قراءة في كتاب

خمسون ليلة وليلى ... جمالية التنوع

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قراءة – رشا فرحات

يطل علينا يسري الغول في مجموعة ألف ليلة وليلى بطريقة جديدة في السرد، تختلف عن مجموعاته السابقة، ولو لم أقرأ اسم الكاتب لما اكتشفت أنه ذاته يسري الغول، لما في كتابه هذا من تجديد في الأفكار والطريقة.

الأحداث سلسة، واضحة، الرمزية في السطور أكثر عمقا ووضوحا، يجوز لأنني أحب هذه الطريقة في الكتابة، ولا أحب تلك النصوص التي أجلس طويلا لفك شفراتها، وهذا ما كنت أتلمسه في مجموعات الكاتب السابقة.

استوقفني قليلا شغفه برحلة سابقة إلى أوروبا، واصراره على الخروج بمجموعة تحكي بعض التفاصيل عن تلك الرحلة، فباتت الهوية الفلسطينية غير ظاهرة بالشكل الذي تعودنا عليه، وانما هي هوية مسافر يذكر لنا بين الفنية والأخرى انه فلسطيني، ويظهر ذلك من خلال استخدامه لبعض الكلمات باللغة الإنجليزية خلال السرد، ولقد وجدت ذلك مستساغا وغير مبالغ فيه.

الحرب كانت واضحة، بشكل مؤثر، الألم والفقد كان مصورا بشكل بديع ومؤلم، الدخول الى النفس البشرية بعمق كان جليا، وان كنت لم أشعر بأن الكاتب كان موفقا وناقلا للصورة التي احبها في قصته الثانية رأيتها صدفة ، كنت أود لو كان هناك المزيد من التفاصيل التي تقنعني، الحب جاء باردا، السفر، الفراق، ثم العودة الى العادات والتقاليد، كل شيء في النص كان باردا، على عكس النص الذي يسبقه " عزيزتي فانيا" ولا أدري فانيا هو اسم حقيقي، ام أن خيال الكاتب اشتقه من معنى " الفناء"  لكنه كان بديعا في كل الأحوال.

ولقد اعجبتني قصة شهرزاد كثيرا وشعرت فعلا أن عنوان المجموعة يتجلى هنا، خلافا لذلك التناقض الذي كان بين العنوان والقصة الأولى والثانية ، ولكن في قصة شهرزاد كان هناك الكثير من الاقتباسات لفلاسفة وكتاب قدماء، ولا أدري لماذا استخدم الكاتب هذه الصورة في اخراج هذه القصة دون غيرها!

وكانت الصورة جميلة وفيها شيء من السخرية من الواقع في قصة " قبر حزين"  فمن الجميل أن يمتد بنا الخيال الى داخل القبور ونصف حال الموت مرتين الذي تتسبب فيه إسرائيل بقصفها حتى للأموات النائمين .

وأحببت الموت جدا، فاهتمام الكاتب أيضا في اظهاره بطريقة فريدة وكأنه يقول لنا انه لم يعد الجزء الأصعب من هذه الحياة.

 وربما راود هذا الشعور كل من قرأ قصة "الجنة" ، إلا أنني كنت أتوق لتفاصيل اكثر ووصف أكثر دقة ، فلقد سيطر علي شعور السرعة في الكتابة والركض بين السطور .

ولكن هناك قصة في المجموعة – لو صح أن اطلق عليها اسم قصة- وهي قصة "اختطاف"، شعرت وأنا أبدأ بها بأني أدخل على بعض من المشاهد المسرحية ، مختلف النمط والعرض، بطريقة توحي بأنها نوع مختلف من الكتابة أقرب للسيناريو، وكنت أتمنى لو سارت الكتابة على وتيرة واحدة في كل القصص وبطريقة عرض واحدة في صفحات المجموعة .

وفي النهاية لم يكن لدي تعليق واضح أو راي حول قصة "سفر غرناطة"، ولا قصة "ألف ليلة وليلى" التي حملت اسم المجموعة، ففي سفر غرناطة  لمست الغموض في سطورها وطريقة عرضها،  فقد جاءت على شكل مقاطع معنونة بكلمة " الإصحاح" ومن الواضح أن الكاتب كان يتحدث على لسان المسلمين وما فعله بهم النصارى للهروب من غرناطة قبل سقوطها، فلماذا اختار الكاتب كلمة الاصحاح ، بينما أبطال المقاطع كانوا مسلمين؟؟!!!ولماذا اقتبس بعضا من سفر التكوين في سرده لقصص هروب المسلمين؟؟ ولم يوضح للقارئ انها اقتباسات من الكتاب المقدس، ولم أدرى ما الداعي لهذه الفكرة !! وذات الغرابة لمستها أيضا في قصة خمسون ليلة وليلة التي خرجت منها احمل الكثير من علامات الاستفهام، وبدا قلم الكاتب الغامض جلياً هنا أكثر.

وفي نهاية هذه القراءة، كنت أتوقع انني سأقرأ خمسون قصة كما اوحى لي العنوان، ولكني لم أقرأ سوى أربعة عشر  قصة فقط.

وليسامحني القارئ فانا أشعر بالأسف لأن المساحة المتاحة للنشر لم تساعدني على الكتابة والتعليق  على كل القصص في المجموعة التي أعجبتني في معظمها، فقد رأيت فلسفة كاتب حقيقة بشكل جميل ومعان راقية وواضحة في نفس الوقت، مجموعة تستحق القراءة، وعمل متميز ومختلف، وحتما طريقته في السرد جديدة وملفتة للانتباه، وهو اضافة جميلة لعالم القصة القصيرة الذي يقترب من الاندثار .

بقي أن نقول أن يسري الغول هو كاتب فلسطيني من مواليد 1980، حاصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية بالإضافة الى ماجستير في دراسات الشرق الأوسط

له ثلاثة مجموعات قصصية سابقة إضافة إلى هذه المجموعة .

البث المباشر