قائد الطوفان قائد الطوفان

في ذكرى النكسة

القدس.. (43) عاما من الاغتصاب

طوطح: الاحتلال يهدف لطرد المقدسيين وإبدالهم بالمغتصبين

بارود : ركض سلطة فتح وراء المفاوضات أدى لتهويد المدينة

التفكجي: الاحتلال ينفذ خطة هدفها تقليص نسبة العرب إلى 12%

القدس-غزة- الرسالة نت

تُحار، هل هي المدينة ذاتها المشبعة بعروبةٍ عتيقة تسبغ أزقتها وشوارعها ومنازلها المصطفة بحجارةٍ أصيلة، أم هي المدينة ذاتها التي بقيت تصارع الموت كي تحظى بلحظات حياة بين الاحتلالين؟ كلها تساؤلات ترهق ناظريك وخلاياك عندما تطل مدينة القدس المحتلة من خلف جبال الضفة الغربية، أو بالأحرى عندما تطل مغتصبات القدس كمعلمٍ أول مميز لها.. فتعض الأنامل قهراً على ما وصلت إليه "مدينة السلام".

ولأنها مركز الأطماع وأجمل الأراضي وأعرق الأبنية ومزار السياح ومهد الديانات، سعى الاحتلال خلال العقود الماضية وتحديدا منذ نكسة حزيران 1967- التي يصادف اليوم الاثنين ذكراها الـ43- إلى توسيع حدودها شرقاً وشمالاً، تمهيداً لتهويدها من خلال إنشاء المغتصبات، وطرد سكانها العرب لإحلال المستوطنين الصهاينة مكانهم.

تضاعفت أعدادهم

ونتيجة لإقامة العشرات من "المستوطنات"، تضاعفت أعداد المغتصبين خلال السنوات الماضية، وبلغت في الجزء الشرقي من القدس 180 ألفاً، وهو العدد ذاته الذي يصل إليه مغتصبو الضفة المحتلة.

وبعد المخططات والقرارات والإجراءات التهويدية تحولت القدس لمدينة معزولة عن ضواحيها وعن محيطها الفلسطيني في الشمال والجنوب، وكما عملت "المستوطنات" على فصل شمال الضفة عن جنوبها كون القدس تتمركز في وسطها، مما أدى إلى قطع التواصل الجغرافي بين أنحاء الضفة وتقسيمها إلى بقع متناثرة.

وقبل كل ذلك جرت مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي التابعة للقرى التي أقيمت عليها المغتصبات، وتطويق التجمعات السكنية والحد من توسيعها وتهديد بعضها بالإزالة، وإبقاء المقدسيين في حالة خوف دائم من اليهود، ومن ثم تشويه النمط العمراني الجميل للقدس العتيقة والقرى المحيطة.. لتتحول إلى مدينة يهودية تتناثر فيها أحياء الفلسطينيين الفقيرة.

وفي هذا السياق، صرح المتخصص بشؤون القدس جمال عمرو لـ"الرسالة" بأن "المستوطنات" حول المدينة المقدسية تأخذ طابعاً أمنياً، حيث تبنى دائريا لمنع تسلل الفلسطينيين إليها بسبب تلاصق المنازل والأبنية، ناهيك عن إحاطتها بمساحات واسعة من الأراضي المسماة "مناطق خضراء" أي التي يمنع البناء عليها أو استخدامها وتحظى بمراقبة دائمة وانتشار مكثف للأجهزة الإلكترونية الكاشفة".

ويشير عمرو، إلى أن البؤر الاستيطانية في المدينة بنيت بين التجمعات السكنية الفلسطينية بما يسمى "سياسة الأصابع" أي إقحام بيوت المغتصبين بين منازل الفلسطينيين بل والسيطرة عليها، لافتاً إلى أنها بلغت الآن ثلاثة بؤر تحيط بالقدس من كل الجهات وتخنق عروبتها.

محطتين

أما خليل التفكجي الخبير في شئون القدس والاستيطان، لخص ما جرى بالقدس منذ العام 1967 بمحطتين، فقال:" استطاع الكيان الصهيوني في المحطة الجغرافية السيطرة على 87%من القدس الشرقية ، وإقامة خمسة عشر مستعمرة يسكنها مائتي ألف مستوطن.

في حين وضع في المحطة الثانية مخطط عام 1973 لتقليص نسبة العرب في المدينة لتصبح 22% فقط من مجمل السكان، ثم عدل القرار وقلصت النسبة إلى 12%.

ويضيف التفكجي " اتخذ الاحتلال خطوات حثيثة لتحقيق الرؤية التي وضعها بتقليص أعداد المقدسيين، وذلك من خلال هدم المنازل وتشريد ساكنيها من الفلسطينيين، وسحب هوياتهم إيذانا بطردهم من المدينة المقدسة، إلى جانب إقامة الجدار الذي ألقى بمائة وخمسة وعشرين ألف شخص خارج المدينة".

