"لا يغرنكم الديكور والأنوار والألوان في المطاعم، ولا الترحيب الجميل والمعاملة الناعمة، فقد أبلغني أحد أساتذة الطفيليات أنه أجرى دراسة لعينة عشوائية من العاملين فيها فوجد أن 48% منهم مصابون بنوع واحد على الأقل من الطفيليات... كل في بيتك تضمن صحتك"، هذا ما كتبه أستاذ جامعي عبر صفحته على فيسبوك في العاشر من أبريل الماضي.
من هنا وبناء على ملاحظات سابقة في ذات الإطار، انطلقت "الرسالة" في البحث والتدقيق على النظافة الشخصية للعاملين في مجال تقديم الأغذية بقطاع غزة، وجابت عددا من مطاعم القطاع، وحصلت على شهادات حصرية للعاملين فيها، والتقت الجهات التي تقع على عاتقها الرقابة على المواد الغذائية، بهدف الوقوف على كواليس ما يجري داخل مطابخ المطاعم.
انتشار الطفيليات
كانت الساعة تشير إلى الثالثة عصرا يوم الثامن عشر من أبريل، حينما كان يجلس معد التحقيق في أول أيام بحثه بأحد مطاعم غزة -نتتحفظ على ذكر اسمه- يتناول الغداء برفقة زملائه، قبل أن يتفاجأ بريشة دجاج داخل ساندويش الشاورما المعد لزميله.
ذلك الموقف عزز فرضية وجود تقصير في الاهتمام بنظافة الطعام، والقائمين على إعداده.
في اليوم التالي طرقنا مكتب الأستاذ الدكتور عدنان الهندي عميد كلية العلوم الصحية بالجامعة الإسلامية الذي شارك في دراسة عن شيوع الطفيليات المعوية والصفات المتعلقة بالصحة بين المتعاملين بالأغذية في قطاع غزة (عمال المطاعم والكافتيريات).
وهدفت الدراسة المسحية التي نشرت في مجلة بريطانية عام 2012 إلى معرفة مدى انتشار الطفيليات المعوية بين عمال المطاعم، وشملت عينة مكونة من 214 عاملا خلال الفترة الزمنية من أكتوبر 2007 حتى أبريل 2009.
وجمع الباحث عينات براز من أفراد العينة ثم فحصها في مختبرات الجامعة الإسلامية، وتم الأخذ بعين الاعتبار مكان العمل والسكن ومستوى التعليم.
وأظهرت الدراسة التي اطلعت عليها "الرسالة" نسبة انتشار الطفيليات المعوية بين 24.3% من عمال المطاعم، وكان اكثرها الانتميبا هوستيليكا بنسبة 19.2%.
وتراوحت اعمار العمال الذين شملتهم الدراسة ما بين السادسة والعشرين، والسادسة والثلاثين عاما، وتبين أن نسبة كبيرة منهم مصابون بطفيل الجارديا الذي يسبب الإسهال.
بروفيسور: سوء النظافة ينشر الطفيليات ونحتاج لإثبات أن العاملين مصدر العدوى
وكشفت الدراسة أن العمال الذين يسكنون في المدينة أكثر إصابة من سكان المخيمات، عازيا ذلك الى الازدحام الذي ينجم عنه تلوث بشكل أكبر.
وبما أن نسبة انتشار الطفيليات المعوية بين مقدمي الاغذية عالية، اوصى الباحث بضرورة تقديم العاملين فيها لفحص طبي منتظم.
وتعد الطفيليات كائنات اولية لها دورة حياة، اما ان تكون متحوصلة تعيش في الامعاء وتنتقل مع البراز أو تنشطر الى عدة خلايا صغيرة (اوتروفا) وحينها تحدث تقرحات للأمعاء ويصاب المريض بالإسهال والمغص مما يستدعي تناوله مضادا حيويا لتجاوز اعراضها.
وبحسب الدكتور الهندي فإن الطفيليات تنتقل من شخص لآخر في حال لم يهتم المصاب بالنظافة الشخصية خاصة غسل اليدين، لذا يجب الاهتمام بشكل كبير بالنظافة الشخصية للعاملين في تقديم الأغذية.
