مما كان لافتا في تعليق سامي صرصور رئيس مجلس القضاء الأعلى في الضفة المحتلة، على قرار إقالته قوله إنه "القاضي الوحيد الذي تم تنصيبي من مجلس القضاء، ولم أنصب من المخابرات أو غيرها".
يحمل هذا التصريح إدانة ودلالة، لا تحتمل النفي أو التشكيك، على أن السلطة القضائية لم تعد مستقلة، وأن مبدأ الفصل بين السلطات لم يعد قائما، وأن الرئيس عباس جعل نفسه سلطانا على القضاء!
ولا يمكن تصنيف هذا التصريح على أنه ردة فعل من قبيل الانتقام، خصوصا أنه صادر من شخص يتولى رئاسة أرفع مؤسسة معنية بإدارة شؤون مكونات السلطة القضائية، وباعتباره مطلعا على كل مجريات السلطة، وعارفا بكل التعيينات الخارجية التي تجري في أروقة القضاء، والتي تعتبر تدخلا ينفي عنه صفة النزاهة والاستقلال.
وأشار صرصور أثناء حديث خاص بـ "الرسالة نت" إلى ديباجة قدمتها له الرئاسة الفلسطينية أثناء عملية تعيينه، تفيد بـ "أنه في خدمة الحق والعدالة، وأن الاستقالة بين يدي الرئيس في أي وقت"، وهذا ينافي مواد القانون الأساسي بشأن استقالة القضاة أو إقالتهم، التي هي من صلاحية المجلس الأعلى للقضاء.
مع العلم أن القانون الأساسي أوكل تعيين شاغلي الوظائف القضائية إلى رئيس السلطة بعد تنسيبهم من مجلس القضاء الأعلى، وفقا لأحكام المادة 18 من قانون السلطة القضائية، وهذا ما تقتصر عليها مهمة الرئيس عباس فيما جرى مع المستشار صرصور.
وهذا ما أكد عليه المستشار صرصور بأن دور الرئيس ينتهي بمجرد تعيينه رئيسا للمجلس الأعلى، وأن الاستقالة تتم الموافقة عليها دون أن تمر على الرئيس، نافيا مسبقا أنه تقدم باستقالته، مؤكدا وجود "عملية تزوير" في قضيته.
ووصف قرار إقالته بـ"الاعتداء والتغول الخطير على السلطة القضائية، وليس فقط تجاوزا للقانون"، مؤكدا أن هذا "التغول يفقد القضاء الفلسطيني حصانته، ويجعله عرضة للعبث".
وقد رفضت مؤسسات حقوقية ومدنية ما جرى مع المستشار صرصور، وأكدت في بيان مشترك أنه أجبر على توقيع استقالته قبيل أدائه القسم القانوني، معربة عن صدمتها لهذا الإجراء "الذي ينطوي على مخالفة دستورية".
وجاء في البيان أن "الطلب من رئيس مجلس القضاء الأعلى تقديم استقالته في لحظة التعيين، أو في أي وقت آخر لاحق، يؤشر إلى وجود نية واضحة لتدخل خطير من قبل أطراف متنفذة في السلطة التنفيذية في عمل الجهاز القضائي، ويمس باستقلالية القضاء ويفرغ منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى من مضمونه واستقلاله".
ومن ناحيته، اعتبر الناشط الحقوقي صلاح عبد العاطي أن ما صدر عن صرصور من تصريحات أثبت بالدليل القاطع مدى غياب استقلالية السلطة القضائية، بعدما طُلب منه قبل حلف اليمين توقيع ورقة منظورة باستقالته بدون تاريخ.
وقال عبد العاطي لـ "الرسالة نت": "عندما يتم إجبار رئيس مجلس القضاء الأعلى على توقيع ورقة استقالة مسبقة، فهذا يدلل على نية مبيتة لدي السلطة التنفيذية بالتدخل في عمل السلطة القضائية بما يتعارض مع كل الأعراف والمواثيق الدولية، ومبادئ الفصل ما بين السلطات".
وفيما رفضت الفصائل الفلسطينية تدخّل الرئيس عباس في القضاء، اعتبرت حركة حماس أن تعيين المستشار صرصور وعزله، يؤكد ما أعلنته مرارا حول تسييس السلطة للقضاء، وتوظيفه لأغراض حزبية.
وسبق أن نشرت مؤسسة الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) في تقرير لها، أن من أبرز إشكاليات تعيين شاغلي الوظائف القضائية ونقلهم وندبهم، هو ترقية عدد من القضاة في السلطة القضائي بمختلف درجاته، دون الأخذ بعين الاعتبار قاعدتي الأقدمية والكفاءة، ما يضعف قواعد النزاهة في الترقيات دخل الجهاز القضائي ويمنح بيئة مناسبة للفساد داخل السلطة القضائية.
وشرحت (أمان)، وهي ضمن المؤسسات الحقوقية الموقعة على رفض ما جرى مع المستشار صرصور، أن الفصل السليم بين السلطات في النظام الديمقراطي يكون بوجود السلطات الثلاث في النظام السياسي، وأن كل واحدة منها تتمتع بصلاحيات واختصاصات محددة وفقا للدستور (القانون الأساسي) والقوانين الخاصة بكل منها، دون تدخل من ممثلي أو أعضاء أي من السلطتين، بما يؤثر في مجري عملها أو قراراتها والتي عليها أن تبلورها باستقلال نسبي عن الأخريات.
إضافة إلى ضمان وجود رقابة متبادلة بين السلطات، بحيث تمارس كل منها صلاحياتها تحت رقابة السلطات الأخرى؛ لضمان التزام كل سلطة بحدود صلاحياتها وسيادة القانون، لكنها اشترطت بأن النجاح يتطلب وجود إرادة سياسية لدى الأطراف القيادية في هذه السلطات لاحترام القواعد الدستورية والقانونية الناظمة لعمل السلطات الثلاث، تحت رقابة المواطن.
واعتبرت أن عدم توفر إرادة سياسية باحترام مبدأ الفصل بين السلطات، أو توزيع غير متوازن للصلاحيات، أو ضعف الرقابة المتبادلة بين السلطات، يولّد بيئة تزيد من فرص الفساد.