لطالما أثار السلوك المالي للسلطة الفلسطينية الكثير من الجدل خاصة في ظل الغموض الذي تفرضه وزارة المالية في رام الله حول بعض الملفات، والتضارب في المعلومات والأرقام التي تصدر من حين لآخر.
في أحدث تقرير صدر من البنك الدولي قال إن السنوات العشر الماضية شهدت ضبطاً للمالية العامة من جانب الحكومة الفلسطينية، لكن "مع ذلك فإن الأوضاع المالية للسلطة لا تزال هشة، وأدى تناقص المساعدات الموجهة لدعم الميزانية إلى ظهور فجوة تمويلية متوقعة بنحو ستمئة مليون دولار في عام 2016".
لكن أبرز النقاط التي ذكرها التقرير ما جاء حول صندوق التقاعد والذي أكد البنك الدولي أن السلطة مدانة له بمبلغ مالي يصل إلى مليار وستمائة مليون دولار أمريكي.
الخبير المالي د. رامي عبدو أكد أن اللجوء لأموال صندوق التقاعد "غير قانوني"، وتابع" كان الأجدر بالبنك الدولي القول بأن استخدام السلطة لهذه الأموال غير شرعي دون إذن الموظفين، ويعطل إمكانية حصولهم على العوائد ويسرق حق الموظفين".
وأضاف أنه إذا حدثت أي عملية إصلاح هيكلي فستكون السلطة ملزمة بدفع كل مستحقات الموظفين، وهذا الصندوق كان من المفترض أن يتم استثماره في الأراضي الفلسطينية بحيث يعود بالفوائد على الموظفين أنفسهم. وفيما يتعلق بالإيرادات، بين أن هناك مسارًا جيدًا وإيجابيًا لإدارة المال العام رغم الملاحظات الكثيرة عليه.
وأكد عبدو أن النفقات التي تنفقها السلطة لا يوجد حد لها، وقال: "الحد يأتي من خلال حرمان شرائح بسيطة من مخصصاتها وخدماتها وحرمان بعض المناطق مثل قطاع غزة من الأموال التي من المفترض أن توجه لها".
ورغم حديث البنك الدولي عن تحسن إيرادات السلطة في السنوات الأخيرة وتخفيض الفجوة التمويلية إلى قرابة 15% بعد أن كانت 30%، إلا أنه ما زال يتحدث عن أزمة مالية وفجوة في التمويل، ما يرجح الكثير من الخبراء أن مرده هو السياسات المالية الخاطئة والغموض حول مصير الكثير من الأموال التي تدخل خزينة السلطة.
كما أن السلطة رفعت من معدل الجباية وحسّنت من إيراداتها ما أثقل كاهل المواطن الذي يعاني من الفقر والبطالة، لكنها لم تطبق خطة التقشف التي تحدثت عنها مرارا على كبار الموظفين والوزراء والذي تكلف نفقاتهم والنثريات التي يحصلون عليها الحكومة مبالغ طائلة ومن أهمها مكتب الرئيس الذي تحدث تقرير صادر عن مؤسسة أمان للنزاهة والشفافية أن موازنته السنوية بلغت قرابة 80 مليون دولار.
وبوجه عام، حذر تقرير البنك الدولي من أن "آفاق الاقتصاد الفلسطيني تبعث على القلق، وما لذلك من تداعيات وانعكاسات خطيرة على الدخل والفرص والرفاه، وسوف يؤثر ذلك ليس فقط في قدرات السلطة الفلسطينية على تقديم الخدمات لمواطنيها، بل قد يؤدي أيضا إلى مشكلات اقتصادية أوسع وزعزعة الاستقرار".
وبحسب عبدو فإن التقرير لم يأت بجديد في سياق تحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية إعاقة التنمية وتحقيق التنمية المستدامة في الأراضي الفلسطينية، لكن الجديد هو حديث البنك الدولي عن خطوات تفصيلية لتوضيح ما الذي يمكن أن تفعله السلطة الفلسطينية لخفض الفجوة التمويلية.
وأوضح أن تقرير البنك الدولي أشاد بانخفاض الفجوة التمويلية التي بلغت 15% وكانت في فترة سابقة قرابة 30%، مضيفاً أن التقرير تحدث بشيء من التفصيل عن الضفة الغربية، ذاكراً أن تخفيف القيود عن المنطقة "س" سيؤدي لزيادة الناتج المحلي بنسبة 35%، كما دعا لتخفيف القيود والحواجز.
ولفت عبدو إلى أن التقرير حث الاحتلال الإسرائيلي على العمل مع السلطة من أجل تخفيف الفاقد في الإيرادات المستحقة لصالح السلطة، وطالب بتحسين الإيرادات، مشيداً بأداء السلطة في تحسين إيراداتها. واعتبر عبدو أن البنك الدولي شدد على ضرورة تحسين الإيرادات من خلال زيادة الجباية، بمعنى انه يريد زيادة العبء على كاهل المواطن بالدرجة الأولى.
وفيما يتعلق بقطاع غزة، ذكر التقرير أن المانحين الدوليين التزموا بـ 46% فقط من إجمالي التعهدات المالية التي أطلقوها قبل نحو عامين لإعادة إعمار قطاع غزة.
وذكر البنك أن "مساعدات المانحين لا تزال ضرورية لتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة. ومن بين 3.5 مليارات دولار مجموع تعهدات مؤتمر القاهرة لإعادة بناء غزة (في أكتوبر/تشرين الأول 2014)، جرى صرف 46%، وهو ما يعني أن المانحين تأخروا في صرف 1.3 مليار دولار من تلك الالتزامات".
وطالب البنك الدولي الجهات المانحة بالوفاء بالتزاماتها وترتيب أولوية النفقات وفقا لتقييم الاحتياجات، مذكرا أنه منذ بدء حصار غزة عام 2007 تجاوزت خسائر الناتج المحلي الإجمالي في القطاع 50%.
وهنا اعتبر عبدو أن تقرير البنك الدولي هو الأضعف على الإطلاق لأنه كان سابقا يتحدث عن خطوات حقيقية مطلوبة لإنهاء معاناة السكان لكنه اكتفى بوصف الحال، ولم يقدم أي حلول أو يقترح على السلطة القيام بحقيقة للتخفيف عن السكان، ولم يقدم مطالبات للمجتمع الدولي واكتفى بالقول إن فقط 16% من احتياجات الاعمار الكلية تم تلبيتها.
وقال عبدو "التقرير وصف الواقع بأن إجمالي الناتج المحلي خسر في غزة أكثر من 50% ولكنه لم يحمل المسؤولية للاحتلال بسبب استمرار الحصار، وهو بالتالي وكأنه يكرس أن مسؤوليته تقتصر على إبقاء كيان السلطة دون تحقيق الرفاه للسكان الفلسطينيين، وإن جرى فإن ذلك يقتصر على سكان الضفة فقط".
وتابع "لم يوجه البنك الدولي مطالبة للمجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته اتجاه قطاع غزة، ولم يخرج عن المعتاد وربما كان هناك حديث دائم عن تعزيز الإيرادات". وأضاف عبدو "البنك الدولي خلال فترة سلام فياض تحدث عن زيادة الإنفاق على القطاع العام لمساعدة القطاع الخاص، وذلك للحد من النفقات، وتحديدا تقليص فاتورة الرواتب، وهو لم يحدث، وهو تحدث بإسهاب عن تعزيز الإيرادات والتي جاءت كعبء أساسي على المواطنين".