قائمة الموقع

خاطر: طفلي وقف حاجزا بوجه الاحتلال أمام اعتقالي

2016-08-23T08:29:08+03:00
لمى خاطر وطفلها
الرسالة نت-محمد أبو زايدة

ناما بسلامٍ بعدما طبعا قبلةُ على جبين صغارهم مصحوبة بجملة: "تصبحوا على خير"، إلّا أن طرقًا مُزعِجًا وكأنّه صوت إطلاق نار يكاد يكسر الباب، أيقظ العائلة بأكملها، وأوّل سؤالٍ خطر في خُلدِ ربة المنزل طرحته على زوجها: "الجيش الإسرائيلي وإلّا أمن السلطة الفلسطينية...؟".

فتحت ربّة المنزل -لمى خاطر- نافذة بيتها وألقت نظرةً خاطفة؛ فوجدت أنّ مُدرعات الاحتلال وعناصره يحيطون بالمنزل من جميع الجهات، وجزءًا منهم اقتحم المنزل، وبدأ لسانها يردد تلقائيًا بـ"حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله إنا إلى ربنا راغبون".

فتح حازم الفاخوري –ربّ الأسرة- باب البيت، وكان ضابط في الجيش "الإسرائيلي" يقف على عتباته، فنادى على ساكني المنزل: "جميع من في البيت يطلع برا.. كلّو يخلي البيت.. ممنوع حد يظل هان.. بسرعة..".

الجيش وصل

اتجه حازم إلى غرفة زوجته وأخبرها أنّ الجيش قد اقتحم المنزل ويطالبوننا بإخلائه، فربّتت بلسانها على قلبه وطمأنته "لا تخف إنّ الله معنا"، وارتدت ملابس الصلاة واتجهت صوبهم، فطلبوا منها إحضار هويّتها.

أحضرت هويّتها التي "تُثبت شخصيتها"، ثم طلبوا من الجميع مغادرة المنزل باستثناء لمى، فاصطحب ربّ الأسرة مرغمًا أبنائه الخمسة واتجه إلى منزل شقيقه المجاور لبيته، وسرعان ما نادى الضابط على المجنّدات "الإسرائيليات"؛ اللواتي باشرن بتفتيشٍ شخصي لـ"لمى".

جزءٌ من الجنود فتشوا المنزل، وأخريات اتخذن من "لمى" مهمّة عملٍ لتفتيشها، والعشراتُ يتربّصون بأعينهم شُرف المنازل مهددين بكل من يفكّر بتصوير تجمهرهم.

"حاضر سيدي.. هذا اللاب توب، وهذا الهاتف.. "، بهذه الجملة حضر الجنود المخوّل لهم بتفتيش البيت، وأجابهم سيّدهم: "هذه الأجهزة رهن الحجز.."، ثم التفت إلى صورةٍ على جدران المنزل عليها علم فلسطين يتوسّطه "لا إله إلا الله.. محمد رسول الله"، فمزّقه بكُلّ وحشيّة.

نظر الضابط إلى لمى وأخبرها أنّها رهن الاعتقال، فطلبت أن تغيّر ملابس الصلاة لتصاحبهم، لكنّه أشار بسبابته معربًا عن نفيه لذلك، وقال لها مشيرًا بيديه إلى الجيب العسكري: "متل ما أنت راح تروحي معنا".

بادلته النظرة بكلّ جبروتها وأخبرته أنّه يرتكب حماقة من حيث لا يدري، وبلحظةِ انفجارٍ أعربت عنها لمى من نظراتها إلى الضابط؛ حضر زوجها محتضنًا صغيره الذي لم يتجاوز الثلاثة أشهر، وأعطاه لأمّه.

أنا وطفلي

ضمّت صغيرها إلى صدرها، ونظرت إليه وهي تحتضنه بين ذراعيها، ثم رفعت عينيها اتجاه الضابط وأخبرته "سأذهب معكم أنا وطفلي".

نظر الضابط إلى لمى وكأنّه غير مبالٍ بما تقول، وأجاب عليها: "الطفل سيبقى مع والده، وأنت ستذهبين معنا"، فأعادت النظر إلى الجنود من جديد، وأخبرتهم أنّ صغيرها لا يمكن له أن يتركها مطلقًا، لا سيّما أنّه يعتمد في غذائه عليها بشكل كامل".

توقفت لحظةً عن الحديث وهي لا تزال تحتضن صغيرها، ثم تابعت موجهة نظراتها إلى الضابط: "أنتم تقولون أنّكم دولة قانون، وقانونكم يقول إنّه لا يجوز فصل الابن عن أمه إن كان أقل من عامين.. فما بالكم بصغيري الذي لم يتجاوز الثلاثة أشهر.. سأقدّم فيكم شكوى للمحكمة..".