ولم تقف إجراءات الاحتلال عند هذا الحد بحسب التفكجي، فقد خرج  بقرار 1650 القاضي بإخراج 55 ألف فلسطيني من القدس، وكل ذلك في سبيل تحقيق أهدافه بتقليص عدد السكان العرب إلى 12% داخل المدينة.

ويخطط الاحتلال لجلب مليون مغتصب داخل القدس مع العام 2020، من خلال توسيع المغتصبات الحالية وبناء وحدات جديدة بالمنطقة.

إزالة أحياء كاملة

ويذهب البروفسور نعيم بارود رئيس قسم الجغرافيا بالجامعة الإسلامية بغزة، إلى ما ذهب إليه سابقوه، بقوله: "في 15 من عام 1967 شرع الاحتلال بإزالة أحياء عربية كاملة  من المدينة كحي المغاربة والشرف وأقام ساحة لإفساح المجال للدخول لحائط البراق".

وأشار بارود المختص بالشؤون القدس، إلى أن الفلسطينيين المقيمين في القدس يمتلكون ما مجمله 4% من مساحتها،  بعد أن كانوا يمتلكون ما نسبته 97%، مبينا أن الاحتلال استولى على كل شيء فيها.

وبين أن نصيب القدس من  المغتصبات التي أقامها الاحتلال بلغت خمسين "مستوطنة"، تطوق في مجملها المدينة كاملة، فمنها ما يقع في داخل وخارج، قائلاً:" أكبرها "عتصيون ومعاليه أدوميم".

ولفت بارود إلى أن جدار الفصل العنصري جاء ليفاقم الأزمة، مبينا أن هذا الجدار لم يبق من ملكية الفلسطينيين شيئا وعزل المناطق عن بعضها البعض، مضيفاً: مخيم شعفاط جرى فصله عن بلدة المخيم ، مما أثر على حركة تنقل المواطنين بالسلب، فالاحتلال يحاول تغيير الوقائع على الأرض وسحب الهويات ويسعى جاهدا لسحب المواطنة، إضافة إلى أنه يمنع المواطن المقدسي من ممارسة العمل في المؤسسات الحكومية.

وأشار إلى أن عمليات الترحيل و"الترانسفير" المستمرة غيرت الوقائع، حتى أضحى العرب يشكلون ما نسبته 35% من عدد السكان في حين أن يهود يمثلون65%.

طرد النواب.. تمهيداً

ومنذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الأخيرة، واكتساحها لمقاعد النواب في القدس المحتلة، بدأت المخابرات الصهيونية تخطط للتخلص من نوابها المقدسيين، فضيقت عليهم الخناق حتى وصل الأمر إلى اعتقالهم جميعا وزجهم بالسجن لأكثر من ثلاثة أعوام.

وبعد الإفراج عنهم  خرجوا وكلهم أمل أن يخدموا المقدسيين ويعيدوا الفعاليات التي غابت عنهم، ولكن الكيان الصهيوني كان لهم بالمرصاد فاستدعاهم وسحب هوياتهم المقدسية وسلمهم أوامر بالإبعاد عن مدينتهم بحجة أنهم ترشحوا ضمن قائمة حماس.

وليس إبعاد النواب وطردهم هو الخطر الأكبر بحد ذاته، حيث تعتبر سياسة تهجير الفلسطينيين من القدس إحدى الوسائل المعتمدة لدى الاحتلال لأحداث تغيير في الكثافة السكانية تكون فيها الغلبة له.

بدوره، يعتبر النائب المقدسي محمد طوطح الذي تسلم قراراً بالإبعاد عن مدينته بعد يوم واحد من الإفراج عنه من سجون الاحتلال، القرار بأنه يأتي حلقة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي يتلذذ الكيان في تنفيذها بحق المقدسيين، والهادفة لطردهم وإبدالهم بالمغتصبين.

ويقول طوطح  "للرسالة":" كنا نتوقع مثل هذا القرار، فالاحتلال يفعل أي شيء لطرد المقدسيين، وبدأ بنا كي يمهد الطريق لطرد آلاف من سكان القدس.

وليس بعيداً عن ذلك تهديد أكثر من 60 ألف مقدسي أخرجهم الجدار العنصري عن مدينتهم بسحب هوياتهم بحجة أنهم لم يعودوا يسكنون بالمدينة، مستشهداً بنية الاحتلال تشريد أكثر من 1500 فرد من حي البستان وهدم منازلهم لإقامة حدائق تلمودية مكانها.

ساهم في التهويد

ويرى البعض أن ركض سلطة فتح في رام الله  خلف عملية التسوية، ساهم إلى حد كبير في تهويد المدينة، حيث أن "إسرائيل" استغلت فترة ما بعد اتفاق اوسلو 1993، لإقامة خلاياها  الاستيطانية.

