الرسالة نت – محمد أبو قمر
اتشحت الجدران بالسواد ، واخترقت النيران جدران المنزل وأجهزت على الأثاث والملابس وحتى عربة "الكارو" التي كانت مصدر دخل العائلة.
تعود نكبة العائلة الحديثة كما يصفها الجد "أبو ناصر" إلى ما قبل يومين عندما كانت نساء أبنائه وبناته يخبزن على فرن الطين الصغير، وأكوام الحطب ليست ببعيدة عنهم ، فيما كانت الملابس والفرشات تستطعهن أشعة الشمس الحارقة في ذات المكان.
شرارة بسيطة كانت كفيلة بتدمير المنزل كاملة وانتشرت النيران في كافة زواياه ولم تبق ولم تذر.
حاولت العائلة لملمة الأبناء لاسيما الستة الصم الذين لم يلتفتوا لصراخ النساء، وتمكنوا من النجاة بجلدهم كما يقال، ولم يتمكنوا من إخراج أي من احتياجاتهم.
يسكن في المنزل المكون من طابق واحد المسن وزوجته وبناته في غرفة ، وأبناؤه المتزوجون مع أبنائهم كل في غرفة صغيرة.
عشرون شخصا فقدوا مأواهم بعد الحريق الذي اندلع في منزلهم، وباتوا ينتظرون من يغيثهم.
ويقف ناصر وعيناه تلف الجدران السوداء ضاربا كفا بكف حسرة على ما جرى وهو يقول "قبل حريق المنزل كنا نعيش في ضيق، والآن بتنا في الشارع".
يحمد ناصر الله على عدم إصابة أي من أفراد العائلة، ويتأسف على ضياع كل ما يملك ويقول " حتى الكارة اللي كانت رزقتنا ما ظلت".
ويعاني ناصر وأشقاؤه من قلة العمل كبقية عمال غزة، مما دفع أحدهم لاستغلال عربة الكارو علها تسد رمق أبنائه، لكنه انضم بعد الحريق لأشقائه العاطلين عن العمل.
طلت الأم المسنة تجر قدميها والدموع تنهمر من عينها وعلا صوتها بالصراخ وهي ترى منزلها المحروق للمرة الأولى بعدما منعها أبناؤها من رؤيته ليومين خوفا على سلامتها.
" الله ينشلكوا من ضيقتكم، انشلونا" هذا دعاء المسنة "أم ناصر" التي فقدت جميع محتويات منزلها، الى جانب تسعة آلاف دولار نهشتها النيران بعدما دأبت على تجميعها منذ سنوات للحج مع زوجها هذا العام.
تبددت آلام المسنين بالحج، وضاع حلمهم بزيارة الأراضي الحجازية بعد سنوات من الشوق الممزوج بضيق الحال.
ويقول ناصر أنه لم يعد أمامهم ولا خلفهم أي قرش، مما اضطرهم لإرسال نسائهم لذويهن حتى يتمكنوا من توفير مكان للعيش.
ولاحظت "الرسالة" احتراق سطح المنزل والأعمدة الإسمنتية ، مما يحتاج لتقييم هندسي إذا ما كان المنزل قابل للترميم أو بحاجة لإعادة تشييد من جديد.
ويتجول الأطفال في باحة المنزل السوداء، وهم ينظرون الى ملابسهم وألعابهم المحترقة، ويتمنون أن يستعيدوا جزءا منها.
وبدموع منهمرة تقول الأم " ما قدرت لمن ولعت النار أطفيها وارتميت بالشارع والله ما في عنا أواعي، ومش قادرين نعمرها".
ويأمل أفراد الأسرة بأن يقف أهل الخير بجانبهم لينشلوهم من محنتهم التي ألمت بهم دون سابق إنذار، بعدما حصدت النيران كل ما يملكونه.