قائمة الموقع

"الجمعة" كرّموا "خالد" لحفظه القرآن و"السبت" كرّمه الله بالشهادة!

2016-08-11T07:08:26+03:00
من امام خيمة عزاء شهيد الاعداد خالد الهور
غزة-أمل حبيب

اشتد الوجع عليها حتى حاصرها دعاء من حولها بأن يرزقها الله ولدًا بارًا بها كما اخوته، نصف ساعة أو يزيد، وأحدثت زغرودة النسوة صفيرًا عاليًا امتزج مع صراخ المولود الجديد لعائلة الهور، هو المنتصف في ترتيبه بين اخوته، وصاحب المرتبة الأولى في حب الجميع له.

لم تحتر العائلة بتسميته، فالاسم كان قد جهّز له منذ أن كان نطفة في رحم امه، "هو خالد" تقول شقيقته الكبرى، وتعلق الأخرى:" زي اسم جارنا الشهيد خالد هليل الله يرحمه".

لم تدرك عائلة الهور أن طفلها الجديد "خالد" لن يكون له من اسم جارهم نصيب فحسب، بل سار على دربه ثائرًا بالتحاقه بصفوف كتائب القسام، الى أن رزقه الله نفس الخاتمة وجارهم خالد ابن انتفاضة الحجارة، ليرحل خالد الهور شهيدًا في باطن الأرض.

ثائر ومزارع وتاجر

قد يكون في أعماق أم الشهيد ما لا يمكن نبشه خلال لقاء صحفي في يوم العزاء الثالث لابنها خالد، الا أنها كانت قوية وابتسامة تتقاسمها وصورة لخالد معلقة أمامها تخفف نار شوقها لغيابه، تقول: " مميز بكل شيء حتى بخاتمته ".

الجمعة الأخيرة لخالد تروي تفاصيلها والدته أم محمد: "تم تكريمه لتثبيت حفظه للمصحف والسبت استشهد .. ما فيه أحلى من هيك خاتمة ".

"خالد" عاش اليتم وورّثه لصغيره "محمد" وآخرٌ في أحشاء زوجته!

هناك أشياء لا تغيب عن الذاكرة كيوم التحاق خالد برياض الأطفال، ورفضه مجرد الفكرة، "الروضة للصغار وأنا كبير يمه"، لا تزال الثكلى محتفظة بنص الحديث التي كان يردده خالد حين تجهزه للروضة، وتعلق: "الله يرحمه عقله أكبر من سنه".

خالد الذي أدرك عِظم المهام التي تنتظره تجاه تحرير المسرى والأسرى، تمثلت في انتمائه لوحدة الأنفاق، ففي جوف الأرض كانت شهقة الرحيل، وبقيت فوقها الذكرى خالدة.

ساعة في بيت العزاء بمخيم البريج وسط قطاع غزة مع والدة خالد وشقيقاته وزوجته، كانت كفيلة لأن يكبر في قلبك اليقين بــمعنى "ويتخذ منكم شهداء".

شهادات التقدير التي ملأت الحائط للطالب خالد في مرحلته الابتدائية بمدرسة الفلاح، مرورًا بالإعدادية وليس انتهاء بالثانوية العامة، تزاحمها اليوم صور الشهيد خالد الذي لم يتعد الـ 23، وقد عمل معلمًا ومحفّظا للقرآن ومزارعا وتاجرا، وفق شقيقاته اللواتي ابتسمن وهن يتحدثن عن طموحه ورغبته في أن يتعلم كل شيء، وقد حصل على شهادة الشريعة الإسلامية واللغة الإنجليزية كذلك، الا أنه تميز كثائر له ثقله ووزنه في "القسام".

يُتم وموت محقق

خالد الذي التصق باسمه وصف "اليتيم" لفقده والده، وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره، ورّثه اليوم لطفله محمد ابن الثامنة أشهر، ولجنين آخر ما يزال يسكن أحشاء زوجته.

مساء الجمعة وخلال مداعبة خالد لطفله محمد، طلب منه مرارًا أن يمشي، ضحكت منه عمته وهي تقول: "لسة صغير".

تمنى لو رزقه الله بـ "ريماس" لأنها طريقه الى الجنة

لهفة خالد كانت واضحة وهو يكرر: "يلا يابا فرحني بخطوة وحدة .. اكبر وامشي"، لم يبصر الشهيد خطوات صغيره، الا أنه استطاع أن يمهد له الطريق من بعده، وقد باتت واضحة المعالم.

الضجة التي تحدث الآن في قلب الأرملة اسلام لا يمكن أن يراها أحد الحاضرين ممن جاؤوا لتقديم واجب العزاء لها، تحاول ان تبقى قوية كما علّمها خالد، الزوج الرومانسي الذي ما فتىء يغازلها علنًا أمام عائلته، في حين يحرص على اسعادها وإرضائها، وان كانت هي المخطئة، وفق قولها.

تعود بالذاكرة إلى بداية العام الأول والوحيد الذي عاشته معه، وتستحضر الماء الدافئ الذي كان يحضّره لها في ليالي كانون الباردة لتتوضأ لصلاة الفجر.

لم تنس العشرينية اسلام وعاء الطحين الذي كانت تنوي أن تجهزه للعجن واعداد الخبز الا أن خالد خاف عليها من الإجهاد أو التعب، لاسيما وأنها حامل في الأشهر الأولى، فأخذ منها وأكمل المهمة التي تخللتها ضحكاتها عليه، وقد حول الطحين الى بركة مياه بيضاء.

خالد الذي تمنى لو رزقه الله بـ "ريماس" لإدراكه بأنها طريقه الى الجنة إن أحسن تربيتها، رزقه الله بـ "محمد" الذي كان لنا نصيب أن نحمله، ونتأمل ملامحه التي ورثها وحالة اليتم من والده.

خلال محطات حياته توقفنا لدقائق عند نجاته من الموت بأعجوبة بعد سقوطه من الطابق الثالث وهو في عمر الرابعة عشر، وتقول شقيقته سوزان: "أسبوع في العناية المركزة لم نتأمل أن يحيا من جديد".

قدر الله غلب كل شيء بعد أن كتب له الحياة، ليرتقي شهيدًا في باطن الأرض ومعوله بين يديه بعد سنوات من العمل في حفر الصخر نحو القدس.

مفاجأة خالد!

خالد الذي اعتاد أن يتلو آيات من القران خلال صعوده على سلالم البيت أو نزوله منها، ترك خلفه عادة أخرى وهي "عزيز" التي كان يوصف بها من يبادله التحية من المعارف أو الأصحاب، حتى بات الصغار يلقبونه بـ "خالد العزيز".

بعد سقوطه من علو نجى بأعجوبة ليرتقي في باطن الأرض شهيدًا

يومان فقط غابت خلالها والدته عن البيت في زيارة لبيت أهلها، كانت كفيلة بأن يحتضنها خالد في الشارع العام، ويقبل جبينها وكفيها أمام الجيران.

توردت وجنتا والدته التي استغربت من تصرفه لأول مرة وتعلق: "قبل استشهاده بيوم كان متل الطفل الصغير، بجري ورايا بالشارع عشان يحضني".

لم ينته المشهد عند هذا الحد بعد أن أخبرها خالد " تركت لك يمه مفاجأة بالدار يا رب تعجبك".

حاولت والدته أن تبحث عن المفاجأة، الا أنها لم تجدها فقررت أن تنتظر خالد حتى يعود من عمله ويخبرها، الا أنه عاد محمولًا على الأكتاف ليخبرها عطره بأنه شفيع لها في دار السلام.

اخبار ذات صلة