قائد الطوفان قائد الطوفان

عمره 800 عام

"الشيخ بشير" مقام مهمل رغم اختزاله تاريخ غزة القديمة!

مقام الشيخ بشير
مقام الشيخ بشير

غزة-شيماء مرزوق

ستلفتك تلك الغرفة الصغيرة التي تعلوها قبّة مبنيّة من الحجر الرخاميّ القديم، ونوافذها الطولية الضيقة تجعل رؤية المحراب والقبر الذي بداخله مهمة صعبة، لكن مع القليل من التدقيق يمكنك قراءة تلك الكلمات المنقوشة على شاهد القبر الذي يتوسط الغرفة بخط قديم وقد حفر عليه " هذا قبر الفقير إلى رحمة الله تعالي الطواشي الأجل الكبير سعد الدين بشير بن عبد الله الأشرفي"، توفي في العشر الأخير من شهر رمضان المعظم سنة 649.

حكاية مقام الشيخ بشير وسط حي التفاح بمدينة غزة حاولت أن تنقب عنها "الرسالة" بالعودة لتاريخ تلك المنطقة التي تحمل طابع أثري وتاريخي.

وكانت المفاجأة أن هذا المقام المهمل على شارع صلاح الدين عمره يقترب من حوالي 800 عام قاوم خلالها الزمن، تلك المنطقة التي باتت تنسب لمقام الشيخ بشير تخليدا لذكرى ذاك الرجل الصالح صاحب الكرامات كما عرف عنه.

بين زحام السيارات والمعامل والمستودعات الضخمة التي باتت تحجب الشمس عن المكان صمد هذا المقام في وجه الحروب والغزوات التي مرت على البلاد طوال تلك العقود، التي كان لا يخلو من الزائرين والوافدين الطالبين للبركة والدعوات عند الرجل الصالح كما عرف عنه.

ويتوقف باستمرار المارين والأطفال بجوار المقام الذي يعود للعصر العثماني للارتواء من صنبور المياه الذي وضع بجوار المقام كسبيل للناس.

ولم يخلد ذلك الرجل للكرامات التي اشتهر بها من الدعاء المستجاب وشفاء المرضى والرقية فقط، فقد كان رجلا مجاهدا لاسيما أنه شارك في الكثير من الحروب والغزوات الإسلامية وعرف عنه جهاده المستمر.

اليوم قد لا يلتفت أحد إلى المكان الذي بات أشبه بغرفة مهملة على الطريق العام خالية من الزوار أو حتى الناظرين إليها بعدما اندثر توجه الناس لنيل البركة بالأضرحة والمقامات والتي كانت عادة مشهورة قديما.

المار بالمقام لن يرى سوى بعض الأطفال الفضوليين وطلبة المدارس المارين به، ومن يتوقف منهم لاستراق النظر من نوافذه علهم يدركون ما بداخله.

ويتبادل الأطفال الخرافات حول المقام فبعضهم يظن أنه شبح يقفل الغرفة ويسكنها ولا يحب أن يزعجه أحد، بينما يصرخ الأخر على زميله الذي يحاول أن يلقي غلاف الحلوى الفارغة على القبر بأنه سينال عقابًا شديدًا من الله لأنه يلقي بالقاذورات على قبر رجل صالح.

ومن الخرافات البارزة التي ذكرها أهل التاريخ عن الشيخ بشير أنه هو من بشر سيدنا يعقوب بولده يوسف عليه السلام، رغم الفرق الشاسع في الزمن الذي عاش به الشيخ بشير عن سيدنا يعقوب.

ولا يكاد يخلو المقام من أوراق الدعوات الملقاة على الأرض من أصحاب الحاجة وطالبي البركة ظنا منهم أن إلقاءها في الغرفة سيجعلها مقبولة ومستجابة من الله تعالي.

"الرسالة" التقت هديل البيطار المتخصصة في الأثار بوزارة السياحة بغزة والتي أكدت أن منطقة الشيخ بشير ومحيط المقام كانت تعج بالآثار والمقامات بدءا من مسجد علي بن مروان الذي يحوي ضريح للشيخ بن مروان، ومروراً بقبر فخر الدين الأشرفي، ويقابله في الجهة الغربية أرض كان بها قبر قديم يعود الحاج عز الدين الصالحي المقتول بالجهاد في عسقلان.

وتؤكد أن مقام الشيخ بشير كان يحيط به بناء كبير وفي ساحته العديد من القبور والأعمدة المنقوش عليها، إلا أنها جميعها اندثرت ولم يتبق منها سوى المقام ومسجد بن مروان.

وتوضح البيطار أن كتب التاريخ تقول إن سكان منطقة الشيخ بشير جلهم من أصول كردية وتركمان وعجم وغيرهم وهم أصحاب بطش وشدة، جلبتهم جيوش الدولة الإسلامية في حروبها ضد الصليبيين.

ويعتبر مقام الشيخ بشير من المقامات القليلة الباقية في غزة، فقد اندثر جزء كبير منها بسبب الإهمال.

وبحسب وزارة السياحة فانه جرى التنقيب في المقام قبل عدة سنوات حيث عثر فيه على شواهد قبور منزوعة من أماكن أخرى ولوحات رخاميّة عليها كتابات مجلوبة أساساً من مساجد مندثرة لا علاقة لها بالمكان، ما يؤكد على الأهمية التاريخية له.

البث المباشر