أطلق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على نفسه "رصاصة الرحمة" عبر مشاركته في تشييع جثمان الرئيس (الإسرائيلي) الأسبق شمعون بيريز، والتي أثارت سخطاً شعبياً كبيراً تعالت بسببها الأصوات الداعية إلى رحيله.
واعتبر الشارع الفلسطيني مشهد نظرة وداع الرئيس عباس لبيريز بمثابة نظرة الوداع الأخيرة لوجوده في المشهد السياسي الفلسطيني، لاسيما أن هذا التصرف استفز مشاعر الفلسطينيين الذين اكتووا بنار جرائم الاحتلال الذي يعد بيريز من قادته البارزين.
وشكّلت مواقف عباس على مدار 10 سنوات من الحكم، خطوات حفر خلالها قبره السياسي، فيما يرى البعض مشهد وجود الرئيس في جنازة بيريز بمثابة "بلاطة" القبر.
وبهذه المشاركة والصداقة "الحميمة" التي أظهرها صاحب الشعر الأبيض في الجنازة، لم يجد مدافعاً عنه حتى كثير من المقربين منه في حركة فتح الذين ألقوه بنظرة الاتهام وحملوه مسؤولية مشاركته في الجنازة "بقرار شخصي" ودون الرجوع لهم.
انتقادات حادة
تلك المشاركة من عباس، لاقت انتقادات حادة وغاضبة بين أوساط الشارع الفلسطيني، لا سيما من أقرب المقربين له. وأكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي، رفضه لمشاركة عباس بجنازة بيريز، مشيراً إلى أن أبو مازن لم يستشر "المركزية" بخصوص ذلك.
وقال الطيراوي في مقال له معقباً على المشاركة "لو استشرت شخصياً بهذا الخصوص، لقلت رأيي كعضو في اللجنة المركزية لحركة فتح بوضوح جلي داخل إطار الحركة كما هو خارجها، بأنني ضد هذه المشاركة بشكل مبدئي".
وعلّل الطيراوي رفضه قائلاً: "لأنها جنازة لإسرائيلي تمرغ من رأسه إلى قدميه بدماء الفلسطينيين، وأبناء شعوب عربية شقيقة في مجازر عديدة منها مجزرة قانا الشهيرة، وهو مهندس المشروع النووي الإسرائيلي الذي هدف إلى ردع كل مشروع لاستعادة بلادنا وتحريرها من الاحتلال".
فيما نددت الفصائل الفلسطينية بمشاركة عباس في الجنازة، معتبرةً إياها "موقف غريب عن الشعب الفلسطيني، وطعنة في خاصرة الشهداء، واستكمال لسياسة تفرد عباس في الشأن الفلسطيني العام".
فمن جانبها دانت حركة حماس عبر المتحدث باسمها حازم قاسم، مشاركة عباس في الجنازة، وقالت: "إن هذا العمل مستنكر وطنياً وأخلاقياً ومدان بكل العبارات، ويتعارض مع الوعي الجمعي الفلسطيني، ومن شأنه أيضاً أن يشجع السلطة على المضي قدماً في عملية تطبيعها مع الاحتلال".
وقال قاسم لـ "الرسالة نت": "إن هذه المشاركة تبرأ بيريز من الدم الفلسطيني والعربي، وتشكل انتهاكًا صارخا للشعور الوطني العام، ومن شأنها أن تزيد وتعمق من حالة الانقسام"، مذكراً بما ارتكبه بيريز خلال حياته من جرائم ضد الفلسطينيين ودول عربية شقيقة.
من جهتها، انتقدت حركة الجهاد الاسلامي مشاركة عباس في الجنازة، معتبرة ذلك "استخفافا بتضحيات الشعب الفلسطيني"، وقال القيادي في الحركة أحمد المدلل لـ"الرسالة نت": "إن هذه المشاركة تعد طعنة في خاصرة الشعب الفلسطيني، ولا تعبر عن مواقفه الحية والأصيلة".
ونوه المدلل إلى سياسة بيريز القائمة على القتل والتدمير، خاصة وانه مؤسس سلاح الطيران وواضع أسس البرنامج النووي الاسرائيلي، والمسؤول عن جرائم إبادة تعرض لها الفلسطينيين.
