قائد الطوفان قائد الطوفان

خداع الأشقاء وصل حد الابتزاز والقتل بدعوى الشرف!

حظ الأنثى في الميراث تهدره مماطلة المحاكم وغياب قانون يجرّم خداعها

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

غزة-أمل حبيب

"بكفيني دخلتو عليا بالعيد" رددتها بعد أن دعاها شقيقها _آخر العنقود_ على دجاجة مشوية سرعان ما مد بعدها ورقة بيضاء كقلبها الذي خشي أن ينكسر لو طالبت بميراثها من أشقائها.

لم تدرك فوزية_اسم مستعار_ أن تلك الدجاجة كانت آخر ما ستتقاسمه مع أخيها دون أن يقاسمها تركة والدها بمئات الدونمات من الأراضي، بعد أن استغل أميتها وجعلها تبصم على تنازلها الكامل وغادر البلاد دون عودة!.

لم تكن حالة فوزية هي الوحيدة التي أرهقت "الرسالة" بتفاصيلها الدقيقة كخداع الأخ لشقيقته الوحيدة المسنة والتي تحفظت عن الحديث بحقها خوفًا من أن تبقى وحيدة دون عزوة!

فوزية كانت أفضل الضحايا التي خدعت بنصيبها، فلم تزهق روحها بحجة الشرف، ولم يتم ابتزازها مقابل الموافقة على تزويجها، ولم يلق بها ذووها في ملجأ للأيتام خوفًا من مطالبتها بالميراث.

الصلح العشائري: لا نجبر أحد على التنازل عن حقه والمحاكم بحاجة لقضاة! 

تعددت أساليب حرمان المرأة لميراثها الشرعي بحسب ما وصلت إليه "الرسالة" بعد أن عايشت تفاصيل غُيّبت لأن الحديث فيها يظهر بشاعة إنسان قرر أن ينتزع حقوق غيره بطرق غير مشروعة، لاسيما في ظل غياب قانون يجرم الخداع، وليس انتهاءً بمماطلة المحاكم والتي تزيد الطين بلة!

استثناء من حصر الارث!

كثيرات كن أقوى من "فوزية" ولجأن إلى الطرق المشروعة لاستيراد الحقوق عن طريق رفع قضية بالمحاكم بعد التحاق العديد منهن بمشاريع لتوعية المرأة بضرورة المطالبة بالميراث، إلا أن رؤوسهن اشتعلت شيبًا قبل أن يستلموا "قرشًا" لمماطلة إجراءات القضاء وفق ما وثقته "الرسالة" خلال مقابلاتها بعدة أطراف!     

منزلان يعودان لوالد أم عمار، المتوفى منذ عشر سنوات، أحدهما يقوم أشقاؤها بتأجيره وتقسيم مال الايجار عليهم دون إعطائها شيكلا واحدا رغم علمهم بوضعها الاقتصادي الصعب!.

لم تكن تنوي أم عمار اللجوء للمحاكم والوقوف هناك أمام أخوتها الذين خدعوها بعد أن باعوا المنزلين في حين وضعوا حول معصمها "إسوارة" ذهب لا يتجاوز ثمنها 200 دينار!.

أول خطوة قامت بها هو طرق أبواب رجال الإصلاح في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، حيث تقيم هناك مع زوجها وأبناؤها، فما كان منهم إلا أن رددوا على مسمعها: "الي بقاضيك بعاديك .. ما تخسري عزوتك بالمحاكم".

500 دينار لا غير كان مبلغ إسكاتها الذي اتفق عليه الإخوة مع المختار، إلا أنها سرعان ما أرجعته لهم، كما توقفت عن زيارة المحكمة ومتابعة قضية حصر الإرث التي غيبوها عنها، في حين لخصت حالة الخداع التي وقعت عليها بورقة رسمية وثقتها بقولها: "لن آخذ منكم هذا المبلغ وليشهد الله أني لن أسامحكم على حرماني من حقي".      

القضاء الشرعي: نحصر الإرث والاستحقاقات المالية والخداع لدى المحاكم النظامية

ماتت علاقة أم عمار بإخوتها كما ماتت قضيتها في أروقة المحاكم بعد مماطلة الإجراءات التي دفعتها للجلوس في البيت لعلاج آلام قدميها وظهرها بعد أن تجاوزت الستين.

