تتجه الأنظار نحو منتجع "العين السخنة" على ساحل خليج السويس المصري في البحر الأحمر، الذي يستضيف مؤتمر "مصر والقضية الفلسطينية"، كونه محطة مهمة في تاريخ الخلاف الفتحاوي الداخلي، ومنعطف بارز في العلاقة الرسمية بين مصر والسلطة الفلسطينية التي ترى فيه تجمعا لمعارضيها، ومدخلا لمتغيرات سياسية قد تقود إلى قلب المشهد في مقر المقاطعة برام الله.
وعلى مدار أيام من التواصل مع منظمي المؤتمر، حاولت "الرسالة نت" الإجابة على تساؤلات تساعد في مقاربة الأحداث والتفاصيل المتعلقة بتنظيمه، وترصد أهم المواقف المرتبطة به سواء على صعيد فتح الداخلي أو المرتبط بالعلاقة مع مصر.
كواليس المؤتمر
كواليس الإعداد والتجهيز لمؤتمر المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، برئاسة اللواء أحمد الشربيتي، الذي يحمل عنوان، "مصر والقضية الفلسطينية وانعكاس المتغيرات الإقليمية على القضية"، بمشاركة فلسطينية واسعة من غزة والضفة ومناطق اللجوء، أثارت شكوك قيادة السلطة منذ البداية حول الجهة التي تقف خلف تنظيمه وأهدافه.
وتابعت السلطة عن كثب منذ اللحظة الأولى التي دعا فيها القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان لعقد مؤتمر فتحاوي بالقاهرة، محذرة المشاركين من الفصل التام من حركة فتح.
ووفق المعلومات التي وصلت قيادة فتح من الجانب المصري عبر وفد سياسي رافق وزير الخارجية المصري لرام الله قبل شهر، فإن مصر لن تنحاز لغير الشرعية الفلسطينية، كما أفادتنا معلومات من داخل السلطة، وتعهدت بعدم رعاية المؤتمر.
مستشار عباس: أطراف إقليمية تريد التخلص من أبو مازن
وبدأت القصة وفق ما تتبعتها "الرسالة نت"، بإسناد مهمة تنظيم المؤتمر لمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والذي يترأسه عماد جاد المعروف بقربه من دحلان، والذي رعى له إنشاء قناة خاصة به، وبعدها تم إسناد الأمر للمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط.
واتضحت التفاصيل لدى قيادة السلطة، بمعرفتها أن أعضاء من اللجنة التحضيرية للمؤتمر من الجانب المصري مؤيدون لدحلان، وعرفت قيادات فلسطينية أن المركز برمته تابع للمخابرات المصرية.
وشعرت السلطة بألم الصفعة، بمعرفتها أن أحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة العربية أحد المحاضرين في المؤتمر، وأن أحمد الشربيتي هو لواء يترأس الكلية العسكرية المصرية إضافة إلى محسوب على المخابرات المصرية.
وأيقنت قيادة السلطة أن غالبية المشاركين في المؤتمر مؤيدون لدحلان، خاصة وأن عملية توزيع الدعوات حتى لبعض أعضاء مركزية فتح كآمال حمد، تمت عن طريق مركز أبحاث، ودعوات وأخرى وزعت عن طريق مكتب نائب محسوب على تيار دحلان، كما أفادت بذلك مصادر للرسالة.
دحلان خلف المؤتمر
وقال نهرو الحداد أمين سر إقليم شرق مدينة غزة في حركة فتح: "إن غالبية الشخصيات، التي وجّهت إليها دعوات للمشاركة، لديها ارتباط بالقيادي المفصول من فتح محمد دحلان، أو عملت معه، وبالتالي فإن هناك علامة استفهام حول الجهة التي تقف خلف المؤتمر".
وأضاف الحداد لـ "الرسالة نت"، أن المؤتمر لو لم يكن خلفه دحلان لكان أوْلى أن توزّع الدعوات ضمن الإطار الرسمي لفتح؛ وليس عن طريق جمعيات ومكاتب معينة. وتابع الحداد – وقد رفض حضور المؤتمر-، أن المشاركة في المؤتمر تضعهم في خانات وتصنيفات لا يقبلون بها، مؤكدا وجود رغبة إقليمية من أطراف عربية للتخلص من رئيس السلطة محمود عباس.
الأشعل: المؤتمر المنظم تابع للمخابرات ودحلان خيار أمثل لمصر
إلّا أن المقربين من دحلان ممن شاركوا في المؤتمر، نفوا أن يكون له علاقة به، وفق ما تحدث به النائب أشرف جمعة، وقال جمعة لـ "الرسالة": إن الدعوة التي وجهت إليه كانت من مركز قومي مصري، ودحلان لا علاقة له فيها"، وفق قوله.
وبحسب المصادر الخاصة لـ" الرسالة نت " ، فإن عدد من شارك في المؤتمر من غزة لم يتجاوز 50 من أصل 135 شخصًا تمت دعوتهم. كما عرفت "الرسالة" من شخصية سياسية قيادية، أن المركز الذي ينظم مؤتمره سنوياً، كان يوجه 4 دعوات فقط بشكل سنوي لغزة، و20 دعوة بالضفة، إلا أنها المرة الأولى التي يقفز فيه عدد المدعوين لمئة شخص من غزة، فيما لم يشارك من الضفة سوى 4 شخصيات فقط، وفق مصادرنا.