 وأكد المحاضر "بالإسلامية "بارود أن مشاريع التسوية التي قادتها السلطة، زادت الأمر تعقيدا، وساهمت في تهويد القدس بشكل كبير، فقد قدمت لليهود أكثر ما كانوا يطمحون، لافتاً إلى أن الاحتلال يستخدم المفاوضات جسرا للانقضاض على المدينة وبناء مزيد من المغتصبات.

وشدد على أن "إسرائيل" لم تدع للاستثمار العربي موطئ قدم، في  القدس، متسائلا : "أين سيستثمر  العرب؟..لم يعد للاستثمار العربي موطئ قدم في القدس، جراء التهويد".

وكشف مؤخرا المحامي فهمي شبانة الضابط السابق بجهاز المخابرات، تسريب حكمت زيد مستشار رئيس السلطة- المنتهية ولايته- محمود عباس لعقار مملوك لتنفيذية منظمة التحرير المعروف في منطقة المصرارة بالقدس "لإسرائيل"، وأصبح اليوم بحيازة الكنيسة العالمية التي تديرها دوائر صهيونية .

وقال شبانة لـ"الرسالة"، "مسئولين بملف القدس كلفوا احد محامي "سلطة فتح"  لحماية العقارات الفلسطينية، إلا انه حاول تسليم عقار يعود لعائلة الحسيني للكيان  تحت ذريعة أن العقار يمتلكه فلسطينيون يقيمون بالخارج".

كما كشف شبانة شروع ضابط فلسطيني يتبع "لسلطة فتح" ، في بيع عقار يقع بمحاذاة المسجد الأقصى بباب حطة لمغتصبين، حيث أن أصحاب البيت الموجودين بالأردن كلفوا هذا الضابط ببيع عقارهم المذكور ولكنه ذهب يبحث عن مشتر يهودي لزيادة عمولته وصلت إلى مائة ألف دينار أردني.

موقف الاستسلام

وفي سياق متصل عبرت الهيئات المقدسية العاملة في الأردن، عن أسفها جراء تراجع ردود الفعل العربي، تجاه ما يحدث بالقدس، "إلى مرحلة بلغت من عجز النظام العربي إلى مستوى الاستسلام" على حد قولها.

وشدد بيان صادر عن الهيئة، على أن عام 2010 الجاري هو أخطر الأعوام على القدس والقضية الفلسطينية "من حيث تسارع وتيرة تصنيع الاحتلال  للوقائع الجديدة، سواء باستهداف الجغرافيا والاستيطان والاستيلاء على الأراضي وهدم المنازل، واستكمال الجدار، أو باستهداف القدس وأحيائها، داخل المدينة وحولها، أو القدس والمقدسات، وآخرها "كنيس الخراب"، ومشروع قطار الأنفاق، أو استهداف الديموغرافيا، الذي يقع في سياقه قرار طرد السكان الأصليين".

في ذات السياق حذر الدكتور حسن خاطر الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، من تسارع إجراءات التهويد الصهيونية بالمدينة المقدسية.

وقال خاطر: "إن سلطات الاحتلال  تكثف إجراءاتها الهادفة إلى تهويد البلدة القديمة بالقدس، وتسرع من وتيرة بناء الكنس اليهودية، لطمس الطابع العربي والإسلامي للمدينة، وإضفاء الصبغة اليهودية على معالمها ومقدساتها.

وأضاف "هناك نشاط محموم للمستوطنين داخل القدس، بعد افتتاح "كنيس الخراب، وأصبح لهم قاعدة كبيرة للتطرف وشحن المشاعر والتهييج لاستكمال العدوان على المسجد الأقصى والبلدة القديمة بشكل خاص".

وأشار إلى أن اليهود يضعون صناديق على مداخل القدس،  تحتوي على "بوسترات" وصور، ويطالبون فيها بالتبرع لبناء الهيكل، ومن شعاراتهم "ادفع شيكلا تمتلك عقارا عربيا في البلدة القديمة"، "ادفع شيكلا تساهم في بناء الهيكل"، "ادفع شيكلا تدخل الجنة"، مبينا أن جميع هذه الشعارات تهدف إلى جمع الأموال من السياح واليهود والجماعات المتطرفة وكل من يساهم في تهويد البلدة القديمة.

خسارة الأغلبية

ويقدر معهد بحوث القدس، أن تخسر (إسرائيل) الأغلبية اليهودية في القدس حتى العام 2035، حيث يتوقع أن يتساوى عدد اليهود والعرب في المدينة بشطريها الغربي والشرقي.

وجاء في بحث أعده المعهد أن 65% من سكان القدس بشطريها الشرقي والغربي يهود و35% عرب.

 ويتوقع أن تكون النسبة في العام 2020، 51 % يهود ، و 49% عرب. وأما في العام 2035، فيتوقع أن تكون نسبة اليهود إلى العرب متساوية 50% لكل منهما.

البث المباشر