قائمة الموقع

الجرائم الإلكترونية.. عين الأمن بصيرة واليد قصيرة

2016-09-22T08:00:54+03:00
صورة تعبيرية
تحقيق: أحمد الكومي

البداية كانت في عام 2009 عندما وجد المواطن (س.ر) من حي النصر في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، نفسه مثقلاً بالديون، ومتنقلاً بين أروقة المحاكم وغرف الاعتقال بمركز شرطة الحي، قبل أن يقوده ذكاؤه إلى استعطاف أحد الأثرياء في إحدى الدول الخليجية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليتغير حاله من فقر مدقع إلى ثراء فاحش.

هذه القصة مثّلت طرف الخيط الذي بحثت عنه "الرسالة" جاهدة لمعرفة بداية ممارسة الجرائم الإلكترونية في قطاع غزة تحديداً، والتي انتهت إلى رصد عوائل كثيرة في المدينة الحدودية، اتخذت هذه الوسيلة مهنة، قبل أن تنقلها رياح "الغيرة" إلى باقي المحافظات، معلنة عن نشاط ملحوظ في حركة الحوالات المالية لدى مكاتب الصرف.

ولم يكن هذا النشاط بعيداً عن رقابة الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، التي كانت حتى سنوات قليلة تراقب هذه الجرائم فقط، دون أن تملك حق المساءلة أو ممارسة الضبطية القضائية، تحت مبرر أنه "لا عقوبة إلا بنص قانوني أو حكم قضائي"، حتى تم إقرار قانون المعاملات الإلكترونية رقم (6) لعام 2013م، فهل قدّم هذا التشريع ما يكفي لمحاصرة هذه الجرائم، والحد منها؟، وما مدى خطورتها الحقيقية على قطاع غزة من الناحية الاقتصادية والأمنية؟ وهل لغياب الشرطة الجنائية الدولية (الانتربول) المعنية في مكافحة مثل هذه الجرائم، دور في ذلك؟

جرائم عابرة للحدود

يعدّ الانترنت أخطر أدوات تنفيذ الجريمة الإلكترونية باعتباره وسيطا لتنفيذها، فهي عابرة للحدود، ولا تعترف بعنصر المكان والزمان. والانترنت خدمة متوفرة في غزة، "فأكثر من 60% من الأسر الفلسطينية لديها حاسوب، وأكثر من النصف لديها خدمة الانترنت في المنزل"، وفقاً لتقرير وزارة الاتصالات لواقع قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في فلسطين للعام الماضي 2015م؛ ما وفّر بيئة خصبة لنمو الجرائم الإلكترونية بغزة، مع أهمية الإشارة إلى أن هذه المؤشرات مرشحة لتحقيق ارتفاعات قياسية مستقبلاً، لاسيما في ظل ارتفاع معدلات البطالة، تحديدا بين فئة الشباب التي تخطت حاجز الـ55%، وفق إحصاءات رسمية.

تشير أرقام النيابة العامة في غزة إلى أنها تعاملت في العام الماضي 2015 مع (446) قضية تحت عنوان "إساءة استخدام الأجهزة الإلكترونية"، وهي وفق طارق العف مسؤول الإعلام في النيابة، جرائم إلكترونية لها علاقة بأخلاقيات مثل أفلام إباحية، وابتزاز عبر الإنترنت.

لكنها في المقابل تعاملت مع خمس قضايا فقط لها علاقة بسرقة عناوين نطاقات (IP)، "قبل أن يتم تحويل هذا الملف إلى جهاز الأمن الداخلي في غزة؛ ليكون ضمن اختصاصه، باعتباره "قضية أمنية"، وفق يحيى الفرا المختص بقضايا الجرائم الإلكترونية في النيابة العامة، الذي أكد على أن هذه الجرائم منتشرة في مدينة رفح تحديداً، وأن عدة قضايا تحولت إلى "الداخلي" للتحقيق فيها.

