ليست الفصائل الفلسطينية وحدها الحاضرة في اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني، التي انعقدت في بيروت خلال اليومين الماضيين، إنما يشاركها، وفق ما رشح للرسالة، أنظمة عربية يمكن اعتبار أنها "الحاضر الغائب"، التي قد يكون حضورها أقوى تأثيرا!
من تلك الأنظمة التي كان حضورها مبكرا، مصر، التي أعطت تعليماتها لفصائل في المنظمة، بالعمل على إفشال مُراد الرئيس محمود عباس من عقد المجلس الوطني- برلمان منظمة التحرير- انطلاقا من أمرين.
الأول: أن مصر تعتبر منظمة التحرير خاصة بها، وأنها انطلقت من قلب الجامعة العربية عام 1964، عقب قرار صدر من القمة العربية الأولى التي عقدت في القاهرة، إلى جانب أن الفضل الأول في تأسيسها يعود للرئيس جمال عبد الناصر، ودوره "القومي" في إقناع أكثر من دولة عربية بالاعتراف بالكيان الفلسطيني الجديد، بعدما كانت فلسطين تمثل في الجامعة تمثيلا شكليا منذ تأسيسها عام 1945، بتكليفه أحمد الشقيري ممثل فلسطين في الجامعة آنذاك، وبالتالي فإن كل العواصم العربية ستكون بالنسبة لمصر محرّمة على "الوطني".
أما الأمر الثاني، فيتعلق بثابت لدى مصر، بأن أي سياسات يريد الرئيس أبو مازن إقرارها، لابد أن تمر من هذا البيت (الجامعة العربية)، وأن أي تغييرات لابد أن تمرّ عبر القاهرة، التي وضعت نفسها في موقع "حارس البوابة" لأي قرار يتعلق بالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإلا فإن المنظمة ستكون أشبه بالابن العاق، الواجب عقابه.
وكان الطريق إلى ذلك عبر فصائل في المنظمة؛ للقيام بهذا الدور، مستغلة مصر حاجة هذه الفصائل إلى خطب ودّها، باعتبارها فاعلا دوليا مؤثرا، بدأ يستعيد دوره المحوري في القضية الفلسطينية، إلى جانب احتفاظها بعلاقات وتوافقات دولية مهمة في المنطقة، فكانت الرسالة لأبو مازن، بأن القاهرة لن تسمح له بالاستفراد أو التغيير، دون موافقتها.
وبموازاة ذلك، فإن الخلافات الإقليمية القائمة، والتحالفات الدولية والعربية، كانت دافعا لأطراف خليجية أيضا للتدخل في حوارات المجلس الوطني، لمصالح قد يكون من بينها تحرير المنظمة من البقاء في حضانة القاهرة!
تسبب ذلك بوجود حالة استقطاب وجذب كبيرة تلفّ حوارات الوطني، تؤثر فيها عدة عوامل مهمة، أولها العامل الخارجي، الذي يعتبر نافذا ومسيطرا على القرار الفلسطيني، ثم يتبعه سياسات الرئيس أبو مازن المرتبطة بمؤتمر فتح السابع، والأهم "الكوتة الكبيرة" التي تمثلها حماس وفصائل الإطار المؤقت، التي كان يطلق عليها حتى وقت قريب، "الفصائل خارج المنظمة".
وعليه، فإن الحوارات والمواقف حول المجلس انقسمت بين ثلاثة فرق، أكبرها من ضم حركة حماس والجهاد وفصائل الإطار المؤقت، التي طالبت بإعادة تشكيل مجلس جديد، فيما تمسكت فتح والفصائل التي تدور في فلكها، بموقفها بأن الظروف لا تسمح بإعادة تشكيل الوطني من الصفر، بينما تمثل الفريق الثالث في الأعضاء الكبار في السن، أو ما يمكن وصفهم بـ "الكهول"، الذين يرفضون تفرد الرئيس عباس في القرار، وينتقدون عمله دون ضوء أخضر مصري، وفي الوقت نفسه، هم ضد التغيير من الأساس؛ لأن التغيير بالنسبة لهم، يعني نهايتهم.
الخلاصة، أن ما يخطط له الرئيس عباس لن يكون من السهل تنفيذه، على ضوء التدخلات العربية، ورفض الفصائل الفلسطينية عقد المجلس الوطني بطريقة هزلية، ولا يملك في الوقت نفسه خيارات عدة، غير النزول عند رغبة العوامل المؤثرة خارجيا، فهل ينزل أبو مازن عند هذه الرغبة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.