قائمة الموقع

ميناء " الأنثيدون" في غزة.. موقع تاريخي يصارع للبقاء

2016-09-20T05:15:21+03:00
صورة للموقع الأثري
​الرسالة نت– محمود هنية

تروي لنا مناطق أثرية في غزة، حكاية أقوام عبروا القطاع على مر التاريخ، وجعلوا منه موطنًا استراتيجيًا في مواقع الأمم وشاهدًا على تغير الحضارات، غير أن كثيرًا منها لم يتبق منها سوى بقية من حجارة وكثبان رمل!

موقع البلاخية أو ما يسمى بـ"ميناء الأنثيدون"، ويقع بالتحديد في غرب مدينة غزة، وتبلغ مساحته الكلية 1 كيلو متر، يبدأ جنوبا من مسجد شهداء الشاطئ، حتى موقع الأركميد شمالا، هو واحد من تلك المواقع التي حظيت على أهمية تاريخية كبرى، ووقعت على أرضه أحداث تاريخية مهمة، سرعان ما اندثرت في كثبانه الرملية، وأكوام من قمامة فوق تربه.

للوهلة الأولى تنصدم بفعل صبية من سكان الحي، يلهون على حجارة آخر سور تاريخي في الميناء، ويشرعون بتحطيمها، ويزيد حجم الصدمة عندما لا يدرك هؤلاء الأطفال أن خلف هذه الحجارة تاريخًا كبيرًا، تعاقبت عليها حضارات غيرت مجرى الكون.

ولن تصدق أن الأرض التي تسير عليها تحتفظ في بطونها كنوزًا، وفي أسفلها أقدم قصر في العالم، كما وتحتوي على أقدم كنيسة عرفتها المنطقة، وأقدم القصور والفنادق.

وحتى قبل أشهر عدة، كانت أطراف من المكان، قد تحولت الى مكب نفايات، أزيلت لاحقًا بعد عملية الترميم التي تجريها الجهات المختصة واستكمال المرحلة الأخيرة من شارع البحر.

وحظي المكان على أهمية تاريخية، كأحد الموانئ الواقعة على الساحل الجنوب الغربي من البحر المتوسط حيث يغطي مساحة تقدر بـ كيلومتر مربع تقريبا، ويبلغ عمره أكثر من 3 آلاف عاما كما أوضحت هيام البيطار مسؤولة قسم الدراسات والأبحاث في وزارة السياحة والآثار في غزة.

أقدم ميناء في العالم

ورشح الموقع ضمن قائمة التراث العالمي في فلسطين، كأحد أهم المعالم الأثرية والتاريخية في المنطقة.

وسمي المكان بالأثيدون بمعنى الزهور البيضاء، وهو الاسم الذي أطلقه عليه اليونانيون تمثلا بمدينة يونانية، فيما أطلق عليه العرب اسم البلاخية، نسبة الى جزر البلاخا، بحسب البيطار.

وتقول البيطار، أنشئ في المكان أول ميناء لفلسطين خلال العصر اليوناني عام 323 قبل الميلاد، واستمر حتى العصر الروماني، و كانت فيه أسوار تعود للقرن الثامن قبل الميلاد، أي في العصر الحديدي، وعاد الميناء بفائدة اقتصادية مهمة بربطه التجارة بين فلسطين والأردن من جهة والعالم القديم جنوب أوروبا وشمال افريقيا من جهة أخرى.

وكانت تمر عبره البضائع من الهند إلى الجزيرة العربية وجنوب الأردن، وسكن فيه كبار رجال الأعمال خلال العصر اليوناني، وشكل عصب الاقتصاد في تلك المرحلة، إذ كان مصدرًا للبضائع والعطور والبهارات والتوابل وغيرها من البضائع التي كانت تنتج في غزة.

وتوضح البيطار، أن جميع الدلائل أثبتت أن الموقع عايش حقبًا تاريخية مهمة، ومنها عبور القائد الروماني الشهير بومبي فيها سنة 63 قبل الميلاد، وأعلنها مدينة تابعة للرومان، حتى جاءت فترة الوجود البيزنطي ودخول الديانة المسيحية لغزة.

وتشير البيطار إلى الحصول على بقايا ارضيات فسيفسائية، ومخازن وبيوت تجار، خلال فترة التنقيب التي جرت من عام 1995-2010م، وضم فندقًا حصل على لقب أفضل رابع موقع من حيث الجمال المعماري والهندسي والديكور، ووجد فيه مخلفات مالية من العملات النقدية كالذهب والفضة والبرونز واجرار فخارية، عدد كبير منها يوجد في قصر الباشا في غزة.

ومع دخول حقبة الإسلام، دخل القائد الصحابي عمرو بن العاص، إلى المنطقة التي كانت محصنة، وخاض فيها أول معركة فتح قبل معارك اليرموك واجنادين، وتمكن من دخول المنطقة وتحويل اسمها "للبلاخية"، التي باتت تعرف اليوم بمنطقة المشتل.

ولم يتبق من أجزاء السور اليوناني في المنطقة سوى بضعة أمتار، بعد اندثاره بالكامل.

وتعرض الموقع إلى انهيار وانجراف بيئي وبفعل عوامل أخرى، خاصة بعد إنشاء الميناء الجديدة، ما انعكس سلبا على الجزء الغربي للمنطقة وتعرض بمجمله للانهيار، كما تقول البيطار.

وتضيف "أنشئ الآن مركز شرطة فوق أقدم قصر في العالم، كما أن الاسفلت البحري الآن في أسفله يوجد أسوار غزة القديمة".

عوامل التحدي

وتعرض المكان لقصف إسرائيلي مكثف من طائرات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحروب والمواجهات الماضية، والتي بمجملها أدت إلى تدمير ما تبقى من آثار في الموقع، خاصة وأن الصواريخ كانت تنتج حفرًا عميقة، تتسبب بحدوث اهتزازات فيها.

وتلفت البيطار، إلى أن عملية ترميم الموقع، توقف عام 2010، من طرف المدرسة الفرنسية التي تولت الإشراف على عملية التنقيب وفق اتفاق مع السلطة الفلسطينية، ومع اشتداد الحصار لم يعد هناك متسع للتواصل مع جهات من اجل أعادة ترميمه، ولا يوجد ميزانيات من أجل استجلاب خبرات وعلماء وتدريب كوادر في مجال التنقيب.

وأضافت "حجم الموقع الكبير يقف عائقا أمام المحافظة على عظمة المكان نتيجة احتياجه لموازنة مالية ضخمة لإكمال عملية الحفر والتنقيب." 

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00