مصدر أمني: الجرائم الإلكترونية في زيادة كبيرة يومياً لدرجة أنها أصبحت مهنة

يذكر أن المادة 43 من قانون المعاملات الإلكترونية تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن العشر سنوات، وغرامة لا تزيد عن 20 ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة، "لكل شخص يقتحم بطريق الغش أو التدليس أو استولى لنفسه أو لغيره على توقيع إلكتروني أو منظومة إنشاء إلكتروني أو اخترق أي منها أو اعترضها أو عطلها عن أداء عملها بواسطة الشبكة الإلكترونية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، وذلك بالاستعانة بطريقة احتيالية أو اتخاذ اسم كاذب أو صورة غير صحيحة، وتسبب في خداع المجني عليه....".

والجريمة الإلكترونية هي "كل سلوك غير قانوني يتم باستخدام الأجهزة الالكترونية، ينتج عنها حصول المجرم على فوائد مادية أو معنوية، مع تحميل الضحية خسارة مقابلة، مثل تزوير بطاقات الائتمان، وسرقة الحسابات المصرفية". وظهرت هذه الجرائم منذ شيوع استخدام الحاسب الآلي، وانتشار الانترنت، وتمتاز بسهولة ارتكابها بعيداً عن الرقابة الأمنية، وباعتبارها أقل عنفاً في التنفيذ، لكونها تستهلك أقل جهد مقارنة بالجرائم التقليدية. وفق الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).

وبينما لم يكن مسموحاً الحديث في هذا الملف لدى إدارة جهاز الأمن الداخلي باعتباره "ملفاً أمنياً مغلقاً"، والأمر نفسه مع إدارة جهاز المباحث العامة، قابل "معد التحقيق" ضابطاً أمنياً خبيراً في مجال الجرائم الالكترونية، وعاملاً فيه منذ سنوات، وابتدأ حديثه بالتأكيد على أن هذه الجرائم في زيادة كبيرة يومياً، "لدرجة أنها أصبحت مهنة كثيرين".

وذكر أن منشأ هذه الجريمة كان من رفح مع المواطن (س.ر)، الذي وردت قصته في مقدمة التحقيق، قبل أن تمارسها بدافع الغيرة، أكثر من (300) عائلة في المدينة، تدخل إلى جيوبها أموالاً بآلاف الدولارات شهرياً، من خلال التعدي على حقوق الغير، وسرقة الأموال وتحويلها.


4

صورة لحوالات مالية حصلت عليها "الرسالة" لمرتكبي جرائم إلكترونية

وكشف الضابط الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته لحساسية الملف، أن الأمن في غزة "يتابع كل الحوالات المالية الواردة إلى قطاع غزة"، "لكن ما يعيقنا عدم وجود قانون يسهّل محاربة هذه الجرائم"، مضيفاً أن جريمة سرقة الأموال وتحويلها لا تندرج تحت بند النصب والاحتيال والابتزاز الذي يحاربه قانون المعاملات الإلكترونية لعام 2013؛ بسبب عدم وجود شكوى من مجني عليه.

"يمكن أن نضبط المجرم إذا ما تقدم أحد بشكوى ضده، أو إذا تعلق الأمر بشيء أمني، وما دون ذلك فإننا نكتفي بمتابعته"، قال الضابط، مشددا على ضرورة وجود "قانون رادع" يجيز التعامل مع مثل هذه الحالات.

جريمة سرقة الأموال وتحويلها لا تندرج تحت بند النصب والاحتيال والابتزاز الذي يحاربه قانون المعاملات الإلكترونية لعام 2013

لكن المستشار القانوني عبد أبو لولي مدير اللجنة القانوني في المجلس التشريعي، قال: "إننا عندما وضعنا قانون المعاملات الإلكترونية لم ننظر إلى أن تكون الدعوى الجزائية المتعلقة بالجرائم الإلكترونية مبنية على شكوى من متضرر أو مجني عليه، إنما باعتبار الجريمة بحد ذاتها اختراقاً لنظام عام وفّرته الدولة للمواطن، وحددت له سبل الحماية، ونصت على عقوبات خاصة في حال تجاوزها".

