تواصل السلطة الفلسطينيّة ملاحقتها للصحافيّين والنشطاء الإعلاميّين بدعوى انتقادها في منشوراتهم على شبكات التّواصل الإجتماعيّ.
فقد اعتقلت المخابرات العامّة في الخليل الصحافيّ محمّد أبو جحيشة، كما مدّد الأمن الوقائيّ اعتقال الصحافيّ نضال النتشة بتهمة توجيه الشتائم ضدّ السلطة الفلسطينيّة ورئيسها.
وفي قلقيلية، استدعى الأمن الوقائيّ الصحافيّ قيس أبو سمرة للمقابلة، وعقدت محكمة الصلح في نابلس جلسة محاكمة للصحافيّ طارق أبو زيد بتهمة النيل من هيبة السلطة .
وفي هذا الإطار، قال رئيس منتدى الإعلاميّين الفلسطينيّين عماد الإفرنجي لـ"المونيتور": "هناك قلق شديد ينتاب الصحافيّين بسبب حملة السلطة الفلسطينيّة ضدّهم، وبصورة غير مسبوقة.
وأضاف :" نحن ندين هذه الحملة التي تنتهك الحريّات الإعلاميّة، ويجب محاسبة المتورّطين فيها، مع أنّ الحكومة الفلسطينيّة ووزير داخليّتها مسؤولان عن الإنتهاكات بحقّ الصحافيّين، وهي ظاهرة يجب التوقّف أمامها".
ولم تقتصر الحملة الأمنيّة للسلطة الفلسطينيّة ضدّ الصحافيّين ونشطاء الإعلام الجديد على المقيمين داخل فلسطين، بل تجاوزتها لمن هم خارجها، ممّن يكتبون دائماً عن تجاوزاتها.
و كشفت شبكة الأخبار الفلسطينيّة في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر أنّ الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس طالب وزير خارجيّته رياض المالكي بإعداد ملف عاجل عن نشطاء الـ"فيسبوك" الفلسطينيّين المقيمين في أوروبا وأميركا والدول العربيّة، ويشنّون على السلطة هجمات متواصلة على شبكات التّواصل.
وفي 14 تشرين الأوّل/أكتوبر، نشرت الشبكة ذاتها تسجيلاً صوتيّاً لضابط فلسطينيّ يكشف أسماء النشطاء المستهدفين من السلطة، أبرزهم: فادي السلامين، عبد الرحمن هاني، غسّان جاد الله، عبد الرحمن ظاهر، وليد النجّار، عبد العزيز طارقجي، حنين وردة، حمزة أبو زرد، نضال حمد، ماجد أبو شرار، ماجد الجرار، ياسر الجعبري، علي قراقع، محمود عطايا، نزار بنات، إحسان الجمل، طه الحاج، وأيمن عودة، وهم جميعا يقيمون داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، سواء في الولايات المتحدة أو القارة الأوروبية وعدد من الدول العربية.
وفي هذا السياق، قال عبد الرحمن ظاهر، وهو مخرج أفلام فلسطينيّ في الأردن، ورد اسمه بالقائمة، لـ"المونيتور" إلى أنّه "تلقّى أخيراً تهديدات من الأمن الفلسطينيّ لانتقاده السلطة الفلسطينيّة، وطلب الرئيس عبّاس متابعة نشاطاتي لاتّهامي بتحويل أموال لدعم معارضيه في الضفّة والعمل مع المخابرات الأردنيّة .
ومن جهته، نقل موقع "الكرامة برس" في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر عن مسؤول في الخارجيّة الفلسطينيّة، أخفى هويّته، أنّ مكتب اللّواء ماجد فرج مدير المخابرات الفلسطينيّة أرسل ملفّاً إلى مكتب رياض المالكي يحتوي تفاصيل الناشطين المقيمين في الخارج، لتقديم شكاوى إلى وزارات الخارجيّة للدول المضيفة لهم، لوضع حدّ لكتاباتهم ضدّ القيادة الفلسطينيّة.
وكشفت صحيفة "رأي اليوم" في 14 تشرين الأوّل/أكتوبر عن إرسال الخارجيّة الفلسطينيّة رسالة إلى وزير الخارجيّة الأميركيّة جون كيري في 1 تشرين الأوّل/أكتوبر، بخصوص الناشط فادي السلامين بتهمة دعم الإرهاب والتحريض ضدّ السلام، تطالبه فيها بمنعه من الاستمرار في الكتابات المعارضة للسلطة الفلسطينية على صفحته على الفيسبوك.
وفي هذا الإطار، قال فادي السلامين، هو من أبرز معارضي عبّاس، ويقيم في الولايات المتّحدة الأميركيّة، لـ"المونيتور": "إنّ نشطاء الفيسبوك الذين تلاحقهم السلطة من خيرة شباب فلسطين، فهم أذكياء، جريئون، غيورون على وطنهم، يرون فساد السلطة مستشرياً، ولن يقبلوا بأدائها، وما يقوم به عبّاس من ملاحقة لنا وسام عارٍ له، وفخر لنا، ولن يردعنا أبداً".
