفة الدعم النفسي"، هناك كان لقاؤنا برئيس فريق وحدة الصحة النفسية التطوعي في مجمع الشفاء تحرير صافي التي لمست الحاجة الماسة إلى وجود الخدمة النفسية في مستشفيات القطاع بالإضافة إلى الخدمة العلاجية، وسعت جاهدة إلى العمل داخل أروقة الشفاء.

صافي التي عكس حديثها "للرسالة" إصرارها وتبنيها لفكرة انشاء وحدة دعم نفسي في كل مستشفى بالقطاع، تلك الفكرة التي قوبلت بالرفض في بداية الأمر من الطواقم الإدارية بمجمع الشفاء ولاستغرابهم الأمر ولعدم إدراكهم أهمية وجود تلك الوحدة.

 جهود ومبادرات فردية لدعم الطبيب لم تلق الدعم والتشجيع الكافي لعدم إدراك الكوادر الإدارية بالوزارة لحاجة الطبيب إلى وجود وحدة تقدم له الدعم والرعاية المعنوية

وتقول:" نقطة الانطلاق كانت من مجمع الشفاء كونه أكبر مستشفى ويستقبل الحالات المرضية المعقدة، ويعمل به طواقم طبية كبيرة بحجمها"، وأضافت:" منذ عامين وأنا أقدم الخطط وأعرضها على الوزارة لقبول فكرة وجودي مع فريق تطوعي نفسي".

وأكدت أن الطواقم الإدارية بالوزارة ومجمع الشفاء تحديدًا غير متفهمين لطبيعة الخدمة النفسية، وهو ما شكل لها العائق الأكبر خلال الطرح المبدئي للفكرة، والذي سرعان ما تغيرت الصورة بشكل تدريجي لديهم. 

تحرير التي حاربت لعامين قدمت لنا مطوية كتبت عليها "غرفة الدعم النفسي .. مجمع الشفاء" إلا أنها شطبتها بقلمها الجاف وكتبت "وحدة الصحة النفسية".

الأخصائية النفسية صافي أرادت أن تفرض وجود هذه الوحدة رغم غيابها عن هيكلية الوزارة، وعدم معرفة معظم من التقيناهم بوجودها، وفي السياق ترد:" منذ شهر ونصف بدأ عملنا بشكل منتظم بعد إعطاء الدورات المكثفة للفريق التطوعي".

ولم تنكر صافي خلال حديثها "للرسالة" بأن الفريق لا يزال بحاجة إلى التدريبات وورش العمل للارتقاء بتقديم الخدمة النفسية، مؤكدة على محاولاتها بناء نواة للدعم النفسي بمجمع الشفاء والعمل على تفعيل هذا المجال بين العاملين وتعزيز الثقافة النفسية والمجتمعية، رغم عدم تقبل الفكرة والتي كانت من أبرز الصعاب التي واجهتنا في بداية العمل.

خلال حديثنا مع الأخصائية صافي زراها أحد الأطباء الذي يعمل منذ 34 عاما بمجمع الشفاء الطبي وعند سؤالنا عن رأيه بفريق الدعم النفسي ومساعدته للأطباء، أجاب:" هو فريق تطوعي يعمل على دعم المريض نفسيًا، ماذا سيقدم للطبيب الذي يعمل الجميع على تحطيمه؟".

تحرير التي حاولت التعديل على حديث الطبيب بقولها:" نقدم الدعم والمساعدة لمقدم الخدمة الأطباء ومتلقيها المرضى، ولا يقتصر الأمر على المرضى".

علت نبرة الطبيب الذي _رفض ذكر اسمه_ معلقًا:" الطبيب يواجه عملية تحطيم لنفسيته وليس دعمه، وقد بات أكبر همه توفير مواصلات، أو ايجار المنزل أو الحذر من خصومات الإدارة من إجازته يومين أو أكثر إن تأخر"، وأضاف:" هو الظلم بعينه لأن ذلك يؤثر على انتماء الطبيب وإنتاجه ونفسيته وكل شيء".

