للآثار العثمانية في بلادنا مكانة كبيرة، موزعة بين القدس والضفة وغزة، لكل حجر فيها قصة لا تشبه الأخرى، كما للبشر أيضا قصصهم التاريخية، وكما كان للبصمة التركية يدها في نهضة الأقصى ومشاريعه القديمة التي ما زالت تركيا تباشرها حتى اليوم، كان هناك ارث بشري في باحات الأقصى، بقي حتى بعد زوال الحكم التركي عن البلاد، ولم يعلم عنه أحد!
فبالأمس علمت الرسالة بمشروع بدأته هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) وهو عبارة عن مسجد جديد في قطاع غزة، وضعت له حجر الأساس وأطلقت عليه اسم "الأونباشي حسن" الذي عرفنا أنه آخر الجنود الأتراك انسحابا من باحات المسجد الأقصى، فما هي قصته؟
حسب المعلومات التي جمعتها الرسالة فإن القصة تتلخص بطلب قائد الفيلق العثماني في ذلك الوقت من عام 1917 من "الأونباشي" حسن البقاء في القدس لحراسة بوابة المسجد الأقصى أبان انسحاب العثمانيين من فلسطين بعد الاجتياح الإنجليزي لها، وهو الأمر الذي التزم به "الأونباشي" التركي وحافظ عليه حتى توفي عام 1972، وهي فترة طويلة جدا التزم بها العسكري المخلص حتى بعد انسحاب الحكم العثماني من المدينة وانهيار الدولة العثمانية.
بقي الأونباشي حسن الى فترة متأخرة، بدون زواج وأبناء، ولا يدري أحد هل نسيته كتيبته هناك، أم أن جنونا أصابه فلم يعرف طريقه للخروج والعودة، ولكن حجم الوفاء للمقدسات الإسلامية جعله يلتزم جالسا حارسا لها حتى وفاته، ولقد نقل مؤرخون وصحافيون قابلوه أمام باحات الأقصى بأنه قال لهم بلغة تركية قوية: "انا الأونباشي حسن بلغوا قائد الكتيبة.. وقائد اللواء.. أنني ما زلت حارسا للأقصى وأقوم بواجبي حتى اليوم".
يذكر أن سر الأونباشي بقي مجهولا حتى زار الصحفي التركي إلهان بارداقجي المسجد الأقصى في أحد الأيام من شهر مارس عام 1972، وقام على ذكره في أحد الكتب التي ألفها قائلا: إنه رأى العريف "أونباشي حسن"، وعندما سأل عنه قيل له إنه مجنون، وإنه هنا منذ سنوات ويقف كالتمثال، لا يسأل أحدا شيئا، ولا ينظر إلى أحد ولا يرى أحدا، فاقترب منه وسلم عليه باللغة التركية، فحرك عينيه وأجاب بلغة أناضولية فصيحة "وعليكم السلام يا بني"، فصعق الصحفي بإجابته بهذه اللغة، وسأله عن هويته.
وذكر الكاتب أنه حدثه كثيرا وقال في سياق حديثه أيضاً: "بقينا في القدس خوفا من أن يقول إخواننا في فلسطين أن الدولة العثمانية تخلت عنا، أردنا ألا يبكي المسجد الأقصى بعد أربعة قرون، أردنا ألا يتألم سلطان الأنبياء نبينا محمد".
بقي الأونباشي حسن في مكانه حارسا مخلصا حتى توفي كما تقول المصادر غير الموثوقة عام 1982 واختفى سره بعد ذلك للابد.
مسجد باسمه
من جهته، قال محمد كايا، مدير فرع (IHH) في غزة للرسالة خلال البدء بمرحلة إنشاء مسجد الأونباشي حسن، في منطقة "تل الهوا"، غرب مدينة غزة: "تبلغ تكلفة إنشاء المسجد بشكله الكامل حوالي (400) ألف دولار أمريكي، فيما نتوقع أن تنتهي عملية الإنشاء خلال 200 يوم".
وأضاف: "هذا المشروع موجود منذ 3 سنوات، قررنا تسميته بهذا الاسم تقديرا لما فعله الأونباشي حسن من وفاء وإخلاص، وقد تعثر العمل كثيرا بسبب الحصار والإغلاق على قطاع غزة، ومنع دخول مواد البناء، الذي أجبرنا على تأجيل البدء بإنشائه، حتى اليوم".
وتمتلك (IHH) فرعا دائما في قطاع غزة، منذ عام 2009، ويتركز عملها على دعم وكفالة الأيتام، ومساعدة الفقراء.