توقّف الضابط عن الحديث، لم يستطع البوح بكلمة سوى أنّه رضخ لطلبها وقال لها وهو يشير للصغير، "استعدي أنتِ وهو ستذهبون معنا".

توجّهت لمى إلى غرفتها، وأحضرت حقيبة الملابس الخاصة بالطفل، وخرجت من باب بيتها متجهة إلى الجيب العسكري، فأوقفها الضابط وفي يديه هاتفه المتصل بالجيب، وما إن أنهى مكالمته حتّى أخبرها: "انتظري دقائق.. سيحضر مسؤول منطقة الخليل في الجيش الإسرائيلي".

 لا نعتقل النساء!

وبعد دقائق معدودات، وصل المسؤول الذي ما فتئ يردد عبارات التهديد منذ نزوله من سيّارته، حتّى مغادرته المكان، لخّصت لمى ما دار معها لـ"الرسالة نت"، تقول وصوت كلامها ممزوج بضحكة ساخرة من موقفه: "كان كل عباراته يدخل فيها جملة أنت تصنعين لدولة إسرائيل مشاكل.. ماذا ترين نفسك.. شو مفكرة حالك.. أي واحد بيعمل مشاكل مع دولة إسرائيل يدفع الثمن".

سألت لمى الضابط: "عفوًا.. ما هي تهمتي؟"، فأجابها: "كُل الخليل تعرف ماذا تفعلين ضد إسرائيل"، تبسّمت بشكلٍ ساخرٍ في وجهه وأجابته: "كلّهم يعلمون عني ما لا أعرفه عن نفسي لدى إسرائيل... عجبًا".

تتابع لمى لـ"الرسالة": "طلب مني الذهاب إلى التحقيق برفقته، فرفضت إلّا أن يكون صغيري بحضني، فرفض، وبعد إصراري قرر تأجيل الاعتقال".

وقبل انسحابه من المكان، وإعطاء أوامر لعناصره بالمغادرة، قال لـ"لمى": "غدًا عليكِ أن تتواجدي في مركز عتصيون الأمني شمال الخليل في تمام الواحدة ظهرًا.. وأنصحك إلى حينها أن لا تفعلي مشاكل لدولة إسرائيل، وأنصح زوجك أن يفصل الانترنت عن البيت".

استقلّ الضابط سيّارته ولا يزال يهدد العائلة يقول: "احنا ما بنعتقل نسوان، بس أنت أجبرتي دولة إسرائيل على ذلك"، وأشار إلى زوجها قائلًا: "بأنصحك يكفي الثمن الذي دفعته بالسجن، وسوف تدفع زوجتك الثمن نفسه بسبب أعمالها".

تأجيل المقابلة

ومع انسحاب الجيش من أمام المنزل، تقدّمت "لمى" متجهة إلى القبلة؛ طالبة من الله العون، واحتضنت أطفالها الذين كانوا طيلة استجواب الاحتلال لها؛ في منزلٍ مجاورٍ لبيتهم.

تستطرد: "من المفترض أن يكون يوم أمس (22/8/2016) هو موعد ذهابي إلى عتصيون، لكنّ المخابرات "الإسرائيلية" اتصلت بي في تمام العاشرة صباحًا وأخبرتني أنّه تم تأجيل المقابلة حتى يوم الأربعاء في تمام العاشرة صباحًا؛ مشترطين أن يكون زوجي برفقتي، وننتظر تلك الساعة التي تقترب حينًا تلو الآخر".

وتعقّب على ما حصل معها بالقول: "دومًا نتوقّع أن يتم اعتقالنا سواءً أنا أم زوجي -حازم-، وكثيرٌ ما يتم مداهمة منزلنا سواءً من أمن السلطة الفلسطينية، أم من الاحتلال "الإسرائيلي"، وغالبًا يتم "اعتقال زوجي اداريًا" تحت بند "ملف سري".

ولكثرة الاعتقالات من السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال وفق سلسلة "الباب الدوّار"؛ أصبح مكان سكن "لمى" وزوجها "حازم" مشهورًا للجيران بكثرة المداهمات وحملات التفتيش التي لا يخلو شهر إلّا ويكون لهم حظّ الأسد منها في الخليل، ولكنّ الأسرة داخل البيت دومًا يتوقعون المداهمة في أي لحظة، وترفع العائلة شعارًا: "مرّة السلطة.. ومرّة الجيش.. ومكملين في كلمة الحق".

اخبار ذات صلة