مقال: الديمقراطية المنشودة

محمد ياسين
محمد ياسين

محمد إسماعيل ياسين

 

تتملك المواطن العربي مشاعر الحسرة حين يتابع الانتخابات الدورية والأجواء الديمقراطية السائدة في الدول الغربية، لاسيما الأوروبية منها وكذا الحال في الولايات المتحدة الأمريكية التي احتفلت مؤخراً بتنصيب الرئيس الخامس والأربعين في تاريخها، حيث يتعدد الرؤساء في حقب زمنية معقولة، وتجرى الانتخابات بدورية تصل حد القداسة بمواقيتها، فيما تشهد البلاد العربية الانتخابات بدورية متعثرة، ويبقى الرئيس على سدة الحكم إلى أن يرحل للدار الآخرة، حتى وإن تجاوز العقد الثامن من عمره قبل الرحيل، أو أحوجه المرض والوهن لكرسي متحرك يمكنه من الظهور في المناسبات المحدودة أو في التلفزيون لإثبات الحضور!

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالأجواء المرافقة لسير الانتخابات ذاتها تعكس مدى الاحترام للمواطن وحