البردويل: فتح مزقت المنظمة ولا تؤمن بالشراكة
الحوراني: يجب إشراك التيار الإسلامي داخلها
شهاب: مستأثرة لصالح فئة معينة ترفض تفعيلها
الغول: تفعيل المنظمة مفصل رئيسي لإنهاء الانقسام
عدوان: فتح لن تسمح لأحد بقيادتها والحل بإيجاد بديل
الرسالة نت - محمد أبو قمر
ذابت منظمة التحرير الفلسطينية بين ثنايا السلطة منذ أن وطأت أقدامها قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة عقب اتفاق "أوسلو"، وما هي إلا بضع سنين حتى دخلت (م.ت.ف) مرحلة الموت السريري بعدما أسقطت الكفاح المسلح من ميثاقها الوطني.
مرت السنون وغطى الغبار جسد المنظمة النحيل ومؤسساتها الهشة، حتى تربعت حركة حماس على الحلبة السياسية عقب الانتخابات التشريعية عام 2006، حينها حاولت حركة فتح المستأثرة بالمنظمة بث الروح فيها، واتخذتها "تيسا مستعارا" لتمرير قراراتها والالتفاف على الخيار الفلسطيني، ضاربة بعرض الحائط الأصوات المنادية بإصلاح وإعادة تفعيل المنظمة, خشية من أن تتساقط آخر أوراقها، وتجد نفسها خارج دائرة المنافسة.
قضية أساسية
وشهد ملف منظمة التحرير والدعوة إلى إصلاحه مراحل شد وجذب بين الفصائل، وكان حاضرا في جميع جلسات الحوار الوطني بدءا من اتفاق القاهرة 2005 ، مرورا بوثيقة الوفاق الوطني، وليس انتهاءً باتفاق مكة، وما تبعها من حوارات بالقاهرة عقب أحداث يونيو 2007.
وفي هذا السياق، يقول النائب الدكتور صلاح البردويل القيادي في حماس: " لابد أن يبدأ التوافق الفلسطيني عبر منظمة التحرير، فهي المؤسسة التي من المفترض أن تمثل الشعب الفلسطيني، مضيفاً: طالما لا زال الشعب في حالة تحرر فالأصل أن تبقى المنظمة العنوان الموحد له وليس طرفا من أطراف النزاع والخلافات داخل القوى الفلسطينية".
وبحسب البردويل، فان المنظمة حاضرة وهناك بند خلال الاتفاقات يدعو لإعادة صياغتها وإصلاحها بما يضمن تمثيلها للفلسطينيين كافة، مستدركاً:" فتح لا تؤمن بالشراكة السياسية فقد عطلت الاتفاقات، وجرّت المنظمة لحجرها ورفضت أن يشاركها أي طرف ، مع أن حماس تمثل أغلبية في وذات وجود فاعل على الساحة الفلسطينية.
وأوضح البردويل أن قادة المنظمة هم ذاتهم قادة فتح الذين هبطوا بمستوى المنظمة ومزقوا ميثاقها ، ولم يعد لديهم رغبة في إحداث مصالحة حقيقية قائمة على الشراكة، تجعل من المنظمة عنوان لتوحيد الشعب ولملمته ومقاومة الاحتلال.
من جهته، يشير داوود شهاب الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي، أن الاتفاق الذي جرى في القاهرة لإعادة بناء المنظمة وتشكيل لجنة من الأمناء العامين للفصائل أو من ينوب عنهم لتكون مرجعية في مسألة القرار الوطني الفلسطيني حتى يعاد بنائها، تم تعطيله وتهميشه ولم ينفذ على مدار السنوات الماضية، مما يدلل على أن المنظمة محتكرة لصالح فئة معينة، وهناك حرص كبير من ذلك الفريق على استبعاد حماس والجهاد من المشاركة".
وأوضح شهاب، أنه رغم الحديث في وسائل الإعلام عن حرص من هنا أو هناك بأن تكون المنظمة ممثلة الكل الوطني لكن الوقائع تدحض تلك الأقاويل.
وفي هذا السياق يرى كايد الغول القيادي في الجبهة الشعبية إحدى فصائل المنظمة أنه من الخطأ تعطيل ما تم الاتفاق عليه في القاهرة 2005، قائلاً:" رغم أن الاتفاق جرى قبل الانقسام ولم يتحقق ، إلا أن ما جرى منتصف 2007 فاقم الأمر ، حيث باتت معالجة قضية المنظمة مرتبط بتجاوز الانقسام" ، مشددا على أن تفعيل المنظمة مفصل رئيسي لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وإعادة بناء النظام الفلسطيني.