وعن حالة الطبيب تعلق الأخصائية النفسية بأن حالة الضغط في العمل دون تحفيز أو دون حصوله على أدنى حقوقه وهي الراتب أدت إلى وصوله للاحتراق الوظيفي، منبهة إلى ضرورة التعزيز الإيجابي وتحفيز الطبيب الذي يعيش ضمن ظروف اقتصادية صعبة لأنها تنعكس بالسلب على تقديمه للخدمة.

ووفق الدراسات النفسية، فإن الإرهاق والتشبع من العمل غالبا ما يؤدي إلى الشعور بعدم الرضا وهو ما ينعكس سلبًا بدوره على أداء المهام.

إدارة غير منصفة

من العوامل المؤثرة في حدوث الاحتراق الوظيفي، والتي لامستها "الرسالة" خلال إعدادها التحقيق هو نظم الأجور والرواتب وانعدام التقدير من الوزارة والمدراء، وليس انتهاء بثقافة احترام الطبيب المغيبة لدى المرضى.

مدير عام المستشفيات: لدينا قصور شديد في برنامجنا نحو المريض النفسي وليس الصحيح

"الإدارة غير منصفة" يرددها طبيب وهو يضع رداءه الأبيض على الشماعة، ويتابع:" لا دعم ولا رواتب ولا تحفيز وعند أي تأخير لدقائق عن العمل أو فضفضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتم المساءلة والمحاسبة".

لرسالة نت" حاولت أن تنقل صورة الامتعاض التي يشعر بها الطبيب بمجمع الشفاء لمدير عام المستشفيات بوزارة الصحة عبد اللطيف الحاج، لاسيما مع اعتراف عديد منهم بوصولهم لحالة الاحتراق الوظيفي.

لم ينكر مدير المستشفيات بأن الطبيب بمجمع الشفاء يقوم بجهود جبارة لا يقوم بها نظراؤه في ظل نظام صحي مأزوم بسبب غياب منظومة أمنية تضبط حركة المواطنين لاسيما في قسم الاستقبال والطوارئ التي تعج بهم وفق قوله، مما يسبب له بحالة ضغط نفسي. ويرى الحاج بأنه لو توافر للطبيب ظروف العمل الهادئة والمنظمة لما احتاج إلى دعم نفسي.

عدنا بالمدير إلى شكاوى الأطباء وحالتهم النفسية المدمرة، بسؤال مباشر "ماذا قدمت وزارة الصحة للطبيب لدعمه والتخفيف عنه فرد قائلا:" فاقد الشيء لا يعطيه، إذا كان لدينا قصور شديد في برنامجنا نحو المريض النفسي وليس الصحيح الذي يحتاج إلى دعم(...)هناك استشاري واحد فقط مؤهل حتى الآن بين طواقم الأطباء النفسيين، وغيره هم ممرضون وأطباء يعملون بالخبرة"، وأضاف: "لا يوجد كادر مؤهل لدعم الطبيب أو الفئات الأخرى الواقعة تحت الضغط".

منذ تولي حكومة الوفاق والموظف بالوزارة بنصف أو ربع راتب بحسب الحاج، مشيرًا إلى الضغوطات الهائلة الملقاة على عاتق الوزارة في ظل نقص الإمكانيات وكشف عورة البنية التحتية القديمة وحاجة المباني إلى الصيانة.

وفي السياق أكد مدير المستشفيات بوزارة الصحة أن الرضا الوظيفي للكوادر العاملة في مستشفيات الصحة هدف مهم، متسائلًا:" كيف نعمل على تحقيقه وألف باء الرضا وهو الراتب غير متوفر وعبارة عن 45% فقط".

