من الواضح أن قرارات المحكمة العليا في رام الله أصبحت رهينة للتجاذبات الفتحاوية في ظل ما تعيشه الحركة من حالة صراع سواء داخل أقطابها أو حتى على صعيد تعاملها مع حركة حماس.
ولا يمكن الإنكار أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نجح في تحويل المحكمة لأداة من أدواته التي يستخدمها في مواجهة خصومه، في ظل حالة التغول والتفرد التي يتبعها داخل مؤسسات السلطة.
وعلى ضوء الدعوات الفتحاوية والأصوات التي تعالت مؤخرا لتأجيل الانتخابات إلى جانب التحذيرات "الإسرائيلية" من فوز حركة حماس فيها، فإن الرئيس عباس أوعز للمحكمة العليا في الثامن من ديسمبر الحالي بالدعوة إلى وقف الانتخابات المحلية؛ عقب إسقاط محاكم البداية في غزة قوائم انتخابية لحركة فتح في خمس دوائر محلية.
وإكمالا لمسلسل رئيس السلطة بإلغاء الانتخابات جاء قرار المحكمة أمس بإرجاء النظر في القضية المرفوعة أمامها بخصوص الانتخابات المحلية الفلسطينية إلى يوم الثالث من شهر أكتوبر المقبل، وهو ما يسبق موعد إجرائها بخمسة أيام، ما يعني تعطيلها بصورة غير مباشرة.
ودفع ذلك القرار لجنة الانتخابات المركزية إلى الإعلان، أن الاستحقاقات القانونية المعلن عنها ضمن جدول المدد القانونية أصبحت "غير قابلة للتنفيذ".
وليس إلى هذا الحد، فقد دخلت المحكمة العليا صراع الأقطاب الفتحاوية بعد أن اتهم اللواء توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، المستشار سامي صرصور رئيس مجلس القضاء الأعلى، والذي يشغل أيضاً منصب رئيس المحكمة العليا، بالتزوير وتحويل قضية ضد بائعي الأراضي للاحتلال إلى جنحة واستغلال منصبه لـ"مآرب شخصية".
وعرض الطيراوي وثائق بمراسيم رئاسية تم تعديلها بعد صدورها، خارج إطار القوانين المعمول بها، وعرض خرقاً لرئيس مجلس القضاء الأعلى سامي صرصور، في النظر بقضية كانت بين يديه وهو محام وعندما أصبح قاضياً حكم بذات القضية.
وأمام إقصاء استقلالية القضاء ونزاهة المحكمة العليا فإن قرارات الأخيرة تؤكد على أنها سياسية بامتياز، وجاءت لإرباك العملية الديمقراطية وتعطيل سيرها وفق ما يرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون.
ويوضح المدهون في حديثه لـ"الرسالة نت" أن الرئيس عباس وجد المحكمة العليا الوسيلة الأفضل لتعطيل الانتخابات بعد أن جعلها رهينة لقرارته وتفرده بالقرار السياسي.
ويضيف " المحكمة العليا تجاوزت اختصاصاتها، واستخدمها أبو مازن لأغراضه السياسية وأهوائه الشخصية بعد أن غيب جميع مؤسسات السلطة الفلسطينية".
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة مع سابقه، مبينا أن استيلاء الرئيس عباس على قرار المحكمة وتحويلها إلى أداء من أدواته جعل قرارتها سياسة بحتة.
وأكد أبو شمالة لـ"الرسالة نت" أن تراشق الاتهامات بين رئيس المحكمة العليا والطيراوي يدلل على عدم استقلالية القضاء وعدم نزاهته، وإدخال المحكمة في التجاذبات الفتحاوية.
وأشار إلى أن ما يجري داخل فتح من صراعات بات ينعكس على مجمل الحياة الفلسطينية العامة وليست القانونية والقضائية فقط، منوها إلى أن البعد السياسي كان له النصيب الأكبر من التأثير السلبي جراء هذه الصراعات.
ولفت إلى أن اتهامات اللواء الطيراوي المحسوب على تيار دحلان تدلل على عمق الأزمة بين الأخير وعباس الذي يسيطر على كافة مفاصل السلطة.
وبالعودة إلى المدهون فقد أكد أن اللواء الطيراوي قلق من التحركات الإقليمية وأصبح يبحث عن دور يحفظ له أي منصب في الفترة المقبلة، لافتا في الوقت ذاته إلى أنه يهرب من مواجهة عباس بشكل مباشر إلى محاربة أدواته.
وعلى أي حال فإن الصراعات الفتحاوية الداخلية واستحواذ الرئيس عباس على جميع السلطات جعل منها رهينة لقرارته السياسة وفرغها من مضمونها الأساسي في تقديم الخدمة للشعب الفلسطيني.