لم تنقل السير النضالية أن رئيس السلطة وحركة فتح محمود عباس سبق أن حمل بندقية، لكن يسجل أنه كان من صنف الناس الذين استفادوا من مسيرة الثورة.
فمنذ خلافته الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 2005، لم يغمد أبو مازن سيف الإقصاء بحق رفاق النهج والسلطة، الذين تنقلت بهم الثورة بين العواصم العربية حتى ترويضها وقبولها بسلطة حكم ذاتي، ونبذ الكفاح المسلح.
يستعرض هذا التقرير عددا من الشخصيات التي رافقت عباس في مسيرة الثورة والسلطة، وتم الانقلاب عليها، إما بالفصل أو الإبعاد أو الاعتقال أو التهميش.
رياض الحسن: يقال إنه كان المسؤول التنفيذي لإعلام حركة فتح في تونس، والمتحدث الرسمي باسمها، وكان مكلفا بصياغة بيانات المجلس الثوري، لكن انتهت به الحال في معتقلات السلطة برام الله، بعدما أوقفته الشرطة خلال محاولته السفر عبر معبر الكرامة الرابط بين الضفة المحتلة والأردن.
ووجهت النيابة العامة إلى الحسن تهما "بقضايا اختلاس، واستثمار الوظيفة، والتهاون في أداء الواجبات الوظيفية؛ خلافا لأحكام المادة 183 من قانون العقوبات". لكن صحفيين وكتّابا كشفوا أن اعتقال الحسن، وهو رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون ووكالة "وفا" الأسبق برتبة وزير، جاء بسبب تهديده بكشف قضايا فساد في إعلام السلطة.
عدلي صادق: وهو عضو مجلس ثوري في حركة فتح، وسفير سابق لدى السلطة في رومانيا. أصدرت اللجنة المركزية لفتح نهاية الشهر الماضي قرارا بفصله، إلى جانب أربعة قيادات، بسبب ما قالت الحركة إنه "تجنُّح" عليها، فردّ بالقول "إن من يصدر قرارات الفصل يعتقد بأن لديه شعبية وبعد وطني، لكنه في الحقيقة ليس سوى عابر في الحركة، ويظن أننا نعيش في فندقه الشخصي ليطردنا منه".
وتعهد بعدم العودة لفتح طالما أن عباس يقودها، مشيرا إلى أن أبو مازن سبق أن أرسل إليه الوسطاء مرارا ومعظمهم أحياء، لكي يترفق به!
توفيق الطيراوي: انضم إلى فتح عام 1967، وتنقل في المناصب الحركية على مدار سنوات، حتى قيام السلطة، ليساهم في تأسيس جهاز المخابرات الفلسطيني، وكان ضمن القيادات الفلسطينية التي حاصرتها (إسرائيل) مع الرئيس الراحل عرفات في مقر المقاطعة برام الله عامي 2002-2003، وعينه عباس نهاية أغسطس/آب 2007 رئيسا لجهاز المخابرات العامة الفلسطينية برتبة لواء، قبل أن يقرر بعد عام إقالته، وتعيينه مستشارا أمنيا له، لكن الطيراوي رفض هذا المنصب واعتبره منصبا شكليا، وقال إن إقالته "جاءت بناء على رغبة أميركية إسرائيلية"!
ياسر عبد ربه: انضم إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عام 1971، وتولى أمانة السر فيها عام 2005 خلفا لعباس، قبل أن يعفيه العام الماضي من هذا المنصب؛ بسبب خلافات معه.
ورفض عبد ربه قرار الإقالة، وقال إن عباس لا يملك صلاحية إقالته من منصبه، مؤكدا أن هذا من شأن اللجنة التنفيذية بكامل أعضائها، وأن منصبه ليس وظيفة، واتهم أبو مازن بأنه أفرغ منصب أمين السر واللجنة التنفيذية من مضمونيهما، وأن أي خلافات سياسية واختلاف في وجهات النظر لا يبرر أية إجراءات عقابية.
أحمد عبد الرحمن: قيادي في فتح، شغل في السابق منصب أمين عام مجلس الوزراء في أكثر من حكومة، وعُين متحدثا باسم الحركة، وكان من المقربين للرئيس عرفات قبل استشهاده، وعُين مستشارا للرئيس عباس لشؤون المنظمة، قبل أن يقدم أبو مازن على إحالته إلى التقاعد ضمن مجموعة من المستشارين "الخاسرين" في انتخابات اللجنة المركزية.
محمد دحلان: يُنسب إليه أنه شارك في إنشاء حركة الشبيبة، الذراع الطلابية لفتح، بعد خروج المقاومة من بيروت عام 1982، وتنقل مع قيادة المنظمة منذ إبعاده إلى الأردن مرورا بتونس، ثم انتخابه عضوا في ثوري فتح، حتى تعيينه وزيرا في حكومة عباس عند تعيينه أول رئيس وزراء فلسطيني، قبل أن يقرر أبو مازن فصله من صفوف الحركة، ورفع الحصانة البرلمانية عنه، وإحالته إلى القضاء؛ لفشله في مواجهة حماس في غزة باعتبار أنه كان مسؤولا عن حملة إفشال فوز الحركة بانتخابات 2006. واتهم دحلان في المقابل الرئيس عباس بالعديد من القضايا المالية والسياسية.
الخلاصة أن الرئيس عباس انقلب على شركائه في النهج والسلطة حين شعر أنهم يشكلون تهديدا له، سواء بالكلمة مثلما جرى مع رياض الحسن أو بالنفوذ الأمني مثل الطيراوي أو بالتأثير السياسي مثل دحلان وعبد ربه، إلى جانب رغبته في أن يستأثر وحدة بالسلطة، وهذا يقود إلى ثلاث تداعيات خطيرة، هي على النحو التالي:
- إلغاء البُعد التاريخي لحركة فتح عبر إلغاء الشخوص والقيادة التاريخية؛ تحت ذرائع مختلفة، لا تخدم الأجيال الجديدة في الحركة، التي باتت لا تقرأ سوى عن قرارات فصل بالجملة تصدر من قيادة التنظيم.
- غياب "الجيل الأبوي" داخل تنظيم فتح، وهو الذي قد يلعب دور الإصلاح للأزمة التي تمر بها الحركة، ما ينذر بأزمة عميقة، نتيجة غياب الرمزية الواضحة، والبدائل التي يمكن أن تنوب في حال غياب أبو مازن وحالة التشتت المتوقعة، وبالتالي فتح المجال أمام "صراع الأجيال"، إذا ما قارنّا ذلك بفترة خلافة عرفات حين أجمعت كل أُطر الحركة على عباس خلفا لأبو عمار.
- خلق شبكات مصالح داخل التنظيم لا تنظر للبُعد الثوري ولا الشرعية الثورية، إنما تستمد قوتها من المال والارتباطات الخارجية، بمعنى أن السيرة النضالية لم تعد ميزة ومطلبا أساسيا يمكن العودة لها؛ لاختيار الخليفة.