تزيّنت مقاعد المصطافين على شاطئ مدينة غزّة؛ بألوانٍ ممزوجة بنكهة الطبيعة، وبضحكات الأطفال الذين وصلوا برفقة ألعابهم، ينثرون في المكان سعادة؛ وهواء البحر يداعب خصلات شعرهم.
الألوان ليست موحّدة، وجدران المكان عليها رسوماتُ الأجداد، وكثيرٌ منها خطّت أنامل فنانٍ عليها وجه عجوزٍ تعود أصوله للنكبة الفلسطينية، ورُغم قهر الحياة وعذاباتها في قطاع غزّة، إلّا أنّ كثيرًا منهم هربوا من بيوتهم بفعل انقطاع الكهرباء وحرارة الصيف المهلكة؛ متوجهين إلى ساعة صفاءٍ مع الذات أمام بحر قطاع غزة.
على كورنيش شارع الرشيد؛ وتحديدًا مقابل مسجد الشيخ عجلين، تجوّلت "الرسالة" عصر أوّل أمس السبت في المكان، ونقلت مشاهدَ البساطة التي يعيشها كُل من تخطّ قدماه "الكورنيش"، ويجلس موجهًا مسامعه إلى هدير البحر.
"هان رزقتي"، كانت كلمات صاحب اللقاء الأوّل محمد الطناني؛ والذي جمعنا مع بائع "غزل البنات" ذي الألوان المتشابهة مع مقاعد المصطافين، المتنوعة بين الأحمر والزهري والأصفر والأبيض.
ويرى الطناني أنّ قدومه إلى المكان فيه "استقرار الروح"، بالإضافة إلى أنّه يجني بعض الأموال من خلال بيع الأطفال "غزل البنات"، ولا تزال كلماته تتردد كلّما تجوّل على "الكورنيش"، يردد بعباراته وهو حاملٌ بضاعته على كتفه: "قرب واشتري.. ابسط أولادك.. عيش حياتك.. اسعد أحبابك".
ولم يبعد بيننا وبين الطناني سوى بضع أمتارٍ عن عريسٍ نزل من سيّارة زفافه برفقة فرقة "فدعوس"، وقد اختار مكان "الكورنيش" موطنًا لفرحته التي تكللت في ذلك اليوم.
لم تتمكن "الرسالة" من رصد آراء العريس الذي كان يوزّع الابتساماتِ لكلِ من نظر إليه سواءً من أقربائه الذين اصطحبهم إلى المكان، أو من المصطافين الذين تهللت أساريرهم، وشاركوا "العريس" بالابتسامات.
وعلى أحد المقاعد ذات اللون البرتقالي، يجلس صديقان في الحيّ منذ الطفولة، يلقيان بهمومهما إلى البحر الذي يصفه أحدهم بأنّه "ملاذ الزهقانين".
يقول الشاب عبد الله أبو سرّية (29): "جئت أنا وصديقي خضر البنا إلى المكان لنرى جمال الخالق، ونهرب من روتين الحياة القاتل".
يروي لنا أنّ زيارتهما كانت من شرق محافظة مدينة غزة، وصولًا إلى غربها لأجل الهروب من الواقع، وفعلًا نجحا في ذلك – وفق أبو سرية- بعدما تقاسما هموم بعضهما".
يرى الآخر "البنّا"، أنّ الواقع الذي يحياه الغزيون يجبرهم على الهروب إلى أكثر مكانٍ به الأمان، مقابل شاطئ البحر، لا سيّما أنّه أضحى مهيّأ لاستقبال المصطافين على مكانٍ خصب، وألوانٍ تشرح الصدر".
لم يمر أسبوعٌ على الصديقين دون زيارتهما للمكان الذي أمسى جاهزًا بعدما أشرفت عليه بلدية غزة، بدءًا من شارع "نيت ساريم" جنوبًا، إلى منطقة السودانية "شمالًا"، وذلك تحت اسم "شارع الرشيد".
عصفورين بحجر
تواصلت "الرسالة" مع القائمين على المشروع في بلدية غزة، وأخبرنا د. نهاد المغنّي مدير عام الهندسة والتخطيط، أنّ مشروع "كورنيش الشيخ عجلين" يستهدف (500 متر) من ساحل بحر مدينة غزة، وذلك بتمويل من لجنة إعادة الإعمار القطرية.
وأشار المغنّي، إلى أنّ البلدية تستكفي مؤقتًا بالمرحلة الحالية، حتّى توفّر الدعم اللازم لإكمال المخطط.
وقال: "المرحلة الحالية هو ضمن مشروع المرحلة الأولى من تطوير شارع الرشيد، وعملنا الجدران الاستنادية فيه، لمنسوب المياه بهذه المنطقة بين الشارع وشاطئ البحر".
وأضاف أنّ "الشارع من الممكن أن يكون معرضًا للانهيار لهذا السبب، وعملنا له التدعيم بالشارع، واستثمرناها لأن تكون مكانًا للناس لاستخدامه للمشي والجلوس والاصطفاف".
كانت خطّة البلدية بأن "تضرب عصفورين بحجر واحد"، تُدعّم المنطقة بجدران استنادية، بالإضافة إلى الترويح عن المصطافين، فشكّلت مكانًا جميلًا يتردد عليه الغزيون، وصممت مدرجات، ومررت خط صرف صحّي من خلال ذلك.
وأكّد المغنّي على أنّ خطّة البلدية أن تعمل مشاريع أكثر جمالية على امتداد شاطئ مدينة غزة، لكنّ التمويل يعيق عملهم، وأشار إلى أنّ مخططًا لدى البلدية يفيد بذلك.
وأوضح أنّ بلدية غزة بدأت تستغل ردم الأماكن المخصصة لها، لردمها على الشاطئ، "وذلك حتّى تكون جاهزة عند إتاحة الفرصة لنا مستقبلًا؛ من أجل عمل مشاريع تفيد الغزيين".