خلاف وانفراد
ويذهب الدكتور عبد الله الحوراني العضو السابق باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الى عوامل كثيرة تقف وراء عدم تفعيلها، فيقول: " لم يمض كثيرا على اتفاق القاهرة الداعي لتفعيل المنظمة حتى بدأت الصراعات الداخلية التي انعكست عليها، كما أن الخلاف في الموقف السياسي تجاه التفاوض، والانقسام العربي بين ما يسمى دول الممانعة والاعتدال أثر على العلاقات الفلسطينية الداخلية، وذلك انعكس على جميع جوانب القضية بما فيها المنظمة.
ويأسف الحوراني الذي شهد حوارات القاهرة كشخصية مستقلة على اختلاف الفصائل على أشياء بسيطة جدا، كما وصفها، حال دون الوصول لموقف موحد حول المنظمة، مشدداً على انه سعى بقوة لإعادة تفعيل المنظمة وقدم اقتراحات كثيرة في هذا الشأن وجميعها يوصي بضرورة انضمام التيار الإسلامي لها.
بينما يري، الدكتور عصام عدوان المتخصص في شئون الفصائل، أن هناك استئثارا بالمناصب والكراسي لصالح فصيل محدد، قائلاً:" فتح لن تسمح لأحد أن يتولى قيادة المنظمة، وخوضهم الانتخابات السابقة كانت تجريبية بمعنى إذا فازت بها فتح فمن المتوقع أن تجري انتخابات للمنظمة، ولكن عندما جاءت النتائج عكس ما توقعتها الحركة ، رفضت أي تعديل عليها لان الوضع مريح لها، ولا يزاحمها احد على المنظمة ، فلماذا تخلي الساحة للآخرين؟.
ويتابع عدوان " طبعا هذا الأمر غير منطقي وليس مبررا، ولا يعبر عن عقلية تعبر بحس وطني، لاسيما أن المصلحة العامة بأن تتولى الحركات ذات الشعبية العريضة والمتمسكة بالثوابت زمام القضية الفلسطينية، ويفسح لها المجال باعتبار أن هناك خيار ديمقراطي ونزيه"، لكنه شدد أن هناك من يعرقل المصلحة العامة.
مراحل وتناقضات
وحول المراحل التي مرت بها المنظمة منذ تأسيسها عام 1964، يقول أ.د. إياد البرغوثي مدير عام مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان: " أحداث كثيرة مرت بها المنظمة أثرت في مسألة وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني دولياً وفلسطينياً، وفي مكانتها بصورة عامة جعلتها تغير هدفها ووسائلها، أهمها الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، التي تزامنت مع تأسيس حركة "حماس"، التي شكلت منافساً حقيقياً لـ (م. ت. ف).
وبعد أن وقعت المنظمة اتفاق أوسلو، فقدت معظم عوامل شرعيتها التقليدية، فتحرير الأرض المحتلة، التي استولى عليها الاحتلال عام 1948، لم يعد هدفاً بل تم التخلص منه علناً، ولم يعد الكفاح المسلح وسيلة أساسية أو وحيدة لتحرير الأرض بل أصبح "أحد" الطرق المعلنة للتحرير، ولاحقاً انتهى الأمر بالتخلي عنه كلياً واعتماد طريق المفاوضات كإستراتيجية وحيدة لتحصيل حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967.
من الجدير بالذكر أن المجلس الوطني أسقط البنود المتعلقة بالكفاح المسلح وألغى المواد التي تتعارض مع ما وصفه الرسائل المتبادلة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة "إسرائيل". عندما عدل ميثاقه الوطني عام 1996.
وبحسب البرغوثي فان السلطة كبرت على حساب المنظمة،وبمرور الوقت هُمِّشت الأخيرة لصالح السلطة، وسهل ذلك فلسطينياً كون معظم قيادات م. ت. ف. هم أنفسهم قيادات السلطة وبخاصة الرئيس ياسر عرفات الذي جمع بين رئاسة المنظمة والسلطة ورئاسة حركة فتح، وكذلك فعل محمود عباس فيما بعد.
وينطوي تحت لواء المنظمة عدد من الفصائل كفتح ، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وجبهتي التحرير العربية والفلسطينية، والجبهة العربية الفلسطينية، وجبهة النضال الشعبي وحزب الشعب، وفدا، وحركة الجهاد الإسلامي "كتائب الأقصى" (ليست حركة الجهاد الإسلامي المعروفة) ، ومنظمة طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة) (الفرع الفلسطيني من حزب البعث العرب الاشتراكي سوريا).
