تنتهي فعاليات المؤتمر المثير للجدل الذي جرى في منتجع العين السخنة بالقاهرة، دون أن تتوقف تداعياته التي من المتوقع أن ترد تباعاً خلال الأيام القادمة، رغم أن البيان الختامي للمؤتمر وتوصياته التي وجهت التحية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأكدت على ضرورة دعم نهجه التفاوضي وخطواته الدبلوماسية، لم تشفع للمشاركين عند الرئيس الغاضب.
محاولات القائمين على المؤتمر التخفيف من وطأة الامتعاض الكبير والانتقاد الشديد الذي تعرض له المؤتمر، الذي اتهمته أطراف عدة أبرزها حركة فتح بأنه يشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية الفلسطينية، وأن القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان يقف وراءه في محاولة مسبقة لفرض نفسه كبديل يحظى بإجماع عربي عن القيادة الحالية، ما وصفه البعض بالانقلاب الناعم.
وعكس حجم غضب الرجل الثمانيني الهجمة الشرسة التي شنتها كل أجنحة حركته فتح ضد المؤتمر والبيانات المستنكرة والمحذرة لكل عناصر وكوادر الحركة خاصة في مصر من المشاركة بل ووصلت حد التهديد، كما جرى مع عناصر الأمن الوقائي هناك، حيث نشر الجهاز تعميما يحظر مشاركة أحد منسبيه وأن كل من يشارك يعرض نفسه للمحاسبة.
وينظر عباس بخطورة بالغة لخطوة عقد المؤتمر لعدة أسباب أولها، أن المؤتمر يشكل اعترافا مصريا رسميا بدحلان خاصة أن المخابرات العامة أشرفت على تنظيمه ما يعني أنها تتبنى وجوده كبديل قوي لعباس.
والسبب الثاني أنه قد يكون مقدمة لسحب الشرعية العربية عن عباس بعدما رفض كل الضغوطات والمبادرات لإجراء مصالحة فتحاوية داخلية، فيما السبب الثالث أن الأمر يفتح الملف على مصراعيه أمام الإقليم العربي ليكون العنصر الحاسم في الملف الفتحاوي خاصة إذا ما تأكد أن الرباعية العربية "السعودية-مصر-الأردن-الامارات" تدعم الخطوة المصرية.
والسبب الرابع أن المعطيات الأخيرة تحشر الرجل في مأزق كبير بين الرافضين لأي مصالحة مع دحلان، وهؤلاء هم المقربون من عباس والطامعون في الرئاسة، وذلك في مقابل ضغوط عربية كبيرة تدفع باتجاه المصالحة بين الرجلين.
وربما كان لافتاً التوصية التي خرج بها المؤتمر والتي طالبت بضرورة الإسراع بتشكيل إطار قيادي فلسطيني نخبوي يعمل على تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني وتجاوز السلبيات الناجمة عن الانقسام داخل الحركة الوطنية وداخل حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، ما يمكن قراءته على أنه دعوة غير مباشرة لتشكيل قيادة بديلة عن الحالية.
وأمام هذه المعطيات لا يمكن تجاهل أن الخلاف الفتحاوي دخل مرحلة كسر العظم، والعنصر الحاسم هنا هو التدخلات العربية وتحديداً من مصر، الذي من الواضح أنها يئست من المبادرات التي لم تفلح في إنهاء الخلاف على مدار خمس سنوات، وهنا قد يكون عباس أمام خيارات صعبة بعد الخطوة المصرية الأخيرة، من المتوقع أن تدفعه للتعامل معها من خلال سيناريوهين:
الأول أن ينحني للعاصفة ويقبل بمصالحة دحلان كمن يتجرع السم، وهنا سيمنح دحلان نشوة المنتصر وسيعرض نفسه لضغوط داخلية هائلة خاصة من المقربين منه والذين ذهبوا في عدائهم مع دحلان لطريق لا يمكن الرجوع عنها، ومصالحته وتمهيد الطريق له نحو المقاطعة تعني أنهم سيكونون أول ضحايا الرئيس القادم على اعتبار أن لكل دولة رجالها.
في المقابل يتعرض عباس لضغوط هائلة من أبنائه الذين يكنون العداء الشديد لدحلان، ومن الجدير التذكير هنا أن الصراع احتدم بين الرجلين بعدما بدأ يتحدث دحلان عن أبناء عباس واستثماراتهم الكبيرة في الداخل والخارج.
والسيناريو الثاني: أن يذهب نحو المزيد من الاقصاء واتخاذ إجراءات أعنف تجاه خصومه وكل المؤيدين والداعمين لدحلان. والقراءة السريعة لسياسة أبو مازن خلال عقد من الزمان على رئاسته ترجح هذا السيناريو، فالرجل معروف بعناده الشديد والمراوغة والذهاب حتى النهاية في محاربة خصومه دون الالتفات لحجم التداعيات والخسارة التي تتكبدها فتح تحديداً.
وربما ما يدعم باتجاه هذا السيناريو هو الهجمة الشرسة على المؤتمر منذ بدايته وتكريس كل أجنحة الحركة في العمل ضده والتأكيد على أن كل ما ينتج عنه باطل وفاقد للشرعية، ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة إجراءات عملية تعكس هذا النهج، خاصة في ظل الحديث عن فصل ثلاثة من قادة فتح بينهم النائب أشرف جمعة.
ولن تكون الإجراءات المتوقعة بعيدة عن سابقاتها التي تذهب باتجاه المزيد من حملات الاقصاء وإجراءات الفصل واستغلال النفوذ السياسي وسلاح المال في محاربة الخصوم، ما يعني أنه من الصعب إيجاد مكان لشعرة معاوية بين الرجلين.