قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: كيف كان يمكن تحقيق فائدة من مؤتمر باريس "غير المفيد"؟

جلال سلمي

لم يحظُ مؤتمر "باريس لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي" الذي عُقد في العاصمة الفرنسية باريس بمشاركة 70 دولة وغياب أصحاب القضية الأساسيين، السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، باستغلال مجدي من قبل وسائل الإعلام الفلسطينية أو العربية والأجنبية المساندة للقضية الفلسطينية، والتي اكتفت بتلخيص المشهد على أنه "سلسلة من سلاسل الدبلوماسية العالمية الفاشلة لحل القضية التي يكمن حلها في إيجاد رادع قوي لإسرائيل."

إن تلخيص المشهد بهذه الصيغة يحمل في طياته صحة الادعاء الذي يؤكد على أن نظرتنا للتطورات السياسية تقتصر على منظور السياسة العسكرية الصلبة، مع نفي أي تأثير حقيقي للقوة الناعمة المتمثلة في المنابر الإعلامية، ومنظمات التجمع المدني، والنشاط الاقتصادي، واللوبي، وغيرها..

بالنظر إلى نتائج المؤتمر نجد أنها خاوية ولم تحضر أي جديد لصالح القضية الفلسطينية من الناحية الاستراتيجية، إلا أنه من ناحية تكتيكية وفي ضوء محاولتنا لإعادة اهتمام الرأي العام العالمي بقضيتنا، وتكثيف توجهه نحوها، يشكل كنز مهم كان لا بد من استثماره تحت نظرية أن الفلسطينيين يرغبون في إرساء عملية سلام عادلة ولكن الطرف "الإسرائيلي"، كما العادة، يتصرف بغطرسة وعنجهية، وها نحن نبذل جهوداً حثيثة في المحافل الدولية لحل القضية، ولكن بلا جدوى أمام التصلف "الإسرائيلي".

لا يساور فلسطينياً يتحلى بالوطنية الشك في أن المقاومة العسكرية مهمةَ جداً بالنسبة للقضية، ولكن، الحقيقة هي أن المقاومة العسكرية قد لا تستطيع تحصيل أهدافها الحقيقية بدون استجداء الدعم الدولي، الذي احتكرته "إسرائيل" لذاتها على مدار سنوات طويلة، فهي بحاجة إلى مساند دولي، ليس بالضرورة مساندة عسكرية، بل مساندة اقتصادية قانونية دولية تعترف بشرعيتها، وتساندها ليكون لها منابر عدة تتمكن من خلالها تأسيس علاقات رصينة مع عدة دول؛ كما تم في العلاقات الرابطة بينها وبين جنوب أفريقيا وماليزيا وغيرهما.

لقد استطعنا عبر القوة الناعمة فرض مقاطعة أوروبية، بقرار رسمي عام، وأمريكية، اقتصرت على بعض الشركات، وتمكنا عبر القوة الناعمة من تجسيد القيم والمؤتمرات الدولية لصالح تبييض هوية مقاومتنا، وكان خير دليل هو إعلان المحكمة الأوروبية أن حماس "غير إرهابية"، وأصبحت لدينا قدرة لتحريك وسائل الإعلام والشخصيات الأجنبية على مهاجمة "إسرائيل" دون وجل من التعرض لانتقاد وسائل الإعلام التابعة للوبي "الإسرائيلي". لكن هناك حقيقة لا من التطرق إليها، وهي أن هناك بعض الفنانين الذين انتقدوا هجمات "إسرائيل" ضد غزة عام 2014، اضطروا لحذف تعليقاتهم بعد تعرضهم لانتقاد شديد من قبل المواطنين ووسائل الإعلام، وذلك لأن "حرب الكلمات" التي تخوضها "إسرائيل" ووسائل إعلامها بقوة في توجيه الرأي العام العالمي صوب إعلان مقاومتنا الشرعية "إرهاباً"، لها تأثيرها البائن في وعي العالم حول القضية، وما يتوجب علينا هو تكثيف استخدامنا لهذه الحرب لإظهار الحقيقة، وبالتالي إقناع العالم  بمسار القضية التاريخي والحاضر بدون تزييف، وبذلك لن يضطر أي فنان عالمي متعاطف مع قضيتنا ويحوي ملايين المتابعين من الشعور بالحرج لدعمه القضية.

بالرغم من مرور أكثر من ستين عاماً على قضيتنا، إلا أن الكثير من مواطنين الدول الأخرى ما زالوا يجهلون تفاصيلها الحقيقية، جراء تزوير آلة الإعلام "الإسرائيلية" لتلك التفاصيل. لكن لم يعد العالم هو ذلك العالم الذي يساند "إسرائيل" بلا قيد أو شرط، بل بات هناك عالم يمكنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي معرفة كل الحقائق، ولكنه يحتاج إلى موجه فعال لهذه الحقائق التي إن غبنا عنها وسلمناها "لإسرائيل" بقيت مزورة.

 وفي ضوء ذلك، لا بد لنا من تركيز قوتنا الناعمة تجاه الاتحاد الأوروبي الذي يبني إطاره المؤسسي البنيوي، وسياستها الخارجية وفقاً للمبادئ والقوانين، بحيث أمسى يؤمن بها بشكل أفضل من غيره، ويسعى لفرض نفوذه الدبلوماسي حول العالم من خلالها، بمعنى أنه قد يستجيب لتحركنا الناعم أكثر من غيره، أيضاً لا بد من توسيع نطاق نشاطنا في دول أمريكا الجنوبية وبعض الدول الأسيوية التي ذاقت مرارة الاستعمار، وتعي جيداً شرعية مقاومتنا ولزومها.

أخيراً، من يقول إن القوة الناعمة قوة خاسرة، نستطيع الرد عليه بالقول؛ لو كانت كذلك لما فتحت كثير من الدول أبوابها أمام الفلسطينيين طلاباً وتجاراً ومطالبين بحقوقهم، لو كانت كذلك لما تشجعت بعض الدول لتأسيس علاقاتها مع المقاومة بعد صدور قرار المحكمة الأوروبية، لو كانت كذلك لما رأينا عدداً من الدول تسمح لنا بافتتاح سفارات فلسطينية في عقر بعض الدول التي كانت تُعرف الفلسطينيين على أنهم "إرهابيين لا يفقهون للحياة الجميلة معنى"، لو كانت كذلك لما أقدمت بعض الدول الأوروبية على وضع مسؤولين "إسرائيليين" على قائمة "المشبوهين في ارتكاب جرائم حرب"، ولعل اضطرار "تسيفي ليفني"، اليوم، 21 يناير 2017، إلغاء زيارتها لبلجيكا التي طالب بعض نوابها العامين التحقيق معها، خير مثال على نجاعة القوة الناعمة وتأثيرها، وغيرها الكثير من المكاسب التي إن شددنا إزرنا في استخدام القوة الناعمة، إلى جانب القوة الصلبة، اتسعت وزادت.

البث المباشر