قائد الطوفان قائد الطوفان

اغتيال الزواري...(إسرائيل) تواجه حماس في صفاقس

د. صالح النعامي

على الرغم من أن الكيان الصهيوني لم يعلن رسميا مسؤوليته عن اغتيال المخترع التونسي محمد الزواري، الذي تمكن من تطوير عدة نماذج من الطائرات بدون طيار، الخميس الماضي في مدينة صفاقس، إلا أنه قدم عدة مؤشرات على أنه المسؤول عن عملية التصفية.

وقد وصل التبجح الصهيوني إلى حد أن مصادر أمنية في (تل أبيب) وصفت اتهام السلطات التونسية للموساد بالمسؤولية عن اغتياله بأنها "اتهامات لا تخلو من الصحة". وقد ذهبت بعض وسائل الإعلام الصهيونية إلى القول إن تصفية الزواري تمثل أول عملية تصفية تتم في عهد رئيس الموساد الحالي يوسي كوهين، وذلك بعد أن جمدت وحدة الاغتيالات في الجهاز تنفيذ عمليات الاغتيال بعد عملية اغتيال محمود المبحوح، والتي على الرغم من نجاحها، إلا أنها تسببت في إحراج الكيان الصهيوني بعدما تبين حجم توظيف (إسرائيل) لعمليات تزوير جوازات سفر لدول تعد صديقة لها لتمكين عناصر الموساد من تنفيذ العملية.

إن عملية اغتيال الزواري تحمل ثلاث دلالات رئيسة وبالغة الأهمية، وهي:

أولا: تصميم الكيان الصهيوني على تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية، على اعتبار أن (تل أبيب) تزعم بأن الزواري معروف بعلاقاته الوثيقة بحركة حماس وبعضويته في ذراعها العسكري "كتائب عز الدين القسام"، وتدعي أنه تواجد في معسكرات للحركة في سوريا ولبنان وأنه يساعدها على بناء قدرات في مجال انتاج الطائرات بدون طيار. وتزعم (تل أبيب) أيضا أن الزواري هو المسؤول عن تمكين "كتائب عز الدين القسام" من استخدام الطائرات بدون طيار لأول مرة خلال حرب 2014.

ومن الأهمية الاستماع للمصادر الأمنية الصهيونية التي تؤكد أن خطورة الزواري "لا تتمثل فقط في الأفعال التي قام بها في الماضي بل تحديدا في الأفعال التي يمكن أن يقدم عليها في المستقبل". وحسب منطق هذه المصادر، فإن (إسرائيل) تخشى أن يساعد الزواري حركة حماس على الاستعداد للمواجهة القادمة من خلال انتاج طائرات بدون طيار "انتحارية" قادرة على ضرب أهداف في عمق الكيان الصهيوني "في أقل قدر من المخاطرة على مقاتليها". ببساطة تخشى (إسرائيل) أن يساعد الزواري حماس على تطوير قدراتها في مجال الطائرات بدون طيار لإحداث توازن في وسائلها القتالية وتقليص الاعتماد على الأنفاق الهجومية التي فاجأت بها (إسرائيل) في حرب 2014.

ثانيا: استنفار كيان يعد القوة العسكرية الأهم والأكبر في المنطقة، ويعد تحديدا "عملاقا" في مجال التقنيات العسكرية، وعلى وجه الخصوص في مجال انتاج الطائرات بدون طيار ويقدم على اغتيال شخص يعمل مبادرة ذاتية وبدون أية مقومات مادية ذات قيمة يدلل على مدى الحساسية التي يبديها الصهاينة عندما يتمكن العرب من امتلاك أي قدر من مقومات القوة، سيما ذات الطابع التقني. فقد كشفت صحيفة "معاريف" قبل عام أن (إسرائيل) أجبرت الولايات المتحدة على الغاء صفقة لتزويد الأردن بطائرات بدون طيار ذات قدرات هجومية بحجة أن هذه قدرات نوعية لا يجدر أن تتزود بها أية دولة عربية، حتى لو كانت مرتبطة بمعاهدة تسوية مع (تل أبيب) نفسها. وعندما يتجه العرب لتأمين حاجياتهم من التقنيات المتقدمة ذات الاستخدام العسكري حتى لو كانت متواضعة فإن (تل أبيب) تتدخل ولو باستخدام التصفية والاغتيال. لكن من الواضح أنه لو أن دولة عربية أو أكثر تبنت مثل هذه المشاريع فإن قدرة (إسرائيل) على التدخل عبر هذه الوسائل سيكون محدودا لأن مثل هذه الوسائل لن تجدي. ولا حاجة للقول إن عملية الاغتيال تكشف مرامي الاحتفاء الصهيوني بالتقارب مع بعض الدول العربية، والذي ينطوي على تعاون وتنسيق وشراكات استراتيجية. فلو كانت هذه الدول معنية بنهضة صناعية تحسن من مكانتها الاستراتيجية لاختارت (تل أبيب) منها موقف العداء فقط.

ثالثا: إن صحت مزاعم الصهاينة بدور الزواري في الجهد الحربي للمقاومة الفلسطينية، فإن هذا يدلل على الطاقة الكامنة في التكامل بين مكونات الأمة في إدارة الصراع ضد المحتل. فما عجز عنه الفلسطينيون وفره التونسيون وإن كان بإمكانيات محدودة. ومن الواضح أنه لو تعاونت الدول العربية والإسلامية في إسناد المقاومة الفلسطينية لتقلصت قدرة (تل أبيب) على المواجهة ولتدنى سقف توقعاتها منها. فعلى الرغم من قدراته الكبيرة، فإن الكيان الصهيوني صغير وذو طاقة محدودة بحيث أن تعدد مصادر التهديد التي يتعرض لها تجعله مشتتا وعاجزا عن الرد.

 

البث المباشر