يتكرر مشهد المواجهات بين قوات أمن السلطة الفلسطينية والشبان الفلسطينيين في مناطق عديدة من مدن ومخيمات الضفة الغربية وإن كان أبرزها على الاطلاق الاشتباكات شبه المستمرة في مخيم بلاطة، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة في حال استمراره.
وكانت الأجهزة الأمنية في الضفة قد اشتبكت مع مجموعة مسلحة في مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس قبل يومين، أدت إلى إصابة ستة مواطنين، فيما اشتبكت ايضاً بالأمس مع مجموعة أخرى في مخيم جنين.
ويبدو أن ما يجري في أروقة المخيمات الفلسطينية يعبر عن حالة الخلافات الداخلية التي تعيشها السلطة وحركة فتح، خاصة أنه لا يسمح لأي مواطن بحمل السلاح في الضفة دون موافقة السلطة عليه.
وندد نواب في المجلس التشريعي في الضفة بسياسة القبضة الحديدية التي تنتهجها أجهزة السلطة في التعامل مع المخيمات الفلسطينية، التي تعتبر خط الدفاع الأول في مواجهة الاحتلال، معتبرين إياه شكلاً من أشكال التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال.
خلافات فتحاوية
وبحسب إفادات شهود عيان، فقد لوحظ أن أفرادا من عناصر الشرطة الفلسطينية دخلوا مخيم بلاطة، وخلال نشاطهم عند الشارع المؤدي للمخيم خلف المستشفى الحكومي اشتبكوا مع شبان الذين رشقوهم بالحجارة.
وأوضح شهود العيان أن الاشتباكات رافقها سماع أصوات إطلاق رصاص حي كثيف في منطقة المواجهات التي استنفر إليها المزيد من قوات الأمن وأفراد الشرطة، لقمع واحتواء المواجهات وملاحقة مطلوبين و"مشتبهين" داخل المخيم والأحياء السكنية.
ونجحت قوات أمن السلطة باحتواء المواجهات ما حال دون تطورها، خاصة أن منطقة جنين والمخيم يشهدان بين الحين والآخر احتكاكات ومواجهات يقوم خلالها الشبان بوضع المتاريس وإغلاق الطرق لعرقلة المداهمات في المخيم من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
النائب عن حركة حماس في الضفة فتحي قرعاوي قال إن غالبية الاشتباكات التي تدور في المخيمات تعود أسبابها إلى وجود خلافات داخل حركة فتح، لا سيما أن السلطة هي التي سمحت لهؤلاء بحمل السلاح.
وقال قرعاوي في حديث "للرسالة" إن السلاح الموجود في ايدي المجموعات المسلحة كان بموافقة السلطة والاحتلال، وهو الان ينقلب عليها"، واصفاً إياه بـ"الغول" الذي لا تستطيع السلطة مواجهته.
وأكد أن استمرار الاشتباكات بين السلطة وسكان المخيم يدق ناقوس الخطر، خاصة أنه يتطور مع تطور الوضع السياسي وتطور الوضع الداخلي الفتحاوي، مشدداً على أنه سيؤدي إلى وضع لا يحمد عقباه.
وأشار إلى أن الاشتباكات التي اندلعت في مخيم بلاطة كانت تحت ذريعة أنهم يمثلون القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، مستدركاً "لكن في الحقيقة تمثل جملة من المعطيات التي من بينها الوضع السياسي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، والذي أدى إلى حالة من حمل السلاح والوقوف في وجه السلطة".
وأكد قرعاوي أن أجهزة السلطة فشلت في التعامل بشكل جدي مع المخيمات الفلسطينية، كونها تتعامل بسياسة القبضة الحديدية.
وقال إن السلطة تقف عاجزة ولا تستطيع ان تدخل في مواجهة مفتوحة مع المخيمات لان ذلك سيجلب مجازر ومعارك، والخاسر الأول فيها هي "السلطة"، وستكون معضلة جديدة للشعب الفلسطيني تضاف للانقسام.
وأوضح أن الوضع الداخلي الفلسطيني في حالة تأزم كبير، مشيراً إلى أن حالة الضغط الشديد داخل المخيمات قد تؤدي إلى الانفجار، لافتاً إلى ان الاشتباكات لا تخدم إلا الاحتلال فقط.
التنسيق الأمني
وتعتبر نابلس وجنين وطولكرم من أكثر المناطق التي تشهد اشتباكات مع قوات أمن السلطة التي ترى فيها محاولات للتمرد، حيث أن معظم المسلحين الذين يقطنون هذه المخيمات ويعربدون فيها هم من عناصر حركة فتح والأجهزة الأمنية المفصولين والغاضبين على السلطة، لذا تحاول الأخيرة باستمرار السيطرة عليهم.
وتخشى السلطة أن ظاهرة التمرد بين عناصرها الغاضبين قد تزداد وتؤثر على الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، خاصة أن هذه العناصر المسلحة قد تشكل خطرا عليها لاسيما أنها باتت تشكل أشبه بمليشيات مسلحة، وتسيطر على مناطق كاملة مثل مخيم بلاطة الذي لا تستطيع السلطة اقتحامه.
بدورها، اعتبرت النائب في المجلس التشريعي بالخليل سميرة الحلايقة، أن ما يدور في المخيمات الفلسطينية هي تصفية حسابات على خلافات قائمة بين الأجهزة الأمنية ومجموعات مسلحة منذ زمن بعيد.
وأوضحت الحلايقة في حديثها "للرسالة" أن الأجهزة الأمنية تدخل أكثر من مرة للمخيمات بحجة بسط السيطرة وحفظ الأمن، "لكن على ما يبدو هناك مهمات أخرى تسعى إليها"، وفق قولها.
وقالت إن ما يجري من اقتحامات أجهزة السلطة للمخيمات، تأتي ضمن سياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال "وهو شكل من أشكال تبادل الأدوار بينهما"، على حد تعبيرها.
وأضافت أن المبررات التي تتذرع بها أجهزة السلطة لاقتحام المخيمات "غير مقنعة" للمواطنين، مشددةً على أن المخيمات تعتبر خط الدفاع الأول في مواجهة الاحتلال (الإسرائيلي).