جولة مفاجئة
تساؤلات كثيرة تركتها الدراسة التي شملت العاملين في تقديم الاغذية، كان أبرزها هل يوجد رقابة دورية من الجهات المختصة على نظافة العاملين؟ وما هي المواصفات التي يجب توفرها في معدي الأطعمة؟ وهل يلتزمون بها؟
طريق تعقب الاجابات استدعى التنسيق مع رشاد عيد رئيس قسم مراقبة الأغذية وتراخيص المهن الصحية ببلدية غزة لمرافقتهم في جولة تفتيشية على مطاعم المدينة والاطلاع على ما يدور داخل مطابخها بشكل مفاجئ دون سابق انذار.
ومع ان اصحاب المطاعم يرون ان ما يدور في المطابخ جزء من اسرار العمل، الا انه في تمام الساعة الواحدة والنصف من ظهر يوم الثلاثاء السابع عشر من يوليو انطلق معد التحقيق مع مندوبي البلدية ومباحث التموين، وتمكن من الاطلاع مباشرة على مطابخ أحد أشهر ستة مطاعم في مدينة غزة.
ودونت "الرسالة" جميع ما رأته والملاحظات الخاصة التي خلصت اليها، حيث ان جميع المطاعم دون استثناء حصلت على ملاحظات المفتشين بطريقة حفظ الاطعمة وعدم تركها خارج الثلاجات لفترة من الزمن، فيما لم تغب الارشادات بضرورة المحافظة على نظافة المكان وتنظيف ارضية المطبخ بشكل مستمر دون انتظار تراكم القمامة عليها.
ومنح طاقم التفتيش جميع المطاعم التي زارها تحويلة لوزارة الصحة لإجراء فحص لعدد من العاملين فيها بشكل مجاني، بينما قدموا اخطارا لمطعم واحد فقط، لعدم التزامه بملاحظات طاقم التفتيش التي اوردها له سابقا، والمتمثلة بضرورة عزل المطبخ عن أي مؤثرات خارجية من المحتمل ان تنقل تلوثا للمكان.
ودقق المفتشون النظر على الاطعمة الموجودة داخل الثلاجات، إذا ما كانت سليمة او اصابها شيء من التلف، وطلبت من ادارة المطعم اتلاف بعض قطع اللحم والسلطات.
ولفت انتباه "معد التحقيق" ان معظم ادارات المطاعم كانت تسبق طاقم التفتيش الى المطبخ فور معرفتها بوجوده في المكان، وتطلب من العاملين فيه ضرورة ارتداء غطاء الرأس والقفازات، وتنظيف المكان.
أصحاب مطاعم: العاملون لا يستجيبون أحيانا لملاحظاتنا على النظافة الشخصية
ومن الملاحظ الاهتمام الكبير لدى ادارة المطاعم بشكل مقدمي الاطعمة (الجرسون) والعاملين في واجهة المحلات حيث تحرص على ظهورهم بالشكل اللائق امام الزبائن، فيما بدا الاهتمام اقل داخل مطابخ المطاعم غير المرئية للمواطنين.
ومن بين ستة مطاعم شملتها الجولة التفتيشية لم يلتزم الا واحد فقط بارتداء جميع العاملين فيه لغطاء الرأس والقفازات سواء في واجهة المطعم او داخل المطبخ.
وأظهرت الجولة الميدانية عدم اهتمام ادارة معظم المطاعم بتنظيف الثلاجات من الخارج وازالة الصدأ عنها، فيما تكدس بداخل احدى الثلاجات (زلال) اسياخ الشاورما أثناء وضعها في الثلاجة.
ولم يرتد القفازات عدد كبير من العاملين على (تسييخ) الشاورما واعداد الوجبات ، ومنح طاقم التفتيش ملاحظة لاحد العاملين في تحضير الدجاج دون قفازات بضرورة تقليم اظافره المتسخة على الفور.
وكان من الواضح عدم وجود لحوم طازجة في معظم المطاعم، واعتمادها على المجمد.
وتفاجأ المفتشون بحجم الاستهتار في نظافة مطبخ أحد المطاعم الشهيرة في مدينة غزة، ووجود عفن على بعض قطع الدجاج، وانسداد في مصارف الصرف الصحي داخل المطبخ، مما استدعى اصدار قرار بإغلاق المطعم من قبل وزارة الاقتصاد في ذات اليوم نظرا لمخالفاته المتكررة.