وتتنوع أساليب حرمان المرأة ميراثها حيث تتم عبر التوقيع على أوراق قانونية لا تدرك المرأة محتواها وآثارها، أو عبر استثنائهن من حصر الإرث -كما حصل مع حالة أم عمار- وفق دراسة بحثية جديدة أعدها مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي" بالشراكة مع "جمعية الشبان المسيحية" و"مركز شئون المرأة" ضمن "مشروع الحق في الميراث2".      

وهو ما أكدته المحامية الشرعية سهير البابا التي ركزت خلال حديثها مع "الرسالة" على ضرورة وجود نص صريح يجرم حالات الخداع والاحتيال التي تمارس ضد المرأة لحرمانها من الميراث، وقالت: "رغم وجود مواد قانونية تحدد الحصص الإرثية بشكل واضح ضمن التشريعات السارية بالقطاع، إلا أننا بحاجة لوجود التشريع الإجرائي يضمن وصول النساء لحقوقهن الارثية".

المعيقات القانونية في مسألة الميراث وضعتنا في صورتها المحامية البابا والتي نبهت بأن ميراث المرأة وحرمانها منه من القضايا الأكثر تعقيدا في قطاع غزة.

وأكدت على غياب قوة الردع القانوني التي من خلالها ستوجد عقوبات مشددة لمن يحرمها من الميراث، مشيرة الى أن العديد من الحالات التي يتم التحايل تتم عن طريقة امضائها على ورقة تنازل.

طول إجراءات المحاكم وتعقيد الإجراءات القانونية في حصر الإرث وفرز الممتلكات والأراضي الارثية وارتفاع رسوم المحاكم من العوامل المجتمعة من وجهة نظر البابا التي تقلل لجوء المرأة الى المحاكم.

إصلاح وبلاش مشاكل!

"بهمش ارضي بالقليل ولا تخسري الكثير" همس في أذنيها "مختار" عائلتها وهو يرتب على كتفيها للموافقة على أي مبلغ يقرره شقيق أم نعمان لها ولشقيقاتها الأربعة.

قانوني: مماطلة إجراءات المحاكم النظامية بحاجة لإعادة النظر

وجهاء المدينة ورجال الإصلاح هي المحطة الأولى التي تلجأ لها المرأة لإنصافها وإعادة الحق لها، إلا أن أغلب الحالات التي وصلت "الرسالة" كان رجال الإصلاح فيها يحاولون إرضاء الوريثة بالقليل حتى لا تفقد عزوتها.      

علاء الدين العكلوك ممثل رجال الإصلاح في المشروع الوطني لتعزيز القيم رد على ذلك بالقول :"البعض يلوم على رجال الإصلاح، الا أن التعميم في هذا الأمر غير منصف، فلا نجبر أحد على أن يتنازل عن حقه إلا بكامل إرادته"، وأضاف:" نقف مع المرأة في أخذ حقها الشرعي برضى ودون ضغط أو إكراه من أحد بالخصوص". وأكد أنهم في المشروع الوطني لتعزيز القيم يعيبون مثل هذه الأفعال لبعض الوجهاء.

وعن صور التحايل في قضايا الميراث التي تعامل معها رجل الإصلاح، أوضح العكلوك أنه يتم تقسيم الأرض نظام أمتار مواريث، حيث يتم حجب المرأة عن حقها بطريقة ملتوية، مشيرًا إلى أنها تعتبر قسمة ضرر.

"بدك تطالبي بنصيبك لا أنا اخوك ولا بعرفك وكوني على يقين بأني لن أدخل عليك بيتك ولن اشاركك أفراحك"، هي من أكثر الحالات تعامل معها العكلوك والتي تحرم من خلالها المرأة، منبهًا إلى أن العلاقة مع ذويها تصبح غير حميدة لو توجهت للقضاء.

وقال العكلوك: "لو رفعت قضية نجد ان المرأة المعنية تتنظر سنين طويلة حتى تأخذ حقها الشرعي وربما لا تحصل عليه"، وعن سبب ذلك رد بالقول:" طول المدة في المحاكم نظرًا لتكدس القضايا وقلة القضاة، تحتاج المحاكم إلى إفراز قضاة مخصصين من أجل البت في مثل هذه القضايا".

خط أحمر!

"أعوذ بالله أحكي بالموضوع .. هذا خط أحمر" استهجنت الأربعينية نهى _اسم مستعار_ سؤال احدى المقربات منها "لماذا لا تطلبي حصتك من تركة والدك؟" لاسيما بعد تضرر منزلها في الحرب الأخيرة على غزة واستشهاد عدد من أفراد أسرتها وتردي وضعها الاقتصادي، الا أنها خشيت المطالبة بميراثها خوفًا من قطيعة أهلها لها.

