تتجه أنظار الفصائل الفلسطينية صوب العاصمة اللبنانية "بيروت" مترقبة اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني المقرر يومي 10و11 من الشهر الجاري، لمناقشة ملفات وتبادل وجهات النظر، تمهيداً لانعقاد المجلس الوطني لمنظمة التحرير، الذي لم ينعقد رسمياً منذ العام 1996، فهل يكسر هذا الحراك الاحتكار الذي تفرضه حركة فتح على المجلس الوطني لمنظمة التحرير؟
في البداية يجب التأكيد أن أي حراك أو تغيير حقيقي في المنظمة يجب أن يراعي المؤثرات الداخلية والخارجية، لاسيما أن تلك المؤثرات أكثر خطورة كونها تحتاج توافقًا إقليميًا وتحديداً من ثلاث دول رئيسية "مصر-السعودية-الأردن"، إلى جانب "إسرائيل" والولايات المتحدة، وهذا من الصعب أن يتوفر في الوقت الحالي.
وعلى الصعيد الداخلي تعتبر حركتا حماس والجهاد من أبرز الفصائل التي ترغب في دخول منظمة التحرير ولكن ضمن تشكيلات جديدة تضمن تمثيلًا حقيقيًا لكل فصيل، لكنها لا تملك أوراق ضغط أو تأثيرًا حقيقيًا يجبر الرئيس محمود عباس على الرضوخ لها.
بينما تبقى فصائل منظمة التحرير ذات أدوار خجولة وغير قادرة على دفع حركة فتح نحو التغيير، هذا عدا عن كون أبو مازن غير معني بتغيير جوهري ومؤثر على تشكيلة المنظمة الحالية بما يضمن له استمرار السيطرة على القرار الفلسطيني.
ويبقى دور فصائل منظمة التحرير رغم تأثيرها الضعيف شكلياً فهي غير قادرة على إفشال انعقاد المجلس، وقد كان موقف الجبهة الشعبية مؤثراً حينما أعلنت أنها لن تحضر الجلسة التي كان من المفترض أن تعقد في سبتمبر من عام 2015، ما شكل ضربة لأبو مازن وأظهرته بالرئيس الضعيف الذي بدأ يفقد نفوذه في المنظمة.
ويمكن القول إن أبو مازن الذي بدا وكأنه بُعث من جديد عقب مؤتمر فتح السابع، خاصة بعدما استطاع إعادة تشكيل اللجنة المركزية للحركة وفق مقاساته واقصاء خصومه، يطمح في أن يُخرج المجلس الوطني بذات العقلية، إلا أن هناك عقبات كثيرة تعيقه فسواء نجح في عقد المجلس بصورة ضعيفة في المقاطعة، أو فشل في عقده سيظهر وكأن شرعيته تآكلت.
وبهاجس الشرعية يذهب عباس نحو الوطني محاولاً جمع أكبر قدر من الفصائل الفلسطينية أبرزها حماس والجهاد، وهذا ما يفسر الحركة الذكية التي حاول إجراءها عندما أرسل عزام الأحمد لقطر والتقى برئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل ونائبه إسماعيل هنية، إلا أن اللقاء لم يخرج بنتائج مهمة.
وأمام هذه التحديات لا يمكن إغفال المؤثرات الإقليمية في هذا الملف، حيث يسعى عباس إلى تفكيك الرباعية العربية التي شعر في لحظة أنها تعمل على إنهائه كرئيس فلسطيني، لذا فهو يحاول استثمار الخلاف بين مصر والسعودية لتفكيك هذا اللوبي الذي شكل ضده.
ويأتي توقيت انعقاد المجلس في ظل الأزمة مع مصر، وهو ما يمكن اعتباره سابقة، فلم يكن لدى الرئيس السابق ياسر عرفات ومن بعده أبو مازن الجرأة على عقد منظمة التحرير أو إجراء أي تغيير فيها دون تنسيق مسبق مع دولة مركزية مثل مصر.
وفي ذات الوقت بعض التسريبات تحدثت أنه حصل على ضوء أخضر من دول إقليمية أخرى وتحديداً السعودية لتثبيت نفسه كرئيس للمنظمة واللعب بهذه الورقة في مواجهة دول أخرى مثل مصر. ويمكن تحديد ثلاثة أهداف يرغب أبو مازن في تحقيقها من خلال المجلس الوطني.
الأول: إعادة تتويج نفسه كرئيس لمنظمة التحرير وبالتالي حسم مسألة الشرعيات والسيطرة عليها من جديد.
الثاني: ترميم أدواته في المنظمة التي كان يستخدمها سابقاً وتحديداً في إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية للسيطرة على القرار السياسي الفلسطيني.
الثالث: يمكن أن يقبل عباس بتمثيل لحركتي حماس والجهاد لكنه تمثيل غير مؤثر بمعنى أنه وجود لا ضامن ولا معطل، وإنما تكميل لديكور الفصائل في المنظمة، وهذا أقصى ما يطمح إليه لأنه يوفر له شرعية بتوافق وإجماع وطني.
وعلى النقيض ترغب حماس في أن يكون لها قدم في المنظمة لكنها القدم القوية المؤثرة وليست ديكور، لكن إلى أي حد يمكن أن تقبل حماس بطروحات أبو مازن؟، هنا تبدأ الصفقات والمساومات، فما الذي يمكن أن تحصل عليه حماس مقابل وجود ضعيف في المنظمة؟، سؤال سيخضع لما ستشهده جلسات التحضير.
من جديد يبرز دهاء الرجل الثمانيني الذي يسعى للاستفادة من حالة الضعف التي يعاني منها خصومه "حماس-الجهاد-دحلان"، فهو يدرك أن قوة فصائل المقاومة في الجانب العسكري لكن يبقى تأثيرها السياسي أقل كونها تعاني من الملاحقة في ساحة الضفة إلى جانب اشكالياتها مع الإقليم.
في المقابل دحلان المطرود من فتح يبقى بعيداً عن الملعب الفلسطيني ومحاولاته التأثير عن بعد مدعوماً بالإمارات ومصر لا يمكن أن توفر له تأثير سياسي في المشهد الفلسطيني.