وتعطي تلك الملاحظات على المطاعم الشهيرة، مؤشرات سلبية لغيرها المتواجدة في مناطق اخرى بعيدة.
مراقبة الأغذية
عقب الانتهاء من الجولة التفتيشية، اطلعت "الرسالة" على اجراءات الترخيص والرقابة التي تتبعها بلدية مدينة غزة التي يقع في نطاقها معظم المطاعم الشهيرة في القطاع.
رشاد عيد رئيس قسم مراقبة الأغذية وتراخيص المهن الصحية بالبلدية قال إن اجراء ترخيص أي حرفة لها علاقة بالأغذية يجب ان يتضمن خضوع العاملين فيها لفحوصات طبية من قبل وزارة الصحة، كشرط لإتمام الترخيص.
بلدية غزة: نشترط فحصا طبيا للعاملين بالمطاعم، وجولاتنا الميدانية يومية
وكشف عيد عن نماذج متعلقة بإجراءات الترخيص وسلامة العاملين، والملاحظات التي يقدمها طاقم التفتيش للقائمين على المنشآت الغذائية، من بينها ايقاف أحد العاملين في المخابز عن العمل بسبب وجود جروح وبثور في يديه، وعدم استخدامه لقفازات الايدي.
وأكد على أن طواقم التفتيش الدورية تهتم بمتابعة النظافة الشخصية للعاملين المتمثلة في تقليم الاظافر ونظافة الشعر، وخلوهم من الامراض الجلدية، وأضاف "إذا ظهرت على العاملين بعض العلامات مثل صفار بالوجه او ما شابه، نوقف الموظف عن العمل ويحول لوزارة الصحة للفحوصات الطبية، وفي حال تبين انه يعاني من أي مرض يوقف لحين انتهاء علاجه".
رئيس قسم مراقبة الاغذية اعترف بوجود بعض المعيقات أبرزها أن الفحص الطبي الذي يمنح للعاملين عند الترخيص او تجديده يبقى ساري المفعول لمدة عام، لكنه من الممكن ان يستبدل صاحب المنشأة عددا كبيرا من العمال بعد شهرين فقط، وقال " نحاول السيطرة على الامر من خلال منحهم نموذج الفحص الطبي، الا انه توجد ثغرة تحتاج لضبط من جهات اخرى مختصة".
ونوه الى ان مخالفات النظافة الشخصية يتم معالجتها في المكان على الفور، اما إذا كان الامر يتعلق بنظافة المكان، فنمنح صاحب المنشأة اخطارا لمعالجة المشكلة خلال 48 ساعة، وفي حال لم يلتزم يحول لمحكمة البلدية.
حلقات المتابعة
حملت "الرسالة" أوراق البحث وانتقلت الى مكتب مدير مباحث التموين المقدم محمود المعصوابي. وتعد هذه المباحث إحدى حلقات التفتيش على الاغذية ويتابع قسم الامن الغذائي فيها المنشآت الغذائية من خلال جولات التفتيش اليومية.
ويشير المعصوابي الى أن ملاحظات النظافة الشخصية يتم تجاوزها بشكل لحظي خلال الجولات، حيث لا يسمح لأي مخالف بالاستمرار في العمل دون الاخذ بإرشادات طاقم التفتيش.
وقال " نتطلع الى النظافة الشخصية للعامل، والتزامه بارتداء "المريول"، والقفازات، وغطاء للرأس، ونشترط على العاملين في بعض المصانع ارتداء كمامات، كي لا يتعرض العامل للأذى، ولا ينتقل الميكروب للمواطن".
ونوه إلى أن عددا من العاملين في الأغذية لا يلتزمون بملاحظات النظافة الشخصية اثناء غياب طواقم التفتيش، مما اضطرهم ليلة عيد الفطر الماضي لإغلاق أحد المصانع لأنه لا يحتوي على أدنى متطلبات النظافة، فيما كانت مقومات السلامة الصحية للعاملين معدومة.
مباحث التموين: لا يسمح لأي مخالف الاستمرار في العمل دون الأخذ بإرشادات المفتشين
وأوضح مدير مباحث التموين أن المصانع والمطاعم الكبيرة غالبا تأخذ اجراءات سليمة وفق الاصول، بينما أغلب المخالفات تكون في المطاعم الشعبية والمصانع الصغيرة، لان بعضها يعتمد على امكانات بسيطة، وغير مرخص.