بدورها، أكدت الجبهة الشعبية، أن موقف عباس تجاوز لكل القرارات والقيم الفلسطينية، واستمرار لنهج التفرد على صعيد السياسة الفلسطينية. وقال عبد العليم دعنا عضو اللجنة المركزية في الجبهة الشعبية: "إن رئيس السلطة محمود عباس، لا يزال ينتهج سياسة التفرد بالقرارات، ويتجاوز قرارات اللجنتين المركزية والتنفيذية".
ووصف دعنا في حديثه لـ "الرسالة نت"، عباس بـ "الديكتاتوري والسلطوي" بمواقفه المتعلقة بالقضية الفلسطينية وقيادات حركة فتح. واعتبر مشاركة عباس في جنازة بيرز محاولة لاسترضاء "إسرائيل" من خلال هذه التنازلات والمشاركة في الجنازة، من أجل أن تكون دافعاً (لإسرائيل) لإجراء مباحثات معها.
واستغرب أن تتزامن هذه الخطوة مع قرارات أخرى إقصائية يتخذها ضد أبناء شعبه وحركته، من قبيل مصادقته على فصل أربعة من قيادات فتح. وأضاف دعنا أن عباس يسعى إلى تطهير حركة فتح من كل الخارجين عن طوعه وقراراته، والمؤيدين للقيادي المفصول من فتح محمد دحلان، من خلال جعل أعضاء السلطة تحت موقف موحد دون الخروج عن طوعه.
أمّا حركة الأحرار، فرأت في مشاركة عباس تعبيراً عن خضوعه للقرارات والاملاءات الاسرائيلية.
وقال خالد أبو هلال الأمين العام للحركة لـ"الرسالة نت": "عباس ليس حراً في مواقفه ومغتصبا لموقع رئيس السلطة". وأضاف " كان بإمكانه التهرب من المشاركة بالتوجه إلى لبنان والمشاركة في تشييع مستشاره، لكنه أصر على ارتكاب هذه الجريمة التي لا تغتفر". وتابع " ستلعنه كل قطرة دم شهيد فلسطيني وعربي ومسلم، ارتقى على يد السفاح بيريز".
كما اعتبر الأب مانويل مسلم رئيس دائرة العالم المسيحي في منظمة التحرير الفلسطينية، مشاركة عباس في جنازة بيريز "خيانة وطنية"، وقال في تصريح لـ"الرسالة نت": "إنّ "مشاركة عباس في جنازة المجرم بيريز مذلة للفلسطينيين ومقاومتهم التي تدافع من أجل صد انتهاكات الاحتلال بحق شعبنا".
وأضاف: "عباس دمر القضية الفلسطينية وضيع جهد المقاومة التي تحارب للدفاع عن شعبها".
وتساءل الأب مسلم، "كيف لرئيس فلسطين أن يشارك في جنازة من تسبب بقتل وتشريد الألف من الفلسطينيين؟".
وشدد الأب مسلم على خيار الفلسطينيين بتنحي عباس عن منصبه كرئيس للسلطة الفلسطينية، كونه أساء للشهداء والأسرى واللاجئين الفلسطينيين، بمشاركته في جنازة المجرم "بيريز".
كما واجتاحت حالة الغضب الشعبي عبر وسائل الاعلام الاجتماعي، تجاه مشاركة عباس وفريق من السلطة بالجنازة في الوقت الذي تجاهل فيه زيارة عوائل الشهداء أو حتى الأسرى المضربين عن الطعام. وندد نشطاء وشخصيات سياسية ووطنية بتصريحات المسؤولين في حركة فتح المسيئة للشعب الفلسطيني، مستغربين كيف انصب جهد بعض المسؤولين في فتح للدفاع عن بيريز وتبرأته من جرائمه التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني.
وبالمجمل، فإنه من الواضح أن الرئيس الذي تجاوز عمره الثمانين عاماً، لا يريد أن يبيّض "صفحته" أمام شعبه، رغم اقتراب سقوطه عن سدة الحكم.