لم يمثل قرار مجلس الأمن الدولي غير المسبوق الذي أدان لأول مرة المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية ودعا إلى وقفه فقط صفعة مدوية للكيان الصهيوني ولم ينزع الشرعية الدولية عن المستوطنات اليهودية؛ بل أيضا فضح الدور الوظيفي المتداعي لنظام السيسي، الذي حول مصر إلى مجرد ترس متآكل في ماكنة الدبلوماسية الصهيونية.
لقد عكس سلوك نظام السيسي الذي حاول إحباط مشروع القرار بسحبه وطلب تأجيل التصويت عليه في مجلس الأمن مدى رهان هذا النظام على الدور الصهيوني في تأمين شرعية له، والذي وصل لدرجة أن يضحي بسمعة مصر ويسئ إلى تاريخها على هذا النحو لمجرد أن يثبت للصهاينة مجددا أن استثمارهم في دعمه قد آتى أُكله وأن هذا النظام لن يتردد في الحفاظ على المصالح الصهيونية عبر توظيف الموارد الدبلوماسية والسياسية والأمنية المصرية.
لقد حطم نظام السيسي كل التصورات السابقة عن المدى الذي يمكن أن يقطعه من أجل الدفاع عن المصالح الإسرائيلية. فعلى الرغم من أن طابع العلاقة الحميمية بين الكيان الصهيوني ونظام السيسي باتت معروفة، بحيث أن (تل أبيب) لم تعد تجد حرجا في الاعتراف بمظاهر الشراكة الإستراتيجية والتحالف الوثيق التي تربطها بهذا النظام، إلا أن أحدا لم يكن ليتصور أن تصل الأمور إلى حد أن يستنجد الصهاينة بالسيسي من الولايات المتحدة ويحاولون توظيف المكانة الدبلوماسية لمصر كعضو غير دائم في مجلس الأمن لسحب مشروع قرار ينزع الشرعية عن المشروع الاستيطاني الصهيوني في الضفة الغربية، بعد أن تبين أن إدارة أوباما عاقدة العزم على عدم استخدام حق النقض الفيتو ضده.
فشعور السيسي بافتقاده الشرعية جعله يتجاهل كل الخطوط الحمراء من أجل محاولة تأمينها من خلال محاولة استرضاء الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، الذي يحاول عدم تفويت أية فرصة دون التأكيد على أنه سيضمن لحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب أن تطبق سياساتها ومنطلقاتها الأيدلوجية من الصراع وضمن ذلك استباحة الأراضي الفلسطينية وضم الضفة الغربية وتهويد القدس.
لقد سمح الجدل الذي ثار حول قرار مجلس الأمن بشأن الاستيطان بالكشف عن بعض محاور التعاون وأغراض التحالف الذي تربط نظام السيسي بالكيان الصهيوني. وبكل تأكيد يظل الكثير من مظاهر العلاقة بين الجانبين بعيدة عن الأعين ولا تجد طريقها إلى تغطيات وسائل الإعلام ووعي الجمهور العربي والمصري تحديدا.
لكن في الحقيقة، عند الالتفات إلى ما يقر به كبار المسؤولين الصهاينة، فإن ما أقدم عليه نظام السيسي من محاولة لإحباط مشروع مجلس الأمن المندد بالاستيطان يبدو منسجما مع السياق العام لطابع علاقته مع الكيان الصهيوني. فقد نقلت صحيفة "ميكور ريشون" في 28 يونيو 2015 الصهيونية عن وكيل وزارة الخارجية الصهيوني دوري غولد قوله إنه تم الاتفاق بين الكيان الصهيوني ونظام السيسي على "بلورة إستراتيجية مشتركة لمواجهة التحديات المشتركة وللتنسيق السياسي". من هنا، فإن سلوك السيسي في مجلس الأمن ينسجم مع السياق العام للعلاقة الثنائية بين الجانبين.
لكن من أسف، فعلى الرغم من وضوح موقف نظام السيسي المتواطئ إلا أن أحدا في السلطة والفصائل الفلسطينية لم يتطرق له. فعلى الرغم من أن السيسي، من خلال محاولته عرقلة تمرير مشروع القرار، إنما كان يوجه ضربة قوية للسلطة الفلسطينية وبرنامجها السياسي القائم على التحركات السياسية في المحافل الدولية، إلا أنها التزمت الصمت في البداية، وبعد ذلك اتجهت لتقديم شهادات زور بشأن ما قام به السيسي على الرغم من أن المسؤولين الصهاينة والأمريكيين والدبلوماسيين الغربيين فضحوا تواطؤه مع الصهاينة.
قصارى القول، عندما يقف نظام السيسي إلى جانب حكومة اليمين المتطرف في (تل أبيب) التي تجاهر بعزمها على تصفية القضية الفلسطينية، فإن الفلسطينيين في السلطة والفصائل مطالبون بعدم الركون إليه بالمطلق والافتراض سلفا أن أية خطوة تصدر عنه إنما يتم تنسيقها مسبقا مع الجانب الصهيوني لتمرير المزيد من المؤامرات التي تستهدف القضية الفلسطينية.
ليس من حق أحد مجاملة نظام السيسي على حساب القضية والحقوق الفلسطينية، لقد سقطت ورقة التوت مرة وللأبد، ولن يجدي التملق الذي يعكسه الخطاب الدبلوماسي المبتذل.