وشرح أبو لولي، الذي شارك في إعداد قانون المعاملات الإلكترونية حين كان مستشاراً قانونياً سابقاً في وزارة الاتصالات، أن الجرائم التي لا يجوز أن تحرّك فيها الدعوة الجزائية إلا بناء على شكوى هي المتعلقة بالأشخاص، مثل الزنى أو الاعتداء، وهذه لا يجوز للشرطة أن تتدخل فيها من تلقاء نفسها، لكن الجرائم المتعلقة بالنظام العام مثل القتل، فهذه تتطلب من النائب العام التدخل مباشرة وتحريك الدعوى الجزائية.

وأكد، أثناء لقاء مع "الرسالة" في مكتبه بالتشريعي، أن اللجنة التي شاركت في إعداد قانون المعاملات -التي كانت مشكلة من وزير الاتصالات السابق يوسف المنسي، وانعقدت في اجتماعات دائمة لمدة لا تقل عن عام- اعتبرت أن الجرائم الإلكترونية تضر بالنظام العام، وأن الحكومة مخوّلة بحفظ هذا النظام.

وأضاف أبو لولي: "واجب على الحكومة أن تحمي الأشخاص الذين يتعاملون في النظام الإلكتروني، فإذا علمت بوجود جريمة إلكترونية عليها أن تفعّل التحقيق الابتدائي، وتوجّه التهمة مباشرة"، مستدركاً: "المصيبة أن تكون الحكومة نفسها هي من يخترق حسابات الآخرين، وتتلصص على الناس، وهذا اعتداء على خصوصياتهم".

واعتبر أن الدليل المتحصل عليه بطريق غير شرعي "لا قيمة له"، لذلك قال: "نحن بحاجة إلى تفعيل القانون، وبشكل خاص الفصل السادس المتعلق بالعقوبات؛ لأننا في مرحلة عولمة، وأصبح العالم قرية إلكترونية صغيرة، لا رقيب عليها".

وعزا مدير اللجنة القانونية بالتشريعي الامتناع عن إلقاء القبض على ممارسي الجرائم الإلكترونية بدعوى عدم وجود شكوى أو مجني عليه، إلى عدم دراية بالقانون، وزاد قائلاً: "ننصح جميع مأموري الضبط والعاملين في سلك حماية القانون، الاطلاع على قانون المعاملات والعقوبات والإجراءات الجزائية، لتجنب الوقوع في خلل بإجراءات الضبط"، وفق قوله.

وهنا، يؤكد المقدم أيمن البطنيجي المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية أن عدداً كثيراً من الضحايا يرفض أو يخجل من تقديم شكاوى، قائلاً: "نحن دائماً نحثهم عبر وسائل الإعلام ألا يترددوا في تقديم الشكاوى، التي من شأنها أن توصلنا إلى الجناة؛ حتى لا تتكرر هذه المآسي مع آخرين".

واعترف البطنيجي، خلال مقابلته مع "الرسالة" في مكتبه بمقر مدينة عرفات للشرطة وسط غزة، أن القضايا المالية والابتزاز زادت بشكل كبير جدا في المجتمع الفلسطيني، وأرجعها إلى "حالة البطالة الموجودة في صفوف شبابنا، الذي يلجأ بعضهم إلى استغلال الآخرين وابتزازهم، عن طريق الأجهزة الإلكترونية وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي".

وأضاف أن لدى الشرطة "إنجازات رائعة" في إنقاذ مواطنين فلسطينيين بالخارج تعرضوا لحالات نصب واحتيال وابتزاز الكتروني من قطاع غزة، مؤكداً أن الشرطة نجحت في الوصول إلى أسماء موجودة على الانترنت، ومعرفة أرقام التواصل الخاصة بهم، وتقديمهم إلى العدالة.

وتابع: "أعدنا أموالاً أكثر من مرة إلى أصحابها في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة". وذكر أن هناك "ضحايا عرب" قدّموا شكاوى من هذا النوع، واستطاعت الشرطة أن تنهي عديدًا منها، بعيداً عن المحاكم.

