غزة / مها شهوان
رغم الصعاب التي يواجهها مجتمعنا الغزي إلا انه لا زال يتحدى كافة العقبات الموجودة في طريقه ، فهذه المرة كان التحدي بحفظ كتاب الله ، فلم يقتصر حفظ القرآن الكريم على الأطفال و الشباب أو الفتيات بل وصل إلى كبار السن الذين جاءوا معلنين انه لازال هناك بصيصاً من الأمل يمكن أن ينير كل الدروب.
ففي إحدى زوايا مسجد الشهيدين تجلس أم خالد عبد العاطي 72 عاماً بين مجموعة من الفتيات الصغيرات اللواتي هن بعمر حفيداتها ، فقد جاءت لتقهر الظلام بحفظ القرآن الكريم ومن خلال التحاقها بمخيم الوقار الذي تنظمه دار القرآن الكريم والسنة لتتمم حفظ ما يقارب 17جزءا خلال فصل الصيف .
***حفيدتها ميرال
الحاجة أم خالد قالت للرسالة:" قبل أن أبدأ بحفظ القرآن التحقت بدورة أحكام مبتدئة وذلك بالمسجد المجاور لمنزلنا حتى حصلت على تقدير امتياز ، وبعد أن انتهت الدورة التحقت النساء اللواتي كن معي بدورة الأحكام العليا غير أنني لم استطع الالتحاق بها مثلهن بسبب ضعف بصري وتتابع: فآثرت أن أحفظ القران الكريم في صدري خشية أن افقد بصري. بعد أن صعبت علي قراءته فحفظت عشرة أجزاء في الوقت الذي كن قد أتممن الدورة العليا"، مضيفة أنها ذهبت لزيارة بيت الله ومن ثم أكملت الحفظ بالمسجد مع حفيدتها ميرال وذلك بتشجيع من المحفظات.
وذكرت أن أبنائها وبناتها دائما ما يشجعونها على إتمام حفظ كتاب الله ، مبينة أن عددا منهم قد التحق بدورات لتعلم أحكام القرآن ليقتدوا بها.
أما عن حفيدتها ميرال تقول أم خالد:" أكون سعيدة حينما آتي للمسجد برفقة حفيدتي ودائما ما نتنافس و يشجع بعضنا الآخر في البيت على الحفظ رغم أنها اقتربت من ختم القران ، إضافة إلى أحفادي الصغار الذين أصبحوا يعتبرونني قدوة لهم مسارعين للالتحاق بمراكز تحفيظ القرآن الكريم ، معتبرة أن القران يعلم الأخلاق الحميدة ويساعد في التحصيل الدراسي.
يذكر أن ما ساعدها على حفظ أجزاء القران الكريم أنها كانت تختم قراءته كل شهر مرة واحدة على مدار عشرين عاما مما سهل عليها الحفظ ، إضافة الى أنها الآن تحفظ بمعدل أربعة صفحات يوميا من بعد صلاة الضحى.
وحول شعورها وهي تحفظ وسط فتيات صغيرات تقول أم خالد:" اشعر بالسعادة وأنا وسطهن ولا اخجل من كبر سني على العكس فهناك سيدات التحقن بالمركز لحفظ كتاب الله أسوة بي ، مضيفة أنها تشجع الفتيات على الحفظ بدلا من اللعب وتضييع الوقت بأشياء لا تنفعهم".
ودعت جميع السيدات للالتحاق بمراكز تحفيظ القرآن الكريم لان في ذلك صلاح وتقويم لبيوتهم ، معتبرة أن حفظ القران لا يعرف عمرا محددا فطالما لدى الإنسان العزيمة يستطيع الحفظ لان العقل لا يشيخ.
وختمت حديثها :"كثيرا ما أدعو ربي أن يثبتني على حفظ القران الكريم وان يجعله لي نورا ورفيقاً في الدنيا و الآخرة".
***عشرة فتيات
في حين تجلس بجوارها داخل حلقة التحفيظ حفيدتها ميرال البالغة من العمر 12عاما لتقول:" اشعر بالسعادة حينما آتي للمركز برفقة جدتي فهي دائما تشجعني على حفظ القرآن".
