غزة / ديانا طبيل
كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل عندما استيقظ أفراد عائلة المواطن عبد الرحمن عوكل من نومهم مفزوعين جراء سماعهم صراخ مجموعة من الرجال، ما دعاهم إلى الهرولة إلى خارج المنزل ليتفقدوا الأمر، فالمعطيات الأولية تشير إلى أن مكروها قد ألم بسكان الحي، لكنهم تفاجئوا بأن الصوت اختفى ولا وجود لأي شخص في الشارع، وحينما أنصتوا جيدا سمعوا كلمات تتطاير من أفواه بعض الرجال في منزل جارهم أبو اسعد ليتبين بعد ذلك أن كل ما في الأمر أنهم يشاهدون مباراة كرة قدم .
و تجتاح غزة حمى هوس مشاهدة لعبة كرة القدم أثناء إجازة الصيف التي تتزامن مع موعد المباريات الدولية والعربية لكرة القدم ، فعلى ما يبدو أن هذه اللعبة تستحوذ على قلوب الكثيرين من أبناء غزة , فالصغار يمارسونها كأحد الألعاب التي لا يملون منها داخل الحارات وأزقة المخيمات، في حين يمارس عدد لا بأس به هواياتهم داخل النوادي والفرق الرياضية التي تنظمها الأندية الرياضية والمؤسسات والمساجد والجامعات.
** حمى المشاهدة
أما حمى المشاهدة فحدث ولا حرج فقد تصل فيها التفاصيل حد الصراخ عند إحراز هدف من الفرق المشاركة وفى أوقات كثيرة تصل الأمور حد المشاجرة والغضب الشديد والبكاء في بعض الأحيان ، فيما يحرص العديد من مشاهديها اقتناء " جهاز الديجيتال " وشراء كروت القنوات الرياضية المشفرة التي تعرض هذه المباريات في حين يذهب البعض إلى تكلفة اقل ثمنا تتلخص في ذهابهم إلى بعض " الكوفي شوب " التي تحرص على تشغيل القنوات الرياضية في كافة المواسم الرياضية فيما تتنافس القنوات الفضائية على شراء حق البث الاحتكاري.
ومن أشهر هذه المواسم الرياضية كأس العالم ومن أشهر فرقه المنتخب البرازيلي والأرجنتيني والفرنسي وتصفيات كأس أوروبا وأشهر فرقها ريال مدريد وبرشلونة وجلسي الانكليزي وليفربول ومانشستر يونايتد وهامبورغ وشتوتكارت، وموسم كأس الأمم الإفريقية وكأس الدوري المصري وبالتحديد مباراة " والأهلي والزمالك " .
في حين يحرص امجد بعلوشة 25" عاما" على متابعة كافة المباريات الرياضية سواء كانت أوربية أو عالمية أو عربية أو محلية فشغفه بالكرة المستديرة لا ينحصر في فريق معين بل انه شغف يمتد لاستماعه إلى النشرات الإخبارية الرياضية عبر الراديو أيضا .
ويضيف احرص على شراء كوت الديجيتال لكافة القنوات الرياضية فمباريات المواسم لا تعوض ولا احتمل عدم مشاهدتها أما ما ينغص عليه متعته كما يقول انقطاع التيار الكهربائي في منطقة سكناه مما يضطره إلى الذهاب إلى " كوفي شوب " في منطقة مجاورة ليتمكن من مشاهدة مبارياته المفضلة .
عن أشهر الفرق التي يشجها فيقول من كل موسم رياضي لي فرقة أشجعها فعلى الصعيد الدولي أشجع المنتخب الفرنسي ومن كأس الأمم الأوروبية أشجع ريال مدريد وعلى الصعيد العربي أشجع نادي الزمالك .
أما سيف الدين شقليه "35عاما" فيقول " منذ سنوات عمري الأولى وأنا مولع بمشاهدة مباريات كرة القدم وكل ما يتعلق فيها واعترف أن لديه حالة هوس كبرى في هذه اللعبة ونجومها وفرقها .
** قصور إعلامي
يرجع شقليه تشجيعه للأندية الأوروبية إلى غياب الفن الكروي في غزة وعدم تمكن اللاعبين من الارتقاء بمهارتهم بسبب الظروف الحصار إضافة إلى فقدان الفرق الرياضية لعوامل التنظيم والإدارة الجيدة التي تمكنهم من أداء رياضي يمكن الفرد من الاستمتاع به، موضحاً أن غياب البنية التحتية للملاعب الملائمة لهذه اللعبة هو احد الأسباب الجوهرية لعدم وجود مشجعين للفرق المحلية .