وتواجه النساء معيقات اجتماعية ناتجة عن نظرة "العيب" لأنها تفكر بالعاطفة، بينما يفكر شقيقها أو من منع عنها ميراثها بحيل لسلبها إياه، بحسب هداية شمعون منسقة برنامج الأبحاث والمعلومات في مركز شؤون المرأة.

القضاء النظامي: نحارب المماطلة والتأخير له أسبابه

ووفق إحصائية لبرنامج الأبحاث والمعلومات في مركز شؤون المرأة، فإن 42% من عينة دراسة لـ 370 امرأة أكدت على أن الخوف من خسارة العلاقة مع الأهل كانت السبب الرئيسي الذي منعهن من التوجه لأي مساندة للحصول على حقها في الميراث، في حين اعتبرت 26% أن المطالبة بالميراث يدخلهن في دائرة العيب والخجل مما سيقوله عنها أفراد المجتمع والمحيطين بها ان رفعت قضية على أهلها في المحاكم.  

وفي السياق أوضحت الباحثة بأن الأمر تحسن بشكل ملموس فيما يخص مطالبة المرأة لحقوقها مقارنة بسنوات العمل الأولى ضمن المشاريع التي تضمنت زيارات ميدانية طردت خلالها الباحثات والاستشاريات من منازل المحرومات من الميراث خوفًا من خسارة الأهل.

تخجيل!

أما نظام "التخجيل" والذي بات متبعًا بشكل كبير وفقًا للدراسة البحثية، عايشت تفاصيله المسنة أم عامر والتي كانت تنتظر أن يأتي اليوم ليعطيها شقيقها مستثمر العقارات شيئًا من نصيبها لاسيما بعد أن بصمها قبل خمسة عشر عامًا على ورقة قال لها بانها تثبت حقها ونصيبها من الممتلكات دون علمها بأنهم حصروا الإرث دونها بحجة عدم تمكنهم من بيع الممتلكات!.       

10 آلاف دينار لا غير، وضعها شقيقها في يدها من حصتها في مئات الدونمات والعقارات، وطبطب على كتفها، وقال قبل أن يغلق الباب مغادرًا :"خدي يختي عيشي فيهم، وقبل أن تتساءل عن باقي حقها، أحرجها مجيبًا :" ما انت حقك اخدتيه زمان".

لم يلجأ عدد كبير من الحالات إلى القضاء بسبب ثقافة "العيب" التي لم تغب نهائيًا عن مشهد الميراث، إلا أن "الرسالة" أخذت موعدًا لمقابلة رئيس القضاء الشرعي بغزة حسن الجوجو لتضع ملفات التقصير ومماطلة القضاء على مكتبه.

الجوجو أكد بدوره أن القضية لديهم بسيطة لأنها لا تتعلق بموضوع المال غالبًا، انما تتعلق بتقديم طلب لتسجيل حجة حصر إرث وهو إجراء إداري. 

أما فيما يتعلق بنكران الاخوة لحق ثابت في الحصة لشقيقتهم أو لأحد الورثة، قال :"يتم التعامل معه في المحاكم النظامية وليس للمحاكم الشرعية صلاحية بنظرها"، وتابع :"نحن نأصل لهذا الحق ونحصر التركة، لكن الاستحقاقات المالية تتابع في المحاكم النظامية أو عند لجان التحكيم التابعة للجان الإصلاح".

وعن طبيعة دور المحاكم الشرعية بين بأنه يوصل لهذه الحقوق بقضية توزيع السهام الارثية بين الورثة بمعنى أن الذي يتقدم لاستخراج حجة حصر ارث لابد أن يستوفي جميع الأوراق والمستندات المطلوبة من شهادة مختار تثبت أن هذا الميت توفاه الله مع ذكر العام وانحصر ارثه الشرعي والانتقالي في فلان وفلان.

كذلك شهادة الوفاة مصدقة وموقعة حسب الأصول، والاستدعاء من صاحب العلاقة والأصل أن يكون وارثا بالأصالة أو أن يكون وكيلًا عن وارث، فبالتالي تتحقق المحكمة الشرعية وتدقق في هذه البيانات فإن رأتها صحيحة تقبلها شكلًا وبعد ذلك تستدعي شهودا، بحسب الجوجو.

وفي المحكمة الشرعية تكتمل الإجراءات بشهادة كل واحد منهما على حدة بصحة هذه المعلومات تحسبًا لنسيان وارث أو وارثة، أو تحسبًا لعدم العمل بالوصية الواجبة الموجودة.