وتضيف :" دائما أحاول أن أسابق جدتي في الحفظ ، و كبر عمرها يشجعني على حفظ المزيد كوني صغيرة وقادرة على الحفظ أكثر منها".
وأوضحت ميرال أن حفظ القرآن الكريم ساعدها كثيرا للتفوق في دراستها ، مضيفة أن ما جعلها تجتهد في دراستها أن حفظ كلام الله هو الأصعب وطالما استطاعت أن تحفظه فهي قادرة على حفظ دروسها ، فبذلك استطاعت أن تتحدى نفسها لتحصد أعلى الدرجات.
وعن بداية حفظها للقرآن تقول:"أمي من بدأ بتشجيعي لحفظ القران منذ أن كان عمري سنتين وذلك من خلال تحفيظي السور القصيرة وكانت تحضر لي الهدايا في كل مره كنت اتمم ما قررت لي حفظه ، ومن بعدها ذهبت للمسجد لحفظ بعض السور والتحقت بمخيم تاج الوقار بتشجيع من وأبي وأمي ".
ولفتت إلى أنها تحفظ بمعدل عشرة صفحات يوميا ما بين المسجد والبيت ، مشيرة إلى أنها في غضون عشرة أيام ستنتهي من حفظ كتاب الله .
وأضافت ميرال أنها استفادت من مركز التحفيظ كثيراً خاصة برفقة صديقات حافظات لكتاب الله تفخر بصداقتهم.
وذكرت ميرال أنها في حال شعورها بالغضب والحزن تلجأ لتلاوة القرآن ومن بعدها تشعر بالطمأنينة.
وعن إخوتها الصغار الذين التحقوا بالمركز لحفظ القران تقول:" أشجعهم باستمرار وفي بعض الأحيان أساعدهم بالحفظ وأقوم بالتسميع لهم".
من جهتها ذكرت مشرفة تاج الوقار في دار القران الكريم والسنة عبلة ساق الله أن هذا المخيم يعد الثالث من نوعه وأنهم عملوا على تلاشي السلبيات التي واجهتهم في المخيمين السابقين.
وأوضحت انه قبل البدء في مشروع حفظ القران والذي مدته شهرين خضعت جميع الفتيات لأسبوع تهيئة لمعرفة مدى قدراتهن على الحفظ حتى يتم قبولهن في المشروع، مشيرة إلى
أن التحفيظ يتم بالمركز بشكل يومي ما عدا الجمعة وذلك ابتداء من الساعة السابعة صباحا حتى الواحدة ظهرا .
وقالت ساق الله :"يوجد الآن بالمركز ما يقارب العشرة فتيات ختمن القران الكريم في اقل من المدة المحددة ، والآن يتم مراجعته لهن لتثبيت الحفظ وذلك بشكل يومي".
وواصلت حديثها:"يوجد بالمركز أنشطة وفعاليات أخرى إلى جانب حفظ القران منها التوجيه النفسي والتربوي بحضور مختصين ، إضافة إلى الألعاب الترفيهية والرياضية والمسابقات التي تنمى الذكاء علاوة على الندوات الدينية التي تعقد مرتين بالأسبوع بحضور داعية إسلامية لتفقه البنات بأمور دينهم".
وأوضحت أن الأهالي أصبحوا حريصين على إرسال بناتهن لحفظ القرآن الكريم ، مشيرة إلى انه ازداد الوعي لدى الأسر الفلسطينية فباتوا يخافون من ضياع وقت أبناءهم أمام شاشات التلفزة والكمبيوتر عوضا عن حفظ كتاب الله.
فالمشهد الذي يتكرر في صباح هذا الصيف ذاته سيتكرر في كل صيف فما أن يحين الصباح حتى ترى الفتية ملتفين حول مراكز تحفيظ القرآن الكريم محتضنين بين أيديهم مصحفهم مهرولين للتنافس على حفظ كتاب الله.