ووصف الـــ45% من الراتب الذي يتلقاه الطبيب بالإعانات، مشيرًا إلى أن أزمة الراتب ماثلة وكلما مضى الوقت ازدادت حدة، منبهًا بأنها دخلت في الطور المزمن الذي يراكم الالام والضغوط لدى الكوادر الطبية.

وذكر أن 50% من 490 طبيبا بمجمع الشفاء الطبي يتلقون راتبا بنسبة 45%، في حين يتلقى الـ 50% المتبقية راتبا كاملا، في حين أن 50% منهم أصبح فوق سن الـ 55 عامًا أي غير فاعل، في حين يبقى الجزء الفاعل في المحرقة الوظيفية.

ويبقى السؤال:" لماذا يعطيك العافية غائبة يا دكتور عبد اللطيف؟"، أجاب:" قد يكون هناك حاجة إلى تكثيف الزيارات، حيث إننا نضع أقسام الطوارئ في الخطة لتحسين العمل فيها"، مردفاً بالقول:" نضغط نحو الارتقاء بالعمل الاشرافي وجزء مهم هو الاهتمام ودعم الكادر الطبي لاسيما مجمع الشفاء".

وأكد مدير المستشفيات بأنهم سيحثون الخطى أكثر تجاه رفع معنويات وتحفيز الذين يعانون من ضغوطات، منبهًا إلى أن دور الوزارة تجاه الطبيب هو معنوي كتقديم شهادات تقدير وحث إدارة المستشفيات على القيام بأنشطة اجتماعية، "فلا تستطيع أن تقدم له مكافآت أو حوافز مادية".

أخصائي نفسي: الضغط في العمل دون راتب أو تحفيز أدى إلى احتراق الطبيب الوظيفي

 

وحين سألناه عن هيكلية الوزارة وغياب وحدة الدعم النفسي عنها، لم ينكر غيابها عن كل مستشفيات القطاع والاكتفاء بمستشفى الصحة النفسية التابعة للوزارة، موضحًا أنه وفي مستشفيات العالم والدول العربية يتوفر في كل مستشفى داعمون نفسيون وعدد من الباحثين الاجتماعيين، ليعملوا مع فئات من مرضى الأورام والمشاكل المزمنة وكذلك تقديم الخدمة للأطباء والعاملين.

وعن لب مشكلة غياب الكادر النفسي من طاقم مستشفيات الوزارة يقول:" لا يوجد لهم توظيف وهذه الفئة غير موجودة على خارطة الوزارة، حيث تحتاج إلى قرارات عليا لاستحداثها لفئة داعمين نفسيين للمرضى والأطباء، ليسوا موجودين في الأساس للمرضى!".

وأكد الحاج في ختام حديثه أن الفكرة طرحت، إلا أنها بقيت أسيرة لسلم الأولويات، منبهًا إلى وجود نقص في الكادر الطبي الأساسي، وعند المطالبة بأطباء بفئة داعمين نفسيين، يتم تلقائيًا شطب البند.

القهر النفسي

"هل سمعت عن وحدة دعم نفسي خاصة بالطبيب؟" عرضنا السؤال على أكثر من طبيب بمجمع الشفاء الطبي، فجاءتنا الإجابة من الطبيب إيهاب النحال والتي تعكس ذاك الوجع الممتد بداخله:" بالفعل هناك وحدة مطورة أكثر من وحدات الدعم النفسي، هي وحدة تحت مسمى وحدة القهر النفسي، هناك يتم ممارسة القهر الوظيفي على الأطباء حيث إن الطبيب المقهور يلجأ إليها لتزيد من جرعة القهر والمعاناة .. وتتمثل في صب قوانين إدارية وضبط إداري ومحاسبة مع قلة راتب وقلة حياة"، وفق تعبيره.

النحال الذي ازداد شرفًا بالعمل بشكل تطوعي في قسم الاستقبال والطوارئ خلال كل عدوان، يشعر بالقهر كغيره من أطباء مجمع الشفاء الطبي.