ويتوافق ما قاله المعصوابي مع ملاحظات معد التحقيق الخاصة بضعف متابعة المطاعم الشعبية التي تبيع الفول والفلافل والكبدة وغيرها، مع انها عرضة أكثر لنقل التلوث خاصة عندما يكون ذات الشخص يعد الطعام ويتقاضى ثمنه من الزبائن، مما يزيد من فرصة انتقال الطفيليات.
وكشف المعصوابي عن توجه لدى مباحث التموين بتحويل المخالفين للنيابة العامة واغلاق المنشآت بشكل نهائي، في حال تكررت المخالفات.
وتستكمل حلقات التفتيش على المنشآت الغذائية من خلال دائرة الطب الوقائي بوزارة الصحة التي تراقب المنتجات الى جانب اجراء الفحوصات الطبية الخاصة بالعاملين.
ويقول المهندس محمود حميد نائب مدير الطب الوقائي لمراقبة الاغذية أن فحص العاملين بالأغذية يشمل فحص البراز لاكتشاف الطفيليات، وعمل مزرعة بول، وأخرى لمسحة الحلق، ويضاف فحص أشعة صدر للعاملين في المقاصف والمطاعم.
وبحسب حميد فانه من المفترض ان يلتزم جميع القائمين على المنشآت الغذائية بتجديد الفحص السنوي للعاملين لديهم، الا أن مقاصف المدارس أكثر الفئات التزاما لأن عقدهم يجدد سنويا.
الطب الوقائي: تختلف جودة الأداء من مطعم لآخر، ويوجد حد أدنى من أساسيات النظافة
وشدد على أن صحة العاملين ليست مجرد فحص طبي فقط، وانما سلوك صحي كامل، لذا يحثونهم على ارتداء القبعات، وعدم وجود بثور في الجسد، وعدم حك الجسد بأيديهم اثناء العمل وغيره.
وأضاف " يوجد اختلاف بجودة الاداء من مطعم لآخر، لكن يجب ان يكون في أي منها الحد الادنى من الاساسيات العامة للنظافة.
من الجدير بالذكر ان النظافة الشخصية والتدقيق عليها من قبل الجهات المختصة يختلف من منطقة لأخرى، حسبما كشفت مصادر خاصة للرسالة التي تتحفظ على ذكر تلك المناطق.
خلف الكواليس
بدا التذمر واضحا من اصحاب المطاعم بسبب تقصير العاملين أنفسهم في الاهتمام بمظهرهم ونظافتهم الشخصية، اذ اشتكى عدد منهم من تصرفات العاملين رغم مراقبتهم الدائمة للعمل والطلب منهم ارتداء القفازات وغطاء الرأس.
وبذل معد التحقيق الجهد الاكبر في تحديد مواعيد مقابلات مع العاملين في المطاعم، الذين اضطروا لتغيير الموعد أكثر من مرة، بسبب طبيعة عملهم حيث يقضون اكثر من 12 ساعة في الدوام حسب قولهم، واحيانا يعودون لمنازلهم بعد الثانية عشر ليلا.
وتمكنت "الرسالة" من الالتقاء بعدد من العاملين في المطاعم الذين تحدثوا عن اسرار وكواليس ما يجري داخل مطابخ المطاعم البعيدة عن أعين الزبائن، وذلك بعدما اشترطوا عدم ذكر اسمائهم -لكنها تحتفظ بتسجيلات موثقة لشهاداتهم-.
(ف. ف) مقدم طعام (جرسون) عمل في ثلاثة مطاعم شهيرة في مدينة غزة، قال "ادارة المطعم تهتم بشكل كبير في شكل مقدم الاطعمة، والشكل الاخراجي للوجبة أكثر من المطبخ، وان كان هناك اهتمام ايضا".
مقدمو أغذية: كيف لمن يعمل 12 ساعة متواصلة أن يهتم بكل تفاصيل النظافة؟
ولفت الى أن هناك موظف اداريا يفتش يوميا على مظهر مقدم الاطعمة، وتصفيف شعره ووضعه كريمات شعر، وكذلك حلاقة لحيته، ونظافة الحذاء والملبس، وقص الاظافر، حتى ان من يرى صاحب المطعم أن شكله "غير لائق" لا يمنح فرصة لتقديم الخدمة.