ونبه القاضي الجوجو بأن هناك أمرا يجهله الناس وهو أن يقوم أحد الورثة بالمطالبة بحصر ميراث المتوفى عبر دعوى قضائية تسمى "حصر تركة".   

ويبدو بأن المشكلة لا تكمن في عدم ذكر وارث أو وارثة، وانما تكمن في عدم إعطاء النصيب الارثي كما أوضح الجوجو خلال حديثه لمراسلة "الرسالة" معتبرًا ذلك مشكلة وليست ظاهرة.

وحينما وضعنا على طاولته بعض الحالات التي لم يشملها حصر الإرث كحكاية ام عامر اعتبر الجوجو ان تعذر بيع الممتلكات كعمارة أو بناية فيها الاخوة، لا يكون ذلك مانعًا من تثبيت الحق والاعتراف به عن طريق توثيقه بالأوراق الرسمية لحين بيع الممتلكات والتوزيع.

وعن قضية التخجيل والتبخيس كأن يقول أحد الورثة لشقيقته:" بدك رجال ولا مال" قال الجوجو: "ما أخذ بالحياء فهو حرام، لا يكون التنازل الا برضى كامل، أما رضى فيه ضغط واكراه فهو حرام شرعًا".

انتزعوا الروح والسمعة!

لم تشفع صرخاتها وتوسلاتها لعمها الأكبر الذي انتزع روحها والسمعة كذلك في ليلة واحدة ! 

رغبته في الاستحواذ على ثروة شقيقه التي تركها لابنته الوحيدة، دفعته للتفكير بشكل غير إنساني فقتلها بحجة الشرف!.

محامية شرعية: بحاجة لوجود نص صريح يجرم حالات الخداع والاحتيال في الميراث

تفاصيل الجريمة التي شهدها شمال القطاع تشابهت مع حالة العنف التي تعرضت لها "سمية", الا أن العناية الالهية حالت دون قتلها , بعد أن هربت الى بيت الجيران قبل أن يضعها أعمامها في ملجأ للأيتام بعد وفاة والديها بحادث سير.

فتحنا عين الدهشة خلال حديث منسقة برنامج الأبحاث والمعلومات في مركز شؤون المرأة هداية شمعون "للرسالة"، وهي تعرض عدد من الحالات التي وصل الحال بذويهن إلى قتل سمعة الفتاة وسيرتها باتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة.

وتقول شمعون: "لا يقتصر الأمر على خداع المرأة بنصيبها أو حرمانها منه بطرق مختلفة بل وصل إلى أقسى درجات العنف وهو القتل مرتين، الأولى بعد أن انتزعوا الروح والثانية حين قتلوا سمعة المرأة بعد الممات بذريعة الشرف".

النماذج التي تعامل معها مركز شؤون المرأة بغزة طيلة ست سنوات لم يغيب عنها سمة الخداع والابتزاز، وذلك من خلال الضغط على الفتاة بحرمانها من الزواج إذا لم تتنازل عن الميراث.

وبين الأرض أو الزواج كان ابتزاز الأشقاء شكل آخر لحرمان المرأة لميراثها، وكان الخيار صعبًا على الشقيقات الأربعة، إلا أنهن اجتمعن وقررن عدم التنازل عن الأرض، فحرموا من تكوين عائلة لأجل الميراث.

تفاصيل الظلم لأربعة شقيقات في محافظة دير البلح وسط القطاع عايشتها "الرسالة" بعد أن وصل الحال بإحدى أكبر العائلات بحرمان بناتهن من الزواج بعد رفضهن التنازل عن نصيبهن بأراضي والدهن المتوفى.   

"مديحة" الابنة الأكبر سنًا حرمت من أن تسمع كلمة "ماما" بعد أن اشتعل رأسها شيبًا، وباتت وحيدة وشقيقاتها دون سند أو عائلة، في حين وهبت مالها لبناء مسجد كصدقة جارية عنها. 

وتعلق شمعون أن جزءا كبيرا من خداع المرأة في ميراثها يكون من خلال ابتزازها بمسألة الزواج وحرمانها من الارتباط كما حكاية الشقيقات الأربعة السابقة، منبهة الى أن العائلات ميسورة الحال وذات المكانة الاجتماعية المرموقة في المجتمع هي الأكثر حرمانا لبناتها من الميراث!.      

