تسعة وعشرون عامًا لم تكل فيها حركة حماس كبرى فصائل المقاومة الفلسطينية، من طرق أبواب الدول جلبًا للدعم السياسي والمعنوي والمادي لصالح مشروعها المقاوم، في خطوة معقدة تزداد صعوبة مع سخونة الأوضاع الراهنة في المنطقة والتي أدّت إلى وصد عديد من هذه الأبواب في وجهها، وأطراف أخرى وضعت شروطها مقابل فتح أبوابها لوجه المقاومة.
ورغم تأزم الظروف الموضوعية والسياسية في علاقة حماس مع بعض الأطراف، إلا أنها نجحت في تجاوزها وطرق أبواب قارات ودول جديدة، كانت حماس فيها أمام محطة جديدة من تحقيق انفراجات مهمة على صعيد علاقاتها الدولية تحديدًا.
وبرزت مستجدات ترتبط بعلاقة الحركة مع دول جنوب شرق آسيا من جهة، وجنوب افريقيا من جهة أخرى، كلها دفعت بفتح أبوابها تجاه حركة لا تزال أبواب دول عربية وازنة مواربة في وجهها وتفتح لها على استحياء.
ووفق ممثلي حماس، فإن علاقات الحركة اليوم أصبحت تتراوح بين ثلاثة معطيات، الأولى تفتح علاقتها في وجه الحركة لدعم سياسي غير مشروط، وأخرى تفتح أبوابها على استحياء في وجه الحركة وبشكل غير معلن، والثالثة لا تزال مترددة في فتح علاقة مع حماس، من قبيل بعض الدول العربية أو حتى الأجنبية.
في العام الأخير من عمر حماس، كانت الحركة أمام متغير جديد في علاقاتها الدولية، بعدما كسرت الرباعية العربية قرار لقائها بحماس، واجتمع ممثلها طوني بلير مع قيادة الحركة في الدوحة مرتين، وفق قيادة حماس.
ودعا بلير قيادة حماس إلى عقد لقاءات في لندن، وهي مسألة رفضتها الحركة لأسباب سياسية، وفق ما قاله عزام التميمي المختص في الشأن السياسي في بريطانيا.
** انفراجات في العلاقات
خالد القدومي ممثل حركة حماس في إيران، أكدّ على أن حركته حققت انفراجات مهمة في علاقاتها الخارجية، "رغم الظروف الإقليمية والدولية المعقدة". وقال القدومي في حديث لـ"الرسالة نت"، إن الحركة تبذل جهدها لتحقيق مزيد من حالة الانفتاح، مستندة على عدالة القضية الفلسطينية ومنطقية الحركة في الطرح السياسي لهذه القضية.
وأكدّ على أن حركته وجدت تفهم عدد كبير من الأطراف الدولية والإقليمية للقضية الفلسطينية، لما لمسته تلك القوى من ارتياح لمسار الحركة السياسي وما تقوم به، وذلك بسبب منطقية طرحها ورؤيتها من القضية الفلسطينية"، وفق تعبيره.
وأضاف "الحركة حافظت على علاقات متوازنة في سبيل تحقيق الدعم السياسي والمادي للقضية الفلسطينية، والتأكيد على حقوق شعبنا".
وعزا القدومي تبدل مواقف هذه الأطراف من حركة لحماس، إلى شعورها بخطورة الكيان وأنه أصبح يشكل عبئًا سياسيًا على المنظومة الدولية، إضافة إلى اقتناعها بعدالة القضية الفلسطينية ووعي قيادة الحركة في إدارة الصراع وكذلك ترتيب وإدارة علاقاتها الخارجية بنجاح.
ورأى أن تبدل بعض المواقف تجاه الحركة جاء متأخرًا، لأن الحركة كانت منفتحة في علاقاتها منذ البداية، واعتمدت على مشروعية حقوقها السياسية.
ولفت القدومي إلى أن الحركة حققت نجاحًا في تشكيل هذه العلاقات منذ بداية التسعينيات سواء في الساحة الأوروبية أو الساحات الأخرى، وشهدت زيارات ولقاءات بعضها معلن والآخر سري احترامًا لرغبة الأطراف التي تتحفظ عن الإعلان عن هذه العلاقة.
ولفت إلى أن الحركة لا يوجد لديها محدودية في العلاقة مع أي طرف، وتسعى للعلاقة مع الجميع، بما يخدم عدالة القضية.
وأشار القدومي إلى أن (إسرائيل) تمارس تضليلًا إعلاميًا واسعًا في عدد كبير من دول العالم، ما يشكل عقبة في العلاقة بين الحركة وهذه الدول، إلا أن هناك صورة جديدة بدأت تتشكل كشفت الوجه القبيح للاحتلال، وهو ما تعول عليه حماس. وتابع: "حماس حركة راشدة، وعديد من الدول الصديقة تدعم شعبنا بالطريقة والأدوات المناسبة".
وشدد القدومي على أن فلسطين بوصلة حماس في أي تحرك سياسي، وأن زيارتها لبلد لا تعني أنها على حساب بلد آخر.
وفيما يتعلق بعلاقة حركته بدول جنوب شرق آسيا كماليزيا أنموذجًا، أوضح أن ماليزيا دولة رائدة في مساعي رفع الحصار عن غزة، على المستويات الرسمية والشعبية، وأنها تبذل جهودا في عملية إعادة إعمار القطاع.