ويشير (ف.ف) أن المطاعم المشهورة التي عمل بها تدقق وتهتم بنظافة المطبخ والعاملين فيه، وان كان بشكل اقل من مقدمي الاغذية، لكنه لم يخف وجود تجاوزات في بعض الاحيان.
وأضاف " ينوه صاحب المطعم على العاملين في المطبخ أن يرتدوا غطاء الرأس والزي الخاص بهم، لكنه يشدد على ألا تخرج أي وجبة للزبائن دون "التشييك" على شكلها".
ويتلقى مقدمو الأطعمة احيانا ملاحظات من الزبائن مثل قلة الملح على الطعام، او انه ليس مطهوا جيدا، لكن (ف. ف) كشف عن تراجع كبير في جودة الطعام خلال الاعياد والمناسبات، وقال " الاهتمام في اعداد الوجبات يتراجع 50% مقارنة بالأيام العادية، سواء في الوقت الذي تحتاجه الوجبة ولم تأخذ حقها بالطهي، او الشكل الاخراجي لها".
وأفصح عن أن بعض المطاعم تُسوق الاطعمة التي بدأت تتلف بسبب انقطاع التيار الكهربائي او سوء التخزين، خلال الأعياد والمناسبات.
ونوه مقدم الاطعمة بأن التنافس بين المطاعم دفع اصحابها للاهتمام بالشكل تحت شعار (العين اللي بتاكل)، ولذلك تولي الادارة اهتماما في الامر، والرقابة على العاملين لاسيما ان جولات البلدية ومباحث التموين دورية مما زاد من اهتمامهم.
وكشف (ف. ف) في نهاية حديثه انه يعمل في المطاعم منذ ستة عشر عاما، لم يخضع لاي فحص طبي خلالها الا مرة واحدة فقط، ومطلوب منه حاليا اجراء فحص مرة اخرى في عيادة الرمال التابعة لوزارة الصحة.
12 ساعة عمل
حديث مقدم الخدمة عن عدم خضوعه للفحوصات الطبية بشكل دوري، توافق مع (ي.خ) الذي التقاه معد التحقيق، وقال انه عمل بأربعة مطاعم بمدينة غزة خلال سبعة سنوات، ولم يجر أي فحص طوال تلك المدة.
وكرر تأكيده على ان ادارة المطعم تولي اهتماما بمظهر مقدم الخدمة وشكل الوجبة أكثر، لكن لا يلتزم جميع العاملين في المطابخ بارتداء القفازات وغطاء الرأس.
وأوضح انه احيانا تشدد ادارة المطعم على العاملين في المطبخ بضرورة ارتداء الزي، لكن بعد فترة وجيزة تتقاعس في هذا الجانب.
ورغم تأكيد مقدم الاطعمة على اهتمام المطاعم بالوجبات واخراجها، الا أنه اعترف ان بعضها يسرع في تقديم اللحوم التي بدأت تفسد (روحنت) للزبائن، وذلك كي لا يتعرضوا لخسارة في حال كانت الكميات كبيرة.
ويرد على اتهام ادارات المطاعم بان التقصير يعود للعاملين في المطابخ بالقول " انظروا للعامل داخل المطعم وحقوقه، هو بمثابة سجين لكن يزوره ناس كثير خلال اليوم، حقوقه غائبة، دوامه يبدأ من العاشرة صباحا، وأحيانا يمتد الى الثانية ليلا خاصة في نهاية الاسبوع والاعياد".
وأكد على انه في ظل دوام يصل الى خمسة عشر ساعة يوميا، وضغط هائل على العامل فانه لا يمكنه ان ينجز عمله بأحسن حال.
ونوه مقدم الاطعمة بأن اجرة العاملين في المطاعم اليومية تتراوح ما بين ثلاثين الى خمسين شيقلا فقط (10$)، ويقول " العاملون يبتسمون قسرا للجمهور، وبداخلهم مكتئبين، لا ينامون الا ساعات محدودة، وطيلة النهار واقفين دون راحة، وفي حال قرروا الحصول على اجازة تكون بدون راتب".