ولم يكن المؤتمر سوى الشرارة التي أشعلت حالة الغليان لدى السلطة في المقاطعة، والتي أكدت رفضها لما يجري في القاهرة وأي تداعيات ستنتج عنه.
موقف فتح
وقال مأمون سويدان مستشار الرئيس محمود عباس: "إن هناك مخططًا من عدة أطراف بما فيها إقليمية وعربية من أجل الإطاحة بالرئيس عباس وفرض قيادة بديلة للفلسطينيين".
وأضاف سويدان لـ"الرسالة نت"، "هناك منظومة عربية تدار من جهات أمريكية وإسرائيلية من بينها دحلان وآخرين على شاكلته في أقطار عربية، يريدون استهداف أبو مازن وحركة حماس معه وفرض قيادة جديدة بمواصفاتهم"، متابعاً " أبو مازن صرح في الأمم المتحدة بأن حماس جزء من شعبنا، لكن دحلان ما فتئ أن يدعو لاجتثاثها"، وفق قوله.
وأرسلت السلطة الفلسطينية وفدا برئاسة الطيب عبد الرحيم الى القاهرة، لإقناع أبو الغيط بعدم المشاركة في المؤتمر، وفق ما كشفت عنه وسائل إعلام تابعة لفتح.
الموقف المصري
وأمام حالة الضبابية حول منظمي المؤتمر، حسم عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، تابع للمخابرات المصرية.
وقال الأشعل لـ "الرسالة نت": "إن المركز تابع للمخابرات المعروفة بعلاقتها مع دحلان، خاصة على ضوء التسريب الأخير الذي كشف العلاقة بينه وبين رئيس الجهاز اللواء أشرف الصفيتي"، مشيراً إلى أن انعقاد المؤتمر في منطقة العين السخنة القريبة من القاهرة، "يعني انه انتقائي، ولن يحضره سوى المدعوين فقط للمصادقة على الدائرة البحثية".
سياسيًا، تساءل عن مصلحة النظام المصري في استحداث دحلان بديلا عن عباس، معتبرا ان ذلك قرارا "اماراتيا واسرائيليا"، والمصلحة منه عودة دحلان لحكم غزة وضرب حماس في مرحلة لاحقة، كما قال.
واعتبر حضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط المؤتمر، دليلًا على وجود شبهة حول أهداف المؤتمر، ومضى يقول: "العلاقة الفلسطينية المصرية لا تحتاج لمؤتمرات، وإنما لترجمة روابط الجغرافيا بشكل عملي من السلطات المصرية".
قيادي بفتح: الدعوات وزعت خارج الإطار الرسمي وغالبية المشاركين دحلانيون
وفيما يتعلق بالدور المصري تجاه تنصيب دحلان خليفة لعباس، قال الأشعل: "إن دحلان كان يعد منذ زمن حسني مبارك ليتولى قطاع غزة، في حال انفصلت "إسرائيل" عنه، لاسيما أن لديها موقفًا ثابتًا وتاريخيًا في دعمه ضد حماس".
وأشار إلى أن البحث عن خليفة عباس ووضع دحلان محله، يأتي ضمن ترتيبات المرحلة، رغم خشية عباس ورغبته في الاستمرار، مبيناً أن قوة دحلان الحالية تكمن فقط في قربه من الامارات التي تعد ممولا للعملية برمتها.
ورأى أن دحلان هو الخيار الأمثل للنظام العربي في مواجهة حماس، ويريدون تقويته لصالح مشروع المواجهة معها مجددا. وبيّن أن عباس لا يرغب بترك المنصب، ويخشى على وجوده، ولكن يبدو أن ثمة ضغوط كبيرة تبذل عليها، ليس بمقدوره مواجهتها.
أشرف جمعة: لا علاقة لدحلان بالمؤتمر
واعتبر أن استبدال عباس "يعتمد على رؤية إسرائيل فهي التي تعين وتعطي التصديقات على الحكام العرب لأنها الوكيل الحصري لأمريكا في المنطقة"، متابعا" دحلان وعباس كلاهما سيئان ولا مفاضلة بينهما".
وتدرك فتح وجود رغبة إقليمية للتخلص من أبو مازن، وخلف الأضواء يعترف مستشارون لعباس، بأن القاهرة هي رأس حربة في القرار العربي الداعي للتخلص من أبو مازن، لكنها تفضل إبقاء شعرة معاوية معها ومع الأطراف الأخرى، لتخفيف حالة التوتر واملا في إيجاد مخرج آمن لفتح في المرحلة الراهنة.
وبانتظار ما سيخلص إليه المؤتمر من نتائج وتوصيات، فإن العلاقة بين مصر والسلطة من جهة والعلاقة الفتحاوية الداخلية من جهة أخرى ستبقى تغلي على نار هادئة قد تنفجر في أي لحظة إذا ما استمرت حالة الغليان، بتقدير المراقبين.