وأبدى اعجابه ببرنامج تشرف عليه مستشفى الصحة النفسية بالتعاون مع الصليب الأحمر تحت عنوان "مساعدة المساعدين" ويشمل دورات تأهيلية ضمن بروتوكول معين، متمنيًا أن يكون له صدى واسع.

"الرسالة نت" حطت رحالها في آخر محطة وهي أمام مكتب مدير وحدة مساعدة المساعدين بمستشفى الصحة النفسية محمد أبو شاويش والذي أوضح ماهية الوحدة والخدمات التي تقدمها للطبيب، مبيناً

أنه توجه جديد عالمي نحو الصحة النفسية الإيجابية، من خلال التوعية وتعزيز وسائل التكيف على الإيجابية لاسيما لمن يقدم الخدمة الطبية وتشمل الأطباء والممرضين وأخصائي أشعة وفنين وكل من يحمل لقب مساعد.

ويقول:" وجدنا الاحتياج بعد حرب 2014 لاسيما فترة الطوارئ، استهدفنا حوالي 10200 مستفيد من الكوادر الطبية والتي كان لمجمع الشفاء النصيب الأكبر حيث استهدفنا ما يقارب 30 طبيبا ما بين عظام وأوعية دموية وعلاج طبيعي".

الصحة النفسية: يجب أن يكون الطبيب قادراً على دعم نفسه قبل التمكن من دعم الآخرين

ويتم العمل ضمن الفريق حيث تستمر الجلسات لمدة شهرين، ما يعادل جلسة أسبوعية ضمن بروتوكول معين يهدف إلى خفض مستوى تأثر الفئة المستهدفة بالضغوط وفق أبو شاويش، حيث تنعكس الجلسات بشكل إيجابي على أدائهم داخل المستشفى ومدى رضاهم على المهنة ومنع وصول المستفيد إلى مرحلة الاحتراق الوظيفي.

ونبه مدير وحدة مساعدة المساعدين إلى أن الإدارة جزء من الدورات، حيث تستهدف المستوى الإداري حتى يتمكنوا من إيصال حجم المعاناة وأساليب التعامل لمراعاة الجانب النفسي.

وقال: "يجب أن يكون الطبيب قادرا على دعم نفسه قبل التمكن من دعم الآخرين، وقبل أن يحترق انتماؤه لهذه المهنة الإنسانية". وطالب الكوادر الإدارية بوزارة الصحة أن تولي اهتماما أكبر بدعم الكوادر الطبية والعاملين بمجمع الشفاء الطبي حتى ينعكس ذلك على أدائه ويحافظ على الجو العام الصحي داخل المشفى.

إسعاف!

عيناه الواسعتان اتسعتا بشكل تدريجي حتى يتمكن من استيعاب سؤال إحدى المرافقات لابنتها وهي تلح عليه ليخبرها عن وضع ابنتها التي افترس جسدها السرطان!.

ارتكز على الحائط، حاول أن يطمئنها على وضعها، إلا أنها أصرت عليه مجددًا، فقال:" المرض انتشر بشكل كبير ووضعها حرج ولكن تأملي سيساعدها الكيماوي على العيش لعام أو يزيد إن كتب الله لها ذلك".    

الأمل الذي حاول أن يمده الطبيب لأهل المريضة في قسم الاستقبال والطوارئ, لم يتمكن أحدهم من بثه مجددًا في روحه, بعد أن وصلت حالته لمرحلة حرجة في ظل غياب منظومة دعم نفسي ومعنوي كافية له.

هي صرخات أشبه بزامور سيارة اسعاف تطلقها "الرسالة" بعد أن فتحت جروح أطباء مجمع الشفاء، أملاً بأن يجد من يقطبها إن كان من إدارته المباشرة وإعادة نظرها في هيكلية الوزارة لتتناسب مع احتياجاته، أو من المؤسسات الداعمة لملاك الرحمة حتى لا نخسره!.

 

 

اخبار ذات صلة