وينهي حديثه بالقول " العامل يتعرض للإهانة وضغط كبير، وفي حال طالب بحقوقه يرفض فورا، فكيف تريدون منه تقديم أفضل ما لديه؟".
وتحدد المادة 68 من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 للعام 2000، ساعات العمل الفعلي في الاسبوع بخمس واربعين ساعة.
وتنص المادة 70 من ذات القانون على وجوب الا يعمل العامل اكثر من خمس ساعات متصلة، بينما يجوز لطرفي الانتاج حسب المادة 71 الاتفاق على ساعات عمل إضافية لا تتجاوز اثنتي عشرة ساعة في الأسبوع، يدفع للعامل أجر ساعة ونصف عن كل ساعة عمل إضافية.
رسوب العينة
أوصلت طريق البحث "الرسالة" الى دراسة رسالة ماجستير تحت عنوان "الجودة البكتيرية لسَلطة الخضار الطازجة في مقاصف المدارس والمطاعم في قطاع غزة" اجرتها الباحثة سامية ابو عودة في العام 2014.
وشملت الدراسة 200 عينة عشوائية من مختلف أنواع سَلطة الخضار الطازجة المباعة في مقاصف المدارس الحكومية ووكالة الغوث (100 عينة) والمطاعم في محافظات الوسطى وخانيونس ورفح (100عينة).
دراسة: نسبة الفشل في عينات سَلطة الخضار في المقاصف والمطاعم 88%
وكانت أهم نتائج الدراسة أن نسبة الفشل الكلي في عينات سَلطة الخضار المباعة في المقاصف المدرسية والمطاعم في قطاع غزة 88% أي 176 عينة من أصل 200 لأنها تحتوي نسبا مرتفعة من انواع البكتيريا المذكورة. (ملاحظة هناك حد مسموح وجوده في الخضار لبعض انواع البكتيريا ولكن هناك انواع لا يجوز وجود حتى خلية واحدة منها مثل بكتيريا السالمونيلا او الشيجلا او اشريشياكوليO157:H7 لأن وجودها يسبب المرض).
وتعيد الدراسة التلوث الى عدة اسباب، منها أن انتقاله من معدي السلطة "العاملين بالمطاعم" نتيجة عدم غسل ايديهم جيدا، وعدم لبس القفازات.
ومن المحتمل ان ينتقل التلوث من الادوات المستخدمة في اعداد السلطة: مثل السكين المستخدمة للقطع قد تكون ملوثة بالبكتيريا فتنقلها للخضار، او لوحة التقطيع غير النظيفة او التي تحتوي خدوشا يصعب تنظيفها مما يبقي البكتيريا خلالها او على سطحها، وربما في الاوعية "الصحون" التي توضع فيها الخضار.
وأوصت الدراسة بتعزيز الممارسات الصحية الجيدة بين مقدمي الخدمات الغذائية، والتي تتمثل في نظافة المكان المستخدم لإعداد الوجبات، ونظافة العامل وغسل يديه ولبس القفازات، الى جانب الغسل الجيد للخضار، ونظافة لوحة التقطيع والسكين (يجب استخدام لوح تقطيع خاص للخضار غير اللوح المستخدم لتقطيع اللحوم).
وفي ذات السياق يقول الدكتور عدنان الهندي عميد كلية العلوم الصحية بالجامعة الاسلامية أن انتشار الطفيليات متعلق بالنظافة، وهذا يجعلنا نتساءل: هل تكون ايدي العاملين نظيفة عند اعداد الطعام؟
لكنه نوه إلى أنهم لا يستطيعون تحديد مصدر العدوى المباشر، مع أن سوء النظافة يؤدي لانتشار الطفيليات التي تنتقل عن طريق الطعام والشراب حسب المتعارف عليه".
وأوضح أننا بحاجة لدراسات اخرى لتثبت إذا ما كان الحاملون للمرض من العاملين في المطاعم هم مصدر نقل العدوى من خلال الطعام أم لا.
عدة أشهر انقضت من المتابعة والتدقيق في ملف النظافة الشخصية للعاملين في المطاعم، جابت "الرسالة" خلالها عددا منها، والتقت العاملين فيها والقائمين على متابعتها، لتنهي تحقيقها بالخلاصة "انتقوا جيدا المطاعم التي تترددون عليها، ولا يغرنكم الشكل الخارجي فليس كل ما يلمع ذهبا".