بينما رأى المهندس سهيل مدوخ، وكيل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في غزة، أن خطورة الجرائم الإلكترونية تكمن في كونها تقدّم صورة عن قطاع غزة بأنه مرتع للجرائم الإلكترونية أو ملاذ آمن للسرقات الإلكترونية، فتعطي انطباعاً يضر الأمن القومي لنا، "في ظل عدم وجود ترابط مع المؤسسات الخارجية الدولية فيما يتعلق بهذه الجرائم، وخصوصا منظمة الشرطة الدولية، الانتربول".

ولأن شبكة الانترنت فضاء إلكتروني واسع، بقول مدوخ لـ "الرسالة"، فإن الجرائم الإلكترونية أكثر ما يهدد أنظمة المعلومات على مستوى العالم، وليس على مستوى قطاع غزة كبقعة صغيرة، لافتا في هذا السياق، إلى أن دور وزارته يقتصر على تقديم إفادات فنية للجهات الأمنية المختصة.

ولابد من الإشارة إلى أن النائب العام في غزة إسماعيل جبر سبق أن كشف منتصف شهر مارس الماضي، عن توقيف ثلاثة أشخاص سرقوا قواعد بيانات محوسبة، حيث تقدر قيمة المبالغ المهدورة بملايين الدولارات، من دول أجنبية، وعربية مجاورة.

وأفاد جبر أن التحقيقات أظهرت أن وسائل الاختراق الإلكتروني تنوعت بين سرقة حسابات بطاقات ائتمان، وشراء تذاكر طيران، وتسديد مخالفات للدولة وفواتير كهرباء ورسوم فنادق سياحية، ودفع قيمة العمليات الشرائية لمراكز التسوق، موضحاً أن الجاني يحصل على الأموال من مستحقيها ويحولها إلى ذاته عبر طرق مشبوهة.

جريمة إلكترونية جديدة

وعلى نحو متصل، أكد الضابط الأمني أن خطورة "الثغرة في قانون المعاملات الإلكترونية"، وفق تعبيره، خلقت لنا جريمة إلكترونية جديدة نرصدها منذ فترة، وبدأت بالتفاعل والانتشار، وهي "التسوّل الإلكتروني".

وكشف عن أن متوسط أعداد المتسوّلين الإلكترونيين بلغ 100 حالة تم رصدها، فيما يبلغ متوسط تحصيل كل حالة 10 آلاف دولار شهرياً!

وكشف أيضاً أن أول قضية رسمية للتسوّل الإلكتروني جرى تحويلها إلى النيابة العامة يوم الاثنين الماضي، لشاب أقدم على تزوير أوراق، ونسب حالات إنسانية له، وحصل مقابلها على مبلغ 12 ألف دولار.

واحد من أولئك المتسوّلين، الذي اطّلع "معد التحقيق" على قضيته، كان يصور منزل جاره المدمّر في العدوان الإسرائيلي الأخير عام 2014، ويرسل الصور إلى أحد رجال الأعمال في السعودية، ليطلب المال بدعوى أنه منزله، وأنه وأهله يسكنون في الشارع.

متوسط أعداد المتسوّلين الإلكترونيين بلغ 100 حالة، بتحصيل شهري يقدر بـ10 آلاف دولار شهرياً لكل حالة!

والمفارقة، أن رجل الأعمال السعودي لم يبخل عليه، وكان يرسل دفعات مالية لبناء منزله، على أن يزوّده "المتسوّل" بصور أولية لكل مرحلة في عملية البناء، وهو ما كان يفعله حين يقوم جاره ببناء كل طابق!

وفي قصة شبيهة، وقعت في يد "معد التحقيق" صور لمحادثات باللغة الانجليزية عبر موقع التواصل الاجتماعي-فيسبوك، بين فتاة وزوجها من قطاع غزة مع سيدة ألمانية، ادعوا بأنهم يجمعون تبرعات للمدمرة بيوتهم في غزة، وبعد فترة من تحويل السيدة مبالغ مالية لهما، وحين حاولت التواصل معهما، أقدم الاثنان على إغلاق حساباتهما الشخصية.