لم تفكر مديحة باللجوء لرفع قضية بعد تعرضها لانتهاك لحقها في الميراث والزواج هي وشقيقاتها والسبب كان بردها :"راح أموت قبل ما تبت المحكمة بنصيبي لهيك تنازلت عن الزواج عشان الميراث ورضيت بالظلم".

القضاء النظامي

تفاصيل الوجع بحرمان المرأة بطرق تختلف من عائلة لأخرى في ظل الحديث عن تقصير من القضاء ومماطلة إجراءات المحاكم، الأمر دفع "الرسالة" للتوجه إلى القضاء النظامي في غزة.

في أروقة المحكمة يكتظ المتابعين كما الملفات والمستندات التي يحملها المحامون هناك، الحركة لا تهدأ كما النار المشتعلة في قلب اليتيمة نور والتي وصلتنا حكايتها عبر رسالة الكترونية حين علمها بنية "الرسالة" الحديث عن ميراث المرأة، وذلك خلال انتظارنا مقابلة المستشار عبد الرؤوف الحلبي رئيس المجلس الأعلى للقضاء النظامي بغزة. 

مركز شؤون المرأة: جزء كبير من خداعها في ميراثها يكون من خلال ابتزازها بالزواج

اليتيمة شددت على عدم ذكر اسمها، وأعادت الطلب من معدة التحقيق، فاخترنا لها اسم مستعار "نور" علها تبصره حين يعود لها حقها من الميراث، حيث كتبت تقول: "توفي والدي وأنا طفلة عمري 8سنوات، وكنت احصل على كفالات أيتام من أكثر من مؤسسة"، وتابعت:" كبرت وتزوجت ووضعي المادي صعب"، مضيفة: "امي اشترت لإخوتي منازل وأراضي وأمّنت مستقبلهم، أما أنا مش معترفة بنصيبي من ميراث والدي رحمه الله وبتحكي مليش عندهم مصاري".

تحتار العشرينية ماذا تفعل لاسيما وان والدتها مريضة وتخشى من تدهور صحتها عند مطالبتها بحقوقها عبر المحاكم حيث ختمت نص الرسالة "خايفة أروح على المحكمة تزعل مني مع أنه حقي.. أفيدوني".       

قطع تأثرنا بحيرة العشرينية نور حديث مديرة مكتب المستشار الحلبي بالدخول لإجراء المقابلة، حيث بدأنا حديثنا معه عن الاتهامات الموجهة للمحاكم النظامية، وأبرزها المماطلة، حيث أوضح أن للتأخير أسبابه من حيث حجم القضية التي قد يتخللها جزئيات كالطعن بالتزوير وعدم وجود كوادر قضائية وإدارية، منبهًا إلى وجود نقص كبير، إضافة إلى زيادة عدد الملفات المودعة في المحاكم.   

ونبه الحلبي إلى أن بعض المحامين معنيون بإطالة أمد التقاضي إما لإهمال أو ليحصل على نقود إضافية من موكله، وفي السياق قال: "نحارب هذه المماطلة فقد وجهنا تنبيها من خلال نقابة المحامين فيما يخص إطالة أمد التقاضي وتعطيل مسار القضايا"، وتابع :" مستعدون أن نغرم كل مماطل بإلزامه دفع تعويض للطرف الآخر حتى لا يفكر في تقديم استئنافات كيدية".

وحول غياب نص يجرم خداع المرأة في الميراث كما أوضحت الدراسة السابقة، علق الحلبي: "ليس صحيحًا، فقانون العقوبات يشمل كل التكيفات والأوصاف القانونية لسلوك الانسان"، وتابع: "تطرق إلى المجرم السارق والقاتل والغشاش والزاني وكل الأفعال المجرمة بما فيها الخداع".

ووفقاً للحلبي فإن المحكمة حين تبحث في قضايا تتعلق بالميراث تبحثها وفقا لثوابت مستندية كحجة الميراث الشرعي ومستخرجات الطابو وحجج الملكية وبناءً على ذلك تحكم بثبيت الملكية للمرأة ان لم يكن هناك مستندات تقدم من الطرف الآخر. 

وفي حال قدم شقيق المرأة على سبيل المثال أوراقا تفيد بأنه اشترى هذه الأرض من والده حال حياته، أو انه اشترى حصتها وقد وقعت على عقد بيع وشراء، فالمجال مفتوح لها أن تطعن أمام المحكمة بتزوير هذا العقد أو أن تتقدم للنائب العام بشكوى جزائية تتهمه بتزوير.

"بور" وبراشوت"!