ويتهم شقليه وسائل الإعلام المحلية بالقصور الإعلامي فالأغلبية العظمى تهتم فقط بالفعاليات الرياضية بينما لا تولى أي اهتمام باللاعبين كرة القدم المحلية بالمطلق، معربا عن أمله أن تولى الحكومة المزيد من الاهتمام باللاعبين والفرق الرياضية .
في حين تشكو المواطنة أم تامر عاشور " 30عاما " من الهوس الذي يصيب زوجها طيلة المواسم الرياضية وتقول عن ذلك منذ بدء هذه المواسم يصبح شغله الشاغل التنقل بين القنوات للبحث عن أية كرة فهو يشاهد البث المباشر والإعادة ومقتطفات الأخبار والنشرات الرياضية لا يتحدث إلا عن الكرة والأهداف وركلات الجزاء وما إلى ذلك من كلمات لا افهم معناها .
أما أكثر الأمور إزعاجاً لها أن زوجها يردد العبارات من وراء المعلق الرياضي وكأنه يجلس مكانه وتضيف ثم يبدأ بالصراخ والهتاف، مما يسبب الإزعاج لي ولأبنائي والجيران ، أما أكثر حالاته جنوناً عندما يحرز النادي الأهلي المصري هدفاً كونه من مشجعيه المخلصين .
وعلى النحو ذاته اشتكى أبو أوسم عليان " 52عاماً " من الهوس الذي يصيب عقل أبنائه خلال مشاهدتهم لكرة القدم ففي أحيان كثيرة يصل الأمر بينهم إلى حد التراشق بالسباب والشتائم وتتطور الأمور في أحيان كثيرة إلى التشابك بالأيدي خاصة أثناء مباريات الدوري المصري، حيث ينقسم أبنائه وبناته إلى فريقين احدهما "أهلاوي" والثاني "زملكاوي ".
عماد العروقي" 33عاماً " صاحب احد الكافيتريات التي يرتدها العشرات من محبي الرياضة وكرة القدم يقول لـ " الرسالة ": أن مواسم الرياضة من أفضل مواسم العمل لديه فأحيانا كثيرة يضطر إلى وضع المزيد من المقاعد في بعض الأماكن العشوائية خاصة خلال تصفيات كأس الأمم الأوروبية وتستمر جلسة الشخص الواحد إلى قرابة الثلاثة ساعات، مما يعنى انه قد يطلب على الأقل ثلاثة مشاريب وهذا بحد ذاته موسم الربح .
** جمهور مهووس
وعن جماهير كرة القدم فيصف العروقي على انه جمهور مهووس ، ويضيف يأتون لمشاهدتها من مختلف الأعمار واهتماماتهم مختلفة فمنهم مهووس بشكل لا يمكن تصوره ومنهم من يشاهد من اجل تشجيع بعض اللاعبين لكن الغالبية العظمى يجمعهم حب كرة القدم ويصف العروقي حالة الكوفي شوب عند إحراز احد الفرق هدفاً بأنه يشبه الكرنفال، حيت تعلو الأصوات فجأة بصراخ يزلزل المكان أحيانا يكون صراخ الفرح وأحيانا صراخ مع غصب يصل إلى حد أن يطرق احدهم الطاولة أو كاس المشروب تعبيراً عن غضبه .
فيما تشير المصادر الرياضية إلى أن ظاهرة التشجيع الرياضي برزت منذ القدم، حيث كان الناس يجتمعون حول الحلبات أو المسارح التي كان يقيمها البابليون والرومانيون القدامى للعبة المصارعة ، ثم تطورت في نهاية الألفية الأولى بعدما ظهرت أندية رياضية وخاصة في أوروبا حينما كان جمهورها الطبقة الارستقراطية في عصر الثورة الصناعية ومن بعدها برزت فرق كروية في كل من انكلترا وايطاليا وألمانيا ثم تعالت تلك المظاهر بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية و ظهرت حاجة الناس إلى نسيان الحرب وتأثيراته النفسية فبدأت الدول تتهافت من اجل تنظيم البطولات الرياضية واستقطاب اكبر عدد من المشجعين، مما دعم لان تبقى لعبة كرة القدم هي الأكثر جماهيرية في نظر الناس حيث يصل عدد المشجعين إلى مونديال عالمي مثلا إلى ملايين الأشخاص ، فيما تعتمد بعض السياسات الدولية إلى الاهتمام بكرة القدم ومبارياتها وتنظيم عقدها في ظروف معينة من اجل التغطية على بعض القرارات أو الإجراءات الحكومية التي من شأنها زعزعة الأمن داخل هذه البلدان .