غزة-فادي الحسني
تتناهي الأنغام الصادرة عن آلات العزف التراثية "الربابة واليرغول والسمسمية" إلى الحاضرين في جلسات السمر، فتستهويها مسامعهم، وينسجمون مع تراتيلها الناعمة التي ترافقها كلمات منضبطة الحس والمعنى.
وتحكي الآلات التراثية الثلاث عبر أنغامها، عن موروث بدوي طال عمره، لكنه لا يزال يستحضر في جلسات السمر والأفراح البدوية في قطاع غزة إلى الآن.
يحمل العازف زياد أبو عوض الربابة بيده اليسرى، ويمسك باليمنى عودا خشبيا منحنيا يجمع طرفيه خصلة من شعر الخيل الأصيل تسمى "سبيب"، يمررها يمينا وشمالا، ليصدر أنغاما جميلة دون أن يضع أمامه "نوتة" للعزف، على خلاف الآلات الموسيقية الحالية.
يحفظ أبو عوض، في العقد الخامس مع العمر، قصائد شعرية عن ظهر قلب ويرددها مع أنغام الربابة، فهي بالنسبة له لغة خطابة قائمة على الشعر النبطي الموزون.
وغالبا ما تستخدم "الربابة" في الأعراس البدوية، لكنها تستخدم أيضا في مناسبات أخرى، حيث جرت العادة بين البدو أن تتضمن الكلمات المصاحبة للعزف على "الربابة" شكوى أو مدح أو ذم، وينتظر الرد عليه بنفس النهج.
وتعتبر "الربابة" آلة الطرب المشهورة في "دواوين" البدو، حيث أشار أبو عوض ذو الأصول البدوية، إلى أنها تستخدم منذ زمن أبو زيد الهلالي، وأنه ورث العزف عليها عن والده مذ كان طفلا، موضحا أنه أعد ربابته بيده.
ويرى البدوي الخمسيني في العزف على "الربابة"، إحياء للتراث البدوي القديم، ويقول: "الربابة هي فن وهواية وتراث انسجم في العزف عليه".
و"الربابة" عبارة عن صندوق خشبي رفيع مغلف بجلد، يتوسطه مقبض خشبي طويل، أوتارها من شعر الخيل.
أما "اليرغول" أو "الناي" فقصة عزف أخرى، فهو أنبوب من "البوص" مثقب، يصدر أنغاما جميلة كلما نفخ فيه العازف، مقلباً أصابع يديه الثمانية على الثقوب ليوزع الأنغام.
والعزف على "اليرغول" يصاحبه كلمات ومواويل تراثية، ويدار عليه الاستعراض الفلكلوري "الدبكة" خلال الأعراس البدوية، والمناسبات الأخرى.
ويقول أبو عوض: "اليرغول آلة تراثية أصيلة غير مستحدثة، على خلاف آلة السمسمية"، المقتبسة من آلة "العود" الموسيقية، إلا أنها تختلف في الشكل والصوت.
ويشير العازف أبو عوض، صاحب الخبرة في العزف على الآلات التراثية تلك، إلى أن "السمسمية" ليست تراثية أصيلة كالربابة واليرغول".
ولابد وأن تكون تلك الآلات التراثية، أو إحداها حاضرة في الأعراس البدوية، لاسيما أنها تعبر بالنسبة لهم عن موروث أصيل يجب إحياؤه في مناسباتهم المختلفة.
ويقول البدوي أبو عوض: "هذا فن سام يعبر عن أصالة وتاريخ وهوية وهو دليل على قيمة ورقي التراث البدوي القديم".