لليوم الـ(40 على التوالي)

الأسير الهريمي: مُضربٌ حتى أنتزع حريتي رغم أنف الاحتلال

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

الرسالة نت- محمد أبو زايدة

أحضروا "الكانون" وأشعلوا بداخله الفحم وهم يرتدون بزّتهم العسكرية وعلى كتفها شعار "إسرائيل"، ومن جانبهم سجنٌ موصدُ الأبواب، لا يتسلل إليه إلّا رائحة شواء اللحم الممزوج بضحكاتٍ صاخبة، وطرق كؤوس البيرة؛ وعباراتٌ ساخرة أبرزها: "قال مضربين عن الطعام.. هو في أزكى من الأكل".

صوتُهم يتردد في آذان الأسير عياد الهريمي (23 عامًا) المضرب عن الطعام لليوم الـ(40) على التوالي، فلم يتمالك أعصابه من سخريتهم فنادى عليهم بصوته قائلًا: "اعملوا شو ما بتريدوا.. نحن مستمرين بإضرابنا حتى نزع كامل حقوقنا"، واستشاط العسكري حارس الزنزانة غضبًا، وصرخ في وجه جسد عياد "الهزيل" قائلًا: "شِـــــت.. ما بدنا صوت"، وألحقها بطرق سيخٍ حديدي على "كانون" النار.

صوتُ ضحكاتِ عيّاد بدأت تعلو وهو يخرجها وجعًا من قاع القلب؛ معتبرًا أنّها انتصارٌ على وسيلتهم التي اتخذوها لكسر إضرابه عن الطعام، لكنّهم بدأوا يضايقون عليه بشتّى الطرق، ومن بينها الضرب والشتائم والتنكيل.

تقول أمّ عياد لـ"الرسالة نت": "أخرجوا من داخل زنزانته الماء الصالح للشرب، وشتموه بأقبح العبارات وقالوا له إن أردت أن تكمل إضرابك وتشرب الماء؛ فهذه فضلاتك عليك أن تتجرعها".

حديث أمّ عيّاد لم يخلو من عبارات "حسبنا الله ونعم الوكيل" أثناء حديثها عن نجلها، وعادت بذاكرتها للوراء تخبرنا قصّة اعتقاله، مضيفة: "كان حنونًا لا يتحدّث إلّا بلسانٍ معسول، وقلبه يرق لأهالي الشهداء فيقدّم لهم الدعم والمساندة".

كان عيّاد كلّما سمع أنّ شهيدًا نفذ عملية ضد جنود الاحتلال في منطقته –بيت لحم- يسارع لتقديم واجب العزاء، ومساعدة أهله في استقبال المهنئين والزائرين.

تتابع: "كانت أفعاله بمثابة قهرٍ للاحتلال، لأنّهم اعتبروها دعم لـ"الإرهاب"، فأرادوا أن يوقفوه عن صنيعه؛ فاعتقلوه وحكموا عليه حُكمًا لـ(3 سنوات)، قضاها داخل السجون".

عاش عيّاد ثلاثة أعوام داخل قضبان الاحتلال يعاني قسوة السجان، ووحشية العزلة، وخرج بعد انقضاء مدّة محكوميته التي قضاها في سجن نفحة الصحراوي.

تتحدّث أمّه: "حاول أن يقدّم انجازًا أثناء اعتقاله في سجون الاحتلال، لا سيّما أنّه تمّ اعتقاله قبل دخوله الثانوية العامة، فأصرّ على نجاحه؛ وقدّم الاختبارات داخل الزنازين، وأعلنت وزارة التربية والتعليم عن نجاحه".

كانت فرحة النجاح بمثابة انتصارٍ لعياد، وبعد ثلاثة أعوامٍ قضاها في السجن، تنسّم الحرية في الثالث عشر من ديسمبر (2015) والتي شعر بها أثناء رؤيته مئات المهنئين بسلامته، لكنّ الواقع أضحى كابوسًا في بيته.

صوتُ جنود الاحتلال بدأت تعلو في فجر الخامس والعشرين من ديسمبر (2015) وطرقاتُ الباب تسمع تباعًا دون ترتيب، وصُراخُ جنود الاحتلال على العائلة يعلو بقولهم "افتخوا.. بسرعة.."؛ مع طرقٍ بأعقاب البنادق على الشبابيك والأبواب.

والعائلة بأكملها استيقظت مفزوعة من ضجيج جنود الاحتلال، وما لبث أن فتح عيّاد الباب؛ حتّى أوقعوه أرضًا، وكبّلوا يديه خلف ظهره، ووضع ضابط الجيش حذاءه على رقبته قائلًا: "حذرناك ما تدعم الإرهاب.. بتسمعش الكلام"، وفق تعبيره.

عشراتُ الجنود انتشروا في المنزل وبرفقتهم الكلاب البوليسية، ولم يخرجوا إلّا وقد عاثوا بكل الأثاث خرابًا وتدميرًا، ثم سحبوا عيّاد من تلابيب قميصه؛ وأخرجوه إلى الجيب العسكري، وانهالوا عليه بالضرب حتى وصل إلى سجنه.

أخبره الضابط في الجيش أنّ "ملفك سرّي.. واعتقالك إداري"، ولم يحددوا له مدة محكوميته؛ وازادت المعاملة سوءًا.

تستطرد والدة عيّاد: "زُرته في العاشر من تموز/يوليو، وكان يشكو لي سوء المعاملة والبطش الذي يتلقاه من مصلحة السجون، وأخبرها إن لم يكفّوا عن ذلك؛ سيعلن إضرابه المفتوح عن الطعام".

وفي صبيحة الرابع عشر من (يوليو/تموز)، أعلن عيّاد إضرابه المفتوح عن الطعام بسبب سوء المعاملة، والاعتقال الإداري، واستمر به حتّى كتابة التقرير المتمم لـ(40 يومًا) من الإضراب، والذي أدّى به إلى نقصان وزنه من (115كيلو جرام) إلى (75 كيلو جرام).

تتحدّث والدته: "في أوّل أيّام إضرابه؛ هاجمه الجنود برفقة الكلاب البوليسية، وطلبوا منه أن يخلع جميع ملابسه، لكنّه رفض ذلك؛ فهددوه بالكلاب ونزعوها عن جسده، واستمروا بالسخرية منه وشتمه".

لكنّ ذلك الأسلوب؛ بث في عيّاد الهريمي روحًا جديدة لمواصلة الإضراب، وإيصال رسالته التي تركها وصيّة في أذن أمّه أثناء زيارتها الأخيرة له قبل إعلان إضرابه، حينما قال لها: "أعدك يا أمّي أنني سأواصل الإضراب حتّى أنتزع حريتي رغم أنف الاحتلال.. أو ألقى الله شهيدًا وجبيني مرفوع".

البث المباشر