بحركات بهلوانية خفيفة يعمل عدد من الفتية والشباب لجذب الأنظار للتعبير عن واقعهم ورسم البسمة على وجوه الجمهور، وذلك داخل مدرسة السيرك الأولى شمال قطاع غزة.
بحذاء خشبي بكعب طويل ولباس ملون، ينتقل الشاب ماجد كلاب _24 عاما-، بين الأطفال ليدربهم على الوقوف مثله والمشي بخفة، واللعب بمجموعة كرات مرة واحدة بشكل دائري، وكانوا يركزون في كل حركة يقوم بها ومن ثم يقلدونه وذويهم يراقبونهم بحذر خشية الوقوع، لكنهم يعملون بمهارة.
لم يستسلم الشاب "كلاب" للبطالة وهو خريج كلية الصحافة والاعلام، فسعى إلى البحث عن موهبة لديه وتنميتها، فهو كان ينجذب للعمل المسرحي ويشارك فيه، فقبل التحاقه بالجامعة اهتم بفن التهريج والمسرح والعروض للأطفال خاصة مرضى السرطان، فكان يرتدي لباس المهرج ويذهب إليهم بعد كل جرعة يتوجعون منها لإضحاكهم ومن ثم يرحل إلى بيته باحثا عبر الانترنت عن حركات جديدة تجذب الكبار والصغار على حد سواء.
توقف "كلاب" عن تدريب الطلبة لدقائق قليلة، ليروي "للرسالة" بداية إنشائه لمدرسة السيرك التي يديرها، فهو بحث كثيرا عن مدربين مختصين في هذا الفن بغزة ولم يجد، حتى جاء فريق من مؤسسة "الجبل" البلجيكية ضمن نشاط للأطفال، فحاول اكتساب الخبرات منهم وباتوا يساعدونه في تعلم حركات جديدة، لكن سرعان ما عاد الفريق إلى بلده.
يقول:" بداية عملنا كانت سنة 2011 في الأماكن المفتوحة كالمتنزهات، لكن خلال العام الماضي تمكنا من إيجاد مكان مناسب لنا وأنشأنا مدرسة خاصة بالأطفال والشباب لتعلم فنون السيرك وفق الامكانيات والأدوات الموجودة"، مشيرا إلى أنه لا يوجد مجال لتدريب الفتيات وذلك لطبيعة المجتمع الغزي المحافظ.
سيرك دون خيمة
قبل ثلاث سنوات تقريبا جاء فريق مصري أيام العيد لعمل عروض السيرك على أرض السرايا وذلك داخل خيمة كبيرة، هذا الموقف دفع الشاب "كلاب" بتحويل حلمه إلى حقيقة عبر سعيه إلى إنشاء مدرسة خاصة لتعليم فنون السيرك.
لم يتقبل الجميع فكرة التحاق أبنائهم بالتدريب على فنون السيرك، فالبعض وجد ذلك "كلام فاضي"، لكن بعد العروض التي كانت تجذب عددًا كبيرًا من الأطفال وعائلاتهم أصبحت الفكرة مقبولة بين الغزيين، موضحا أنه بداية إنشاء المدرسة التحق فيها 15 طفلا، إلى أن أصبح بعد العروض في مختلف الأماكن ما يقارب الـ 50.
ويذكر مدير المدرسة "كلاب" أن هدفه كان عمل مدرسة مختصة بفن "السيرك" وبمواصفات دولية، لافتقار قطاع غزة للعروض الاستعراضية، فحقق ذلك لكن ما ينقصهم هو "خيمة" عرض كبيرة كما في العالم.
وعن الأدوات التي يستخدمونها، أشار إلى أنهم حصلوا عليها من مؤسسات أجنبية صديقة، فهي بسيطة وتناسب مهاراتهم، لافتا إلى أنهم يتلقون تدريبات غير كافية من خبراء اجانب يأتون إلى غزة بضعة أيام ثم يرحلون إلى بلادهم مما يجعلهم لا يحصلون على تدريب تقني كافٍ.
وفي المدرسة ذاتها، كان الطالب الجامعي "إبراهيم أبو ندى" – 19 عاما-يقوم بحركات بهلوانية وهو يلف نفسه بقطعة قماش كبيرة معلقة بسقف الغرفة وسط اندهاش الأطفال من حوله، وحين فرغ من عرضه قال "للرسالة" إنه سعى إلى الالتحاق بمدرسة "السيرك" بعدما شاهد العروض المصرية في غزة، فبحث عن هذا الفن عندما كان في سن السادسة عشر وسط استغراب ذويه.
بحث أبو ندى، عن فرق تهتم بهذا الفن حتى وجد شابا يسكن بعيدا عن منطقته فكان يذهب إليه لإقامة العروض المختلفة في حفلات الأطفال، لكنه بقي يبحث عن مدرسة تحتضنه حتى وجد ضالته بمدرسة "السيرك"، وراح يتقن عروضًا جديدة.
ويلفت إلى أن بعض الجماهير عند العروض يظنون أن فريق المدرسة ليس من القطاع بل أجانب، وذلك لقيامهم بحركات جديدة تحتاج إلى مهارات عالية.
ويحلم أبو ندى، بإقامة خيمة سيرك كبيرة لعمل عروض مختلفة من أجل رسم البسمة لاستقطاب أكبر عدد من الحضور، وكذلك تطوير هذا الفن.
ليس وحده الشاب "كلاب" من سعى إلى تطوير موهبته، فهناك العشرات من الشباب الغزيين الذين يعملون على تنمية هوايتهم لإبراز معاناة القطاع والحصول على مصدر رزق لهم، في ظل انسداد الأفق أمامهم للحصول على وظيفة تشبع رغباتهم.