لابد لك من الاستعانة بــ"باراشوت" حتى تتمكن من النزول إلى 200 متر لـ "سعاد" وهو كل ما حصلت عليه من دونمات والدها بعد 11 عامًا من رحيله.

"أرض بور" يطلق عليها عرفًا لأن مكانها في منتصف الأراضي أو الممتلكات وصاحبها لا يمكن له الاستفادة منها أو بيعها، فغالبًا لا يكون لها مدخل واضح إلا لو استعنت "بالباراشوت" ونزلت إليها من السماء!

لم نستعن بباراشوت بل استعنا بأميرة هارون وكيل مساعد في وزارة شؤون المرأة بغزة للحديث عن دور الوزارة في إنصافها في ظل كل ما تكابده من أجل الحصول على حقها في ظل تعقيدات المحاكم وتحايل الأشقاء!

هارون التي أكدت أن حق المرأة في الميراث هو حق مكفول بالشريعة الإسلامية والقانون يقر بالذمة المالية للمرأة، والميراث جزء منها، منبهة إلى أنه ونتيجة لثقافة سلبية توارثتها الأجيال تحرم منه بأساليب خداع تصل القتل والحبس.       

وزارة المرأة: ناقشنا مع القضاء إجراءات تسهيل حتى لا تفقد حقها بالتقادم

هارون التي صدمت بنتيجة استطلاع رأي للرجال نفذته وزارة المرأة مؤخرًا لأن قلة من عينة الاستطلاع من يدرك حق المرأة في الميراث.   

وأكدت هارون أن القوانين تكفل حق المرأة ولكنها بحاجة الى إجراءات تسهيل من أصحاب القرار, وفي السياق تقول:" ناقشنا مع القضاء الشرعي والمدني إجراءات تسهيل كالتسريع بحصر الإرث لأن المماطلة تسقط حقها في التقادم".

وشددت على ضرورة توفير الحماية للمرأة في حال طالبت بميراثها، مشيرة إلى حالات عنف تتعرض لها كحرمانها من الزواج والضرب والحبس المنزلي.

بصيص حل!

لم تعرض "الرسالة" حالات حرمان المرأة وخداعها بحقها في ظل مماطلة القضاء ومشاكل حصر الإرث دون أن تناقش بعض السبل لتخطي هذه المشكلة وإيجاد بصيص حل لها، ومن ذلك، توصيات المحامية الشرعية البابا بضرورة إنشاء دائرة خاصة لحالات الميراث تقدم للمجلس التشريعي والوزراء ليتم إقراراها في وزارة العدل لتحل الكثير من المشكلات القانونية، وفق قولها.

وتقوم هذه الدائرة بحسب البابا على تقديم الدعم والإرشاد والتمكين للأفراد، من خلال التنسيق مع الأطراف ذات العلاقة لتفادي مشكلة الاطالة لخمس وست سنوات في المحاكم.

ومن خلال مركز شؤون المرأة ودائرته القانونية، قالت :" نسعى في الفترة الحالية إلى توعية رجال الإصلاح والمخاتير ليكونوا أكثر نصرة وانصافًا للمرأة، وأن تأخذ نصيبها بشكل كامل".

بدوره، لفت قاضي المحكمة الشرعية الجوجو إلى وجود بعض الأمور التي لابد أن تدرس من قبل المجلس التشريعي مثل استخراج شهادة الوفاة، فلا بد أن تؤخر لحين توزيع التركة، والإفادة بأن جميع الورثة قد أخذوا نصيبهم.    

وطالب الجوجو بنقل قضية الميراث كلها للمحاكم الشرعية، "فهي أدرى بهذا الأمر من النظامية، ولأنها هي التي تعطي حجة حصر الإرث الذي يعتبر المنطلق لأخذ الورثة حقوقهم". 

بدورها، دعت وكيل وزارة شؤون المرأة هارون إلى ضرورة بث الثقافة الإيجابية والتركيز على أن إعطاء المرأة ميراثها باعتبار ذلك جزءا من أخلاقنا الإسلامية من خلال برامج توعوية وحملات إعلامية.

"نصيبا مفروضًا" لم تتركه الشريعة لشقيق طماع بحيله اللاإنسانية أو لإجراءات قضائية طويلة الأمد ومشكلات لحصر الارث وأخرى عند ديوان "المختار" حين أحرجوها فتنازلت، ذاك النصيب الذي يشتعل رأسها شيبًا وقلبها وجعًا دون امتلاكه!

البث المباشر