وتضم المنظمة عدة دوائر أبرزها السياسية، والعسكرية، والصندوق القومي الفلسطيني، ودائرة شؤون الوطن المحتل، والتربية والتعليم، والعلاقات القومية، والإعلام والثقافة، الى جانب دائرة التنظيم الشعبي، والاتحادات الرياضية، ودائرة الشئون الاجتماعية، والشئون الإدارية، وشئون اللاجئين ، ودائرة شئون المفاوضات.
وقد همشت جميع دوائر المنظمة عقب وصول السلطة للأراضي الفلسطينية المحتلة سوى دائرة المفاوضات التي بقيت لتمرير التنازلات.
استدعاء المنظمة
وغطت منظمة التحرير منذ قدوم السلطة في سبات عميق، حتى باتت تستدعى حديثا لتمرير بعض القرارات التي ترفضها معظم الفصائل الفلسطينية.
وفي هذا الشأن، يقول القيادي بحماس د.البردويل " المنظمة باتت للاستعمال الموضعي فقط عندما تريد فتح تمرير أي قضية مخلة بالكرامة الفلسطينية والثوابت، تستخدمها ظنا منهم أن الشعب لا يفقه، وان القوى الحية بالشعب لا زالت بعيدة عن الساحة، مشددا على أن ما يقومون به من قبيل الجهل.
أما الناطق باسم الجهاد، شهاب فيعتقد أن المنظمة تستدعى في مناسبات معينة، لاسيما أن اختص الأمر بالمناكفات الداخلية مثلا، أو إعطاء غطاء أو شرعية للمفاوضات مع الاحتلال الصهيوني.
ورفض شهاب احتكار القرار الوطني داخل المنظمة لصالح جهة معينة ، مشددا على أن المنظمة تفقد شرعيتها طالما بقيت على ما هو عليه.
ورغم أن الجبهة الشعبية عضو في المنظمة إلا أن الغول يقول " المنظمة وقعت اتفاقات لم نوافق عليها سواء أوسلو أو غيرها، وصولا للمفاوضات غير المباشرة، ورغم معارضتنا السياسية لقرارات أساسية اتخذتها المنظمة ، إلا أنه من الواجب علينا المحافظة على المنظمة ككيان موحد للشعب، وتطوير مؤسساتها على أساس ديمقراطي،
ويشير الغول إلى أن معارضة جبهته للقرارات لا يعني تعطيله لأنهم لا يشكلون أغلبية داخل المنظمة ، وأضاف "نخوض نضال من داخل اطر المنظمة، وفي الوقت نفسه ننتقد أي سياسات أو قرارات خاطئة".
وبحسب المختص بالشؤون الفلسطينية د.عدوان فان فتح اتخذت منهج منذ السبعينات بأن كل قرار تريد تمريره على الشعب يتم من خلال المجلس الوطني الفلسطيني، وتنجح في ذلك بحكم امتلاكها الأغلبية بداخله.
ويضيف " المنظمة ارتضت أن تتخلى عن جميع الثوابت الفلسطينية، لذلك لن تسمح لأي حركة أخرى تتمسك بالثوابت أن يكون لها موطئ قدم بداخلها".
بينما يعتقد العضو السابق بالمنظمة د. الحوراني أن منظمته كانت تتبنى جميع وسائل النضال، وكانت تشرف على الداخل كما كانت نشطة بالخارج ، ولكن عند قيام السلطة وفق أوسلو أصبح هناك تغير في الموقف السياسي ، وأصبحت السلطة لها دور اكبر من المنظمة.
ويؤكد أن الموضوع السياسي هو من مهمات المنظمة وليست السلطة التي هي بمثابة مشرف على الأمور الحياتية للمواطنين، لكن أصبح اختلاط بين السلطة والمنظمة، وهذا مخالف تماما لما كان يجب أن يكون.
فيتو على المنظمة
ولم يخف البعض أن هناك "فيتو" أمريكي غربي وربما عربي على إصلاح منظمة التحرير خشية من استحواذ حماس عليها بحكم أنها صاحبة الأغلبية في الشارع الفلسطيني.
ويعتبر د.البردويل أن أساس المشكلة تكمن في خشية فتح إذا ما فتحت ملف المنظمة أن تسيطر حماس عليها كما اكتسحت الانتخابات التشريعية ، ويقول " هم يخشون من الشراكة، وهذا سبب الخلاف، والمؤامرة الحالية هدفها إخراج حماس من الحلبة والمشهد السياسي الفلسطيني .