وفي وقت لاحق من يوم 22 أكتوبر، أطلق مسلحون مجهولون النار على منزل عائلة السلامين، في بلدة السموع بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وأحدث أضرارا مادية بالمنزل، دون إصابات بالأرواح، واتهم السلامين في ذات اليوم السلطة الفلسطينية بالوقوف خلف هذا الحادث، متوقعا أن تتكرر عملية إطلاق النار على منزل عائلته بسبب مواصلة انتقاده للسلطة، وقيادتها، واتهامها بالفساد.
وبدورها، قالت حنين وردة العبد، وهي صحافيّة فلسطينيّة في تركيا، ورد اسمها ضمن القائمة، لـ"المونيتور": "إنّ السلطة لها سوابق في سياسة تكميم الأفواه وقمع حريّة رأي الصحافيّين، بتهمة قدح مقامات عليا إشارة إلى الرئيس عبّاس، وتمارس عليهم مضايقات كبيرة داخل فلسطين، فكلّ من ينتقد السلطة تتمّ ملاحقته".
ولفت موقع "فراس" الإخباريّ في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر إلى أنّ عبّاس طالب إسرائيل بمساعدته في إغلاق الصفحات الإلكترونيّة المعارضة له، لأنّها تتواصل مع إدارة "فيسبوك"، وجهاز المخابرات الفلسطينيّة زوّدها بتفاصيل هذه الصفحات.
أمّا معاذ حامد، وهو صحافيّ فلسطينيّ في تركيا، فأشار لـ"المونيتور" إلى أنّ "لديه شكوك في مسؤوليّة السلطة عن قائمة الأسماء، لكنّها قد تكون من إنتاج خصوم عبّاس مثل محمّد دحلان، فلقد تمّ اختيار النشطاء والصحافيّين المعروفين بكتاباتهم ضدّ السلطة والرئيس".
وكذلك، قال المدير العام للهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان في فلسطين عمّار دويك لـ"المونيتور": "هناك ملاحقات أمنيّة فلسطينيّة بسبب كتابات الفيسبوك.
وفي الوقت نفسه، هناك غض للطرف عن بعضها، ورغم أنّي لا أعتقد بدقّة قائمة أسماء معارضي السلطة، فإنّ الدول الغربيّة لن تسلّم من يتواجدون فيها إلى السلطة بسبب كتاباتهم، لأنّ المنشورات ليست جرائم إلكترونيّة تستوجب التسليم أو المحاكمة".
وبدوره، قال طه الحاج، وهو ناشط فلسطينيّ في لبنان، ورد اسمه في القائمة، لـ"المونيتور": "إنّ القائمة المنشورة لن تمنعنا من التعبير عن آرائنا على الفيسبوك، ولو نجحت السلطة في إغلاق صفحتنا، فلدينا العديد من الوسائل لإيصالها".
وفي هذا السياق، قال أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت نشأت الأقطش لـ"المونيتور": "إنّ كتابات الفيسبوك تزعج السلطة الفلسطينيّة، لأنّها تريد إعلاماً يمدحها ولا يكشف عيوبها، لكنّي أستبعد أن تسلّم الدول الأوروبيّة النشطاء الفلسطينيّين المقيمين فيها إلى السلطة، فالأمر يحتاج إلى إجراءات قضائيّة طويلة. وفي النهاية، لن تسلّمهم إلى السلطة".
وفي هذا المجال، قال المدوّن الفلسطينيّ بتركيا علي قراقع الذي ظهر اسمه في القائمة المذكورة، لـ"المونيتور": "إنّ قائمة الأسماء صحيحة. لقد قامت السفارة الفلسطينيّة في أنقرة بمراقبة تنقّلاتي كوني معارضاً للسلطة. ورغم أنّ السلطة عاجزة عن ملاحقتنا أمنيّاً بتركيا، ولكن نشر أسمائنا في القوائم الأمنيّة يؤذينا نفسيّاً ويقلقنا شخصيّاً، لكنّه لن يمنعنا من مواصلة كتاباتنا".
أخيرا...لا يبدو أن السلطة الفلسطينية بصدد إيقاف ملاحقاتها ضد معارضيها، سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها، لاسيما بالنظر إلى حالة الاستقطاب الحادة في أوساط القيادة الفلسطينية، كلما ازداد الحديث عن خلافة الرئيس عباس، وجرأة النشطاء الفلسطينيين في الحديث عن حالات الفساد التي تعيشها السلطة الفلسطينية بين حين وآخر، خاصة من المقيمين خارج الضفة الغربية ممن لا تطالهم أيدي أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.
نقلا عن المونيتور ..