وأضاف أن "بعض الظروف الموضوعية قد تحول دون إتمام الدعم، غير أن الحركة تتعامل بتقدير واحترام مع المانحين، وتأمل منهم تطوير الدعم وتحسينه".
التواصل الغربي مع حماس
وفي المقابل، سعت عديد من الأطراف الدولية للتواصل مع حركة حماس مؤخرًا، في محاولات لجس نبض الحركة سياسيًا، والعمل على تهدئة الأوضاع في غزة من جانب آخر، ولعب دور الوسيط بين المقاومة وإسرائيل تحديدا في ملف جلعاد شاليط.
الدكتور حافظ الكرمي رئيس المنتدى الفلسطيني في أوروبا، يقول إن هذه الزيارات تحمل مضامين إنسانية تهدف إلى إيجاد حل انساني في القطاع، خاصة في ظل القضايا التي ترفعها منظمات حقوقية ودولية، تشير فيها إلى خطورة الأوضاع بغزة التي تشبهها بسجن كبير.
ويستبعد الكرمي في حديثه لـ"الرسالة نت"، أن تمهد هذه الزيارات لحل سياسي، نظرًا لظروف المنطقة التي تعيش في مرحلة انتقالية، لاسيما وأن الإدارة الأمريكية لم تتقلد الحكم رسميا، وأوروبا بانتظار الإدارة الجديدة للولايات المتحدة.
أمّا عن دور التوسط لقضايا سياسية محددة، فيشير الكرمي، إلى أن مساعي طوني بلير مبعوث الرباعية الدولية السابق، لم تتوقف عمليًا، حتى وإن بدا وأنها متوقفة إعلاميًا، موضحًا أن هذه الزيارات مدفوعة من اليمين الإسرائيلي والأوروبي والأمريكي.
ووفق الكرمي، فإن دور بلير لم يخرج عن دائرة الأهداف والمطالب الإسرائيلية، نافيًا في الوقت نفسه أن تكون قضية الإفراج عن أسرى الاحتلال مطروحًا في نقاشات الأطراف الدولية مع حماس، وأن الملف لا يزال مغلقًا.
وأضاف: "هناك محاولات للتوصل عبر وسطاء سواء عبر بلير أو المخابرات الألمانية وتركيا؛ من أجل تحريك الملف، لكن لا يوجد ما يشير إلى وجود تقدم".
ممثليات حماس
بدوره، أكدّ باسم نعيم رئيس مجلس العلاقات الخارجية، أن العالم وخاصة صناع القرار في الغرب والولايات المتحدة، بات يدرك أهمية ودور حماس في تحقيق الاستقرار في المنطقة والذي لا يتحقق إلا بحل المشكلة الفلسطينية، وهي مسألة لا تتم إلا برضى الشعب الفلسطيني والذي تعتبر حماس أحد أبرز مكوناته السياسية.
وقال نعيم لـ"الرسالة نت"، أن عديدا من الأطراف الدولية وصلت إلى قناعة بخطأ عزل حماس، " غير أنها لم تتخذ قرارًا بانفتاح كامل على الحركة، بسبب سيطرة بعض التوجهات الصهيونية على قرار بعض الأطراف الاوربية والأمريكية".
وأشار نعيم إلى أن حماس لديها ممثلين في عدد من الدول، سواء كان بشكل معلن أو غير معلن، " وفي عدد كبير من العواصم يوجد من يمثل حماس بشكل أو باخر".
وحول مساعي طوني بلير المبعوث الاممي الأسبق، قال "إن بلير حاول التوصل مع حماس ضمن رؤية معينة ولم تجد القبول من طرف الحركة".
وفيما يتعلق بدعوة حماس للمشاركة في ورشة عمل بسويسرا، فأكدّ نعيم أن الحركة ترحب بأي جهد يدفع بالمصالحة، ولكن جرت العديد من اللقاءات سابقًا ونحن نحتاج لتنفيذ ما تم التوافق عليه وليس للقاءات جديدة.
أمّا الكاتب والباحث تيسير محيسن المستشار في وزارة الخارجية بغزة، فيلخص العلاقة الروسية بحماس، بوجود رغبة لدى موسكو الدخول إلى الشرق الأوسط من جميع أبوابه، وليست البوابة السورية فقط، مشيرًا إلى وجود علم لدى موسكو حول تفاصيل القضية الفلسطينية.
ولفت محيسن في حديثه لـ"الرسالة نت"، إلى أن روسيا لا يوجد لديها خط أحمر في التعامل مع حماس، ولديها علاقة جيدة معها، وتعقد بينهما لقاءات دورية ومستمرة مع قيادة المكتب السياسي في الخارج.
وقال "إن روسيا تدرك أن بوابتها للقضية الفلسطينية تمر عبر غزة، التي تعد محط أنظار العالم، والتي لفتت بمعاناة شعبها انتباه كل السياسات الخارجية للدول المعنية، ومن بينهم روسيا".
ورجحّ فرضية أن تكون روسيا لديها رغبة في التدخل للكشف عن مصير المفقودين الإسرائيليين في غزة، " وأن تكون قد بدأت عن بحث وسائل وطرق حل لغز الأسرى في غزة".