فيما لم يستبعد شهاب الفيتو الأمريكي العربي على إصلاح المنظمة وتحديدا على إشراك حماس والجهاد، لاسيما أن مجريات الأحداث تشير وتدلل على هذا المنحى.
أما الغول فيقول " ربما يوجد عدم رضا لإعادة تفعيل المنظمة وتطوير أدائها ، والمشروع المعادي يريد إنهاء المنظمة ككيان موحد للفلسطينيين وهذا يعني أن الأمر يمس قطاعات الشعب الفلسطيني بالخارج الذي يعد من مسئولية المنظمة، وبالتالي سيتم التعامل مع سلطة تمتد صلاحياتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة فقط.
وشدد الغول على ضرورة تفعيل المنظمة ومعالجتها ليس فقط لتوفير الشراكة ، وإنما كرد على كل المحاولات التي تستهدف تمزيق الشعب الفلسطيني.
جبهة موازية
ودفع إصرار فتح على إبقاء الباب أمام إصلاح منظمة التحرير مغلقا خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس إلى الإعلان في وقت سابق بخطاب ألقاه في قطر عزم حركته بالتعاون مع فصائل فلسطينية أخرى معارضة، على تشكيل هيئة وطنية تكون مرجعية للفلسطينيين في الداخل والخارج.
وفي هذا الصدد يقول البردويل "إذا بقي إصرار فتح على الاستفراد بالمنظمة ورفض الشراكة السياسية، فتلقائيا ستجد فتح ومنظمتها معزولين عن الشعب وخياراته، وهذا بالتأكيد سيولد بديل تلقائي".
ويشير إلى أن البديل لا يحتاج لقرارات، وسينعكس على الأرض بشكل تلقائي، لان كل فعل له رد فعل ، وإذا ما شعر الشعب بأن المنظمة تخون مشروعه الوطني ، وتؤيد مشروع "إسرائيلي" أمريكي عربي انهزامي ، فانه سينهض ليجدد مشروعه من خلال إطار فلسطيني موحد قادر على مواجهة الاحتلال وإعادة حقوقه.
ويعتقد المتخصص في شئون الفصائل د.عدوان أن إيجاد جسم بديل عن المنظمة من الممكن أن يتحقق، ودعا لإيجاده بأسرع وقت، لأنه لا يمكن إجراء أي تعديل على وضعها الحالي إلا بهذه الطريقة، بان تقوم الحركات المتمسكة بالثوابت وعلى رأسها حماس بعمل جسم بديل عن المنظمة، لاسيما إذا أصر القائمون على المنظمة على إدارة ظهرهم لمطالب الفصائل بتفعيل المنظمة.
لكن الناطق باسم الجهاد شهاب، أكد أن حركته ليست مع إيجاد بديلا عن المنظمة خشية تعميق الانقسام ، رغم أنها لا يمكن أن تكون في شكلها الحالي مرجعية تمثل الشعب الفلسطيني.
وأضاف " هناك مستوى من التنسيق بين الفصائل يجب أن يتم رفع مستواه، لمجابهة أي احتكار للقرار الفلسطيني ".
ويؤيد الغول شهاب، فيقول: أي تفكير لخلق إطار موازي للمنظمة ، مغامرة وخطر لأنه بالجوهر سيؤدي لتدمير الهيكل الحالي دون أن يكون إمكانية لوجود إطار جديد يمكن أن يحظى بالاعتراف العربي والدولي، مضيفاً: في حال حدث ذلك سنكون أمام تدمير المنظمة من جهة ، وإبقاء السلطة في الأراضي الفلسطينية وحدها التي تمثل الشعب ، وهنا يكمن الخطر ، والطريق الأنجع لمعالجة الأمر تطوير المنظمة".
ويصف الحوراني الإقدام على تشكيل جسم بديل عن المنظمة بأنه أكبر خطوة خطيرة ستزيد من الانقسام ، وقال "يجب الإصرار على ضرورة وحدة المنظمة، فهي التي ستؤدي لوحدتنا جميعا".
ومع الإجماع على أن تفعيل المنظمة السبيل لإنهاء الانقسام، والحفاظ على الثوابت، ووحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، إلا أن إصرار المستحوذين عليها يحول دون ذلك، ويفتح المجال أمام التنبؤات بما سيفضي إليه ملف منظمة التحرير الشائك.