وحصل "معد التحقيق" من السيدة الألمانية على صورة للحوالات المالية التي أرسلتها إلى الزوجين، وأخرى لبعض منشوراتهما التي يتسوّلون من خلالها لجلب الأموال؛ بذريعة المساعدة في إعمار منازل المتضررين بقطاع غزة. وتؤكد السيدة أنها حولت مبالغ كبيرة تقدر بآلاف الدولار.


Untitled-1

صور لمحادثات ومنشورات حصلت عليها "الرسالة" لمرتكبي جرائم إلكترونية 

حول ذلك، يقول الفرا إننا منذ شهرين بدأنا بالتعاون مع المصادر الفنية بجهاز المباحث العامة، في التحرّك على نطاق مدينة رفح لمحاربة هذه الجريمة الجديدة والخطيرة جداً، "وفي حال تتبع المجرمين وضبطهم سيجري نقل العمل إلى محافظات أخرى؛ من أجل الحد منها"، وفق قوله.

وفي السياق، أكد أيمن عايش، مدير عام الشؤون العامة والمنظمات غير الحكومية بوزارة الداخلية في غزة، على أن الجرائم الالكترونية أساءت للعمل الخيري في فلسطين، وقال إنهم تلقوا شكاوى عديدة في هذا الموضوع من جمعيات خيرية، "وأثناء المتابعة وجدنا أن هناك أشخاصًا متخصصين في هذه الجرائم، واتخذوها مهنة".

وذكر عايش لـ "الرسالة" أن هذا الأمر سبب حالة إرباك في خطط وبرامج بعض المؤسسات والجمعيات، التي تتابع الحالات الإنسانية وتحاول الوصول إليها، مشيرا إلى وجود 946 جمعية خيرية في قطاع غزة.

ورأى أن حل هذه المشكلة يكون بتحويل هذا الملف كاملاً إلى التحقيق والمتابعة الجنائية، ومحاربة هذه الظاهرة، واتخاذ إجراءات صارمة بحق هؤلاء الناس، وتحويلهم إلى القضاء، ومضى يقول "قد يكون هناك أناس محتاجون لكن كثيرين اتخذوا التسول مهنة"، لافتاً إلى أن بعض الحالات التي تم ضبطها وصلت إلى حالة "ثراء شخصي" من وراء التسول، وبحوزتها أموال تزيد عن 150-200 ألف دولار!.

قضايا أخلاقية

"معد التحقيق" اطلع أثناء زيارة لقسم المصادر الفنية في أحد أفرع المباحث العامة بإحدى محافظات القطاع، على قضية مرفوعة لديهم، لمواطن مصري يسكن في السعودية، ضد سيدة في غزة تبلغ من العمر 32 عاماً، كانت قد ابتزته بمبلغ يزيد عن ثلاثة آلاف دولار، بعدما أغرته بالزواج منها.

تندرج هذه الشكوى تحت بند "القضايا الأخلاقية"، التي أكد المقدم البطنيجي أن عدداً منها ورد إلى الشرطة، "بعدما تشجّع الضحايا وتقدموا بشكوى رسمية، وبدأت المصادر الفنية في المباحث بالتحري عن طريق خبراء مختصين، عن شخصيات وأسماء تكون وهمية أحياناً".

قضايا أخلاقية وابتزاز إلكتروني بشكل شهري في كل أفرع النيابة بمحافظات القطاع

ونبّه إلى إلقاء القبض على مجموعة أو أكثر، حول قضايا أخلاقية لشباب استدرجوا فتيات عبر مواقع التواصل، وبدؤوا بابتزازهن وتهديدهن بالعلاقة الموجودة وبعض الصور، بطلب أموال مقابل التستر وإبقاء العلاقة سرية.

