قائمة الموقع

قرار "اليونسكو" كمقدمة لخنق (إسرائيل)

2016-10-17T06:01:18+03:00
صورة "أرشيفية"
د. صالح النعامي

 

مثّل قرار منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة "اليونسكو" بنفي أية علاقة بين اليهود والمسجد الأقصى وحائط البراق نسفا لأحد أهم مضامين الرواية التاريخية المفبركة التي قامت عليها الفكرة الصهيونية والتي بررت اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها.

من هنا لم تشكل ردة الفعل الإسرائيلية الغاضبة وغير المتوازنة على القرار مفاجأة، حيث أدرك القادة الصهاينة أن هذا القرار لم يظهر فقط تداعي الرواية الصهيونية ومتانة الرواية الفلسطينية، بل أضفى أيضا بشكل غير مباشر مصداقية على مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال، وهذا ما حدا بالمتحدثين الصهاينة المسارعة لوصم القرار بأنه "تشجيع على الإرهاب".

لكن مما لا شك فيه أن القرار ينسف أيضا شرعية التوافقات التي تتوصل إليها بعض الأطراف العربية مع الكيان الصهيوني بشأن المسجد الأقصى والتي سمحت بمظلة عربية لعمليات التدنيس التي تقوم بها العصابات الصهيونية للحرم القدسي الشريف، التي تجاهر برغبتها في تدمير المسجد الأقصى وتكشف استعداداتها لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.

إن قرار "اليونسكو" يدلل على الطاقة الهائلة الكامنة في التحركات التي يتوجب على الفلسطينيين والعرب والمسلمين القيام بها في المحافل الدولية لمحاصرة الكيان الصهيوني وتقليص هامش المناورة أمامه واستنزافه إلى أبعد حد وصولا إلى نزع الشرعية الدولية عنه وتفكيك الواقع الدولي الذي يسمح للصهاينة بتوزيع شهادات " التطرف والضلوع في الإرهاب" على هذا الطرف أو ذاك، لمجرد أن يتم التصدي للعدوان المتواصل الذي يمارسوه على الشعب الفلسطيني.

إن الأضرار الناجمة عن المس بالمسوغات "الأخلاقية" و"التاريخية" التي استندت إليها الحركة الصهيونية نتاج قرار "اليونسكو" ستكون متواضعة جدا في حال مقارنتها مع الأضرار التي يمكن أن تلحق بالكيان الصهيوني في حال تحركت السلطة الفلسطينية والعالمان العربي والإسلامي بجدية ضد المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية.

فلا يوجد في العالم، باستثناء الكيان الصهيوني، من هو مستعد للدفاع عن المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس والجولان، حيث أنه حتى الولايات المتحدة تبدي معارضة، ولو رمزية، لهذا المشروع. من هنا، فإن هناك حاجة إلى تحرك ضد هذه المشروع في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية.

صحيح أن الولايات المتحدة يمكن أن تستخدم الفيتو لإحباط أي تحرك في مجلس الأمن ضد المستوطنات، لكن الخيارات واسعة أمام توظيف محكمة الجنايات الدولية، التي بإمكان السلطة الفلسطينية وبدعم من الدول العربية والإسلامية رفع دعوى ضد الكيان الصهيوني، سيما وأن رأيا قانونيا للمحكمة سبق أن اعتبر أن الاستيطان جريمة حرب.

من الواضح أن مثل هذا التحرك يتطلب اتخاذ قيادة السلطة الفلسطينية قرار بالمضي قدما بتقديم الدعوى إلى النهاية. لكن كل المؤشرات تدلل على أن رئيس السلطة محمود عباس يسوف ويماطل خشية ردة فعل الصهاينة على مثل هذا التحرك. فهو يبدي حساسية كبيرة تجاه كل خطوة يمكن أن تغضب الكيان الصهيوني، خوفا من أن تتخذ (تل أبيب) إجراءات عقابية ضده وضد استثمارات أولاده.

من هنا، فإن ما يبعث على الأمل في تغيير نمط التعاطي الفلسطيني مع الكيان الصهيوني في المحافل الدولية يتمثل في قرب انتهاء مرحلة عباس بكل ما تضمنته من مس بالفلسطينيين وحقوقهم. ويجب أن يكون على رأس أولويات أية قيادة فلسطينية مستقبلية تكثيف التحركات الدولية ضد الكيان الصهيوني في المحافل الدولية، على اعتبار أن عوائد هذه التحركات تكاد تكون أكبر بكثير من عوائد العمل المقاوم المسلح في كثير من الأحيان.

ويمكن أن تطال التحركات الدولية ضد الكيان الصهيوني ملفه النووي، الذي يتواصل تطوره في ظل حصانة تعفيه من المساءلة في المحافل الدولية. ويمكن للدول العربية والإسلامية أن تطرح مجددا الملف النووي الإسرائيلي في اجتماعات الهيئة الدولية للطاقة النووية. فلا يمكن مواصلة الدفاع عن ازدواجية المعايير كما يظهرها استثناء المنشآت النووية الصهيونية من المراقبة والتفتيش، كما يتم فرضها على بقية دول العالم.

قصارى القول، بإمكان التحركات الدبلوماسية الجادة انجاز ما لا ينجزه العمل المسلح وبإمكانيات محدودة وغير مكلفة وإرهاق الكيان الصهيوني ومحاصرته والمس بشرعيته، في حال توفرت إرادة سياسية لفتح المواجهة السياسية معه في المحافل الدولية.

 

اخبار ذات صلة