تشهد معظم أنفاق المقاومة لبصمات الشهيد عبد الرحمن أسعد عرفات بالعمل الجاد والدؤوب، إذ كان يرقب الشهادة ويسعى لها على الدوام حتى نالها في أحد أنفاق المقاومة التي يتم تجهيزها من أجل صد أي عدوان إسرائيلي محتمل.
الشهيد عرفات (24عاماً)، ابن بلدة عبسان الجديدة شرق محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، وصاحب الوجه الباسم والخلق الرفيع، حملته أكتاف الشهداء الأحياء الذين ينتظرون نحبهم، على ذات الطريق التي مضى فيها.
فلم تنس منطقته وأزقتها خطواته إلى مسجد الحي، وحثّه على الصلوات في موعدها.
"نال ما كان يتمنى، بعد أن كان يرقبها منذ التحاقه بكتائب القسام عام 2011م، ليغض الطرف عن متاع الدنيا وزخرفها"، تقول والدته التي كانت تتوقع أن تشهد يوم زفافه في الدنيا.
وتتابع الوالدة المكلومة لمراسل "الرسالة":" لم يشأ الله أن أحضر زفافه على عروسه في الدنيا، بل أكرمني أن أزفه إلى الحور العين وإلى الجنان، والتي كان يتمناها".
وتكمل الوالدة بعد أن التفت حولها نساء الحي لمواساتها بشهادة ولدها "كنت أتسامر معه حول تجهيز بيت الزوجية الخاص به، وضرورة إكماله وتجهيزه، فرد على أنه لن يعيش طويلاً، ولا يريد أن يموت وعليه ديون".
وتابعت:" نشأ ولدي تربية إسلامية، فمنذ نعومة أظفاره التحق بالمساجد، وحلقات تحفيظ القرآن بالمسجد، وكان قلبه دائماً معلقا بالمسجد ومتعلقاً برواد المسجد الشباب أيضاً".
وعن علاقته مع الأهل، توضح الوالدة المكلومة أنها كانت جيدة، وكان يحرص على إرضائها دائماً وإسعادها، مضيفةً: "أجده دائماً مستيقظاً قبلي في أوقات الصلوات، وكذلك وقت خروجه لعمله بالأنفاق".
أما الوالد المحتسب فيقول:" قمت بتزويج ثلاث بنات، لم يغب عبد الرحمن خلالها مطلقاً عن عمله حتى يوم زفافهن، حيث يذهب إلى عمله ثم يأتي ليستقبل المهنئين ويتسامر مع الأهل".
"مع أني بدأت بتجهيز بيت لعبد الرحمن من أجل أن أفرح به، وألعب مع أحفادي الصغار، إلا نصيبه بالشهادة كان أقرب"، يكمل الوالد.
ويتابع بعد أن عاد ليستقبل المهنئين في الخيمة الخاصة بعزاء الشهيد "كان عبد الرحمن ملتزماً في عمله، ومواعيده مضبوطة، في سبيل أداء عمله على أكمل وجه"، وقال: "تشهد له أزقة وشوارع البلدة وأهلها بحسن أخلاقه، وحياءه والتزامه في أعماله وإيثاره اللامتناهي للعمل في الأنفاق"، مضيفاً "نحتسبه شهيدا مع الأنبياء والصديقين والشهداء".
عبد العزيز عم الشهيد جلس بالقرب من جثمانه قبيل مواراته الثرى، وطبع قبلة الوداع على جبينه، ثم تمم بعبارات الحمد لله أن شرفهم بارتقاء عبد الرحمن شهيداً. وقال: "كنا نتوقع خبر استشهاده في أي لحظة، فقد كان يودعنا قبل خروجه إلى عمله".
شهدت له المعارك
والتقت الرسالة أحد زملائه في درب الجهاد، حيث يقول:" مضى عبد الرحمن على درب ابن حيه، وابن مسجده، الشهيد أمير أبو طعيمة"، والذي ارتقى قبل حوالي شهرين في أحد أنفاق المقاومة.
وأوضح أن عبد الرحمن كان من المجاهدين الذين خاضوا معارك مع العدو الصهيوني أبرزها معركتي حجارة السجيل والعصف المأكول، وأثبت أنه من الذين يريدون لقاء الله تعالى على درب الدم والشهادة.
ولفت بعد أن أخذ نفساً عميقاً وقد لاح طيف الشهيد في خياله، أن عبد الرحمن تميز بالعمل الدؤوب والجاد، كما أنه قليل المزاح، كثير الصمت، و"هذا يدل على أن فعاله كانت تسبق أقواله"، وفق قوله.
وتابع بعد أن منع الدمع أن يجري في عينيه: "عبد الرحمن كان حريصا على أداء الصلوات، ويشدد عليهم أن يبلغوه بالدقيقة التي تدخل فيها الصلاة وقتها".