يفتح قانون حظر رفع الأذان عبر مكبرات الصوت الباب على مصراعيه أمام مواجهة حتمية بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني. فالمواجهة باتت حتمية لأن القانون يعد مسا مباشرا بمعتقدات الفلسطينيين الدينية ومجرد مناقشته تعد إهانة لمشاعرهم، فضلا عن أنه يمثل اختبارا لمدى استعدادهم للاستنفار دفاعا عن منطلقاتهم الدينية وهويتهم الوطنية والحضارية.
إن تأجيل عرض القانون على البرلمان من أجل تعديله بحيث لا يتم تطبيقه لإعلان دخول حرمة السبت من خلال استخدام البوق في المدن التي يقطنها اليهود الحريديم يدلل على طابعه العنصري. فحسب هذا المنطق يحق لـ "المتدينين" اليهود استخدام البوق كشعيرة دينية، بينما يحظر استخدام مكبرات الصوت في رفع الأذان.
نتنياهو الذي تحمس للمشروع يرى فيه وسيلة لمغازلة قواعد اليمين الصهيوني بعدما تعاظمت التسريبات في وسائل الإعلام الصهيونية التي تربطه بعدد من قضايا الفساد وبعدما تبين التأثير الطاغي لزوجته سارة على دائرة الحكم بشكل أثار انتقادات واسعة. من هنا، فإن التغطية على هذه الواقع يتطلب فرض أجندة جديدة على الرأي العام الصهيوني من خلال طرح هذا القانون الذي يلاقي استحسان قطاعات واسعة من الجمهور الصهيوني وبكل تأكيد جمهور اليمين الذي يمثل الأغلبية الساحقة من هذا الجمهور.
لكن سرعان ما سيتبين أن نتنياهو أقدم على خطأ فادح وأقدم على مغامرة غير محسوبة، لأن تمرير القانون والشروع في تطبيقه سيفضي إلى إعادة صياغة محددات الصراع مع الكيان الصهيوني ليكون مجرد حرب دينية بكل ما تعني الكلمة.
ما فات نتنياهو هو حقيقة أن توقيت طرح القانون يمثل بحد ذاته أحد أهم مركبات تأجيج الصراع. فسن القانون يأتي في ظل توفر كل الظروف التي تضمن تفجر الأوضاع الأمنية وانطلاق موجة جديدة من انتفاضة القدس.
ونظرا لأن القانون يستهدف الفلسطينيين المسلمين سواء من فلسطينيي الداخل والقدس ومدن الضفة الغربية التي تجاورها مستوطنات يهودية، فإن هذا يعني الدفع بقطاعات واسعة من الجمهور الفلسطيني إلى المواجهة الحتمية. إن استنفار الفلسطينيين للمواجهة التي توشك أن تندلع لن يقتصر على ذوي الميول الإسلامية بل سيتجاوز كل الأطر الأيدلوجية والحزبية والاجتماعية لأن القرار موجه بشكل خاص ضد الهوية الجمعية للفلسطينيين. فأية محاولة لفرض القانون تعني خروج الناس لإحباط التنفيذ، مما يفتح باب المواجهة على مصراعيها ويضمن تطويرها، لأن سقوط قتلى وجرحى وحدوث اعتقالات على خلفية هذه المواجهات سيمثل بحد ذاته مسوغا لتأجيج الانتفاضة.
في الوقت ذاته، فإن تطبيق القانون سيؤثر بشكل غير مسبوق على طابع العلاقة بين الكيان الصهيوني وفلسطينيي الداخل، كما سيؤثر على طابع العلاقة بين هؤلاء الفلسطينيين ومجمل المستوطنين الصهاينة الذين يضطرون للاحتكاك بهم يوميا. ومما لا شك فيه أن المخاطرة بفتح مواجهة مع هؤلاء الفلسطينيين الذين يعرفون على أنهم "مواطنون إسرائيليون" سيوسع من فضاء تأثير القرار وسيزيد من فرص الاحتكاكات مع الكيان المحتل، مما يولد تحديات أمنية بالغة التعقيد.
ومما لا شك فيه أن تزامن سن القانون وتطبيقه المتوقع مع بدء الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مقاليد الأمور في واشنطن سيمثل بحد ذاته مسوغا للتصعيد. فالأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو تعتبر أن فوز ترامب يعني إضفاء الشرعية على كل مشاريع الاستيطان والتهويد وحسم مصير الأرض الفلسطينية. من هنا، فإن تطبيق القانون سيمثل عاملا إضافيا لتحسين فرص تفجير الأوضاع.
لا يدلل حماس نتنياهو لمشروع حظر رفع الأذان على حكمة سياسية وبعد نظر استراتيجي بقدر ما يشي بوضاعة الأجندة التي يتبناها هذا السياسي الصغير، الذي أعمته عنصريته وتعصبه وحساباته الشخصية.
وسرعان ما يتبين أن الكيان الصهيوني سيدفع فاتورة باهظة جدا في حال أصر على تنفيذ القانون. وستبقى مآذن فلسطين تصدح بهذا النداء الخالد شاء الصهاينة أم أبوا.
لا حاجة للقول إن مجرد طرح القانون ينسف مزاعم رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو الذي يدعي دائما بأن كيانه يضمن حق غير اليهود في أداء الشعائر الدينية.