ويتفق معه، المختص بقضايا الجرائم الإلكترونية في نيابة غزة، الفرا، الذي أكد أنهم تعاملوا مع كثير من قضايا القدح والقذف والتشهير، والإساءة عبر مواقع التواصل، "وهي بشكل شهري في كل النيابات".

البحث خارج الوطن

لا يعتقد المتحدث باسم الشرطة أن هناك علاقة لغياب الانتربول (لعدم انضمام فلسطين إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية) بانتشار الجرائم الإلكترونية في غزة، ويقول: "نحن نتلقى معظم الشكاوى ضد أناس في غزة، وهذا لا يكلفنا البحث خارج الوطن".

وتعتمد الشرطة على نافذة لتقديم الشكاوي عبر موقعها الإلكتروني، ويضيف البطنيجي أن هذه القضايا لا تحتاج إلى شهود، إنما معلومات للوصول إلى الجاني.

وحول تعاون الأجهزة الأمنية، "فهو يكون في القضايا التي نشك أن فيها رائحة أمنية"، وفق البطنيجي، ويكون بين جهازي المباحث العامة والأمن الداخلي.

"الاتصالات": خطورتها أنها تقدم صورة عن غزة بأنها ملاذ آمن للسرقات الإلكترونية

 

أما بشأن الكادر والإمكانات، فقد لاحظ "معد التحقيق" مثلاً أن قسم المصادر الفنية في جهاز المباحث بمدينة رفح، التي تؤكد النيابة أن أكثر الجرائم الإلكترونية فيها، يتكون من شخصين فقط!.

وهو ما دعا البطنيجي إلى القول: "العدد قليل لكن يوجد خبراء"، قبل أن يضيف: "الجريمة خطيرة، وأنا أؤكد أن لدينا إمكانات رائعة في الوصول إلى الجناة".

ويشير إلى "عقبة كبرى تواجه عملهم حتى الآن"، تتمثل في عدم تعاون شركة الاتصالات الفلسطينية (جوال) مع عمل الأجهزة الامنية، مستدركاً: "لو يوجد تعاون، كنا قادرين على أن نصل للجناة بشكل أكبر، ونحل قضايا بشكل أوسع".

لا ضرر ولا ضرار

قد يسأل أحدهم: ما الحكم الشرعي للأموال التي يتم تحصيلها عبر الجرائم الإلكترونية؟، وعن هذا يجيب الدكتور ماهر السوسي، المحاضر بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية بغزة، أن الجرائم الالكترونية محرّمة بشكل عام؛ "لأن فيها اعتداء على أموال الناس، وأسرارهم، وخصوصياتهم، مصداقا لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"، عدا عن أن القاعدة الشرعية تقول إنه "لا ضرر ولا ضرار".

ويقول السوسي، في اتصال هاتفي مع "الرسالة": "إن القضية المهمة جداً هي أن يعرف المواطن أين يحفظ سره، والأجهزة الالكترونية ليس مكاناً لذلك".

وانطلاقاً من ذلك، فإن البداية لحفظ النظام العام تكون باستحداث لجنة أمنية مشتركة على مستوى قطاع غزة تؤسس لقاعدة بيانات لمكافحة الجريمة الإلكترونية، وتنطلق في عملها من تعزيز ثقافة أمن المعلومات لدى المستخدمين، ثم تعلن عن نفسها وكيلاً حكومياً للدفاع عن ضحاياها، بل وتحاول الوصول إليهم، مع أهمية أن يندرج ضمن أعمالها تشجيع الأبحاث الأمنية لمناقشة سبل مكافحة هذه الجرائم.

وبالتوازي، لابد من تطوير الكوادر الفنية العاملة في مجال ملاحقة الجريمة الإلكترونية، ورفع كفاءتها، وأن يكون لديها دراية وافية بالقانون، وتحديدا قوانين العقوبات والإجراءات الجزائية؛ لأن الإجرام المعلوماتي هو إجرام الأذكياء.

 

اخبار ذات صلة
مقال: الجهاد على بصيرة
2015-02-15T07:32:36+02:00
بصيرة
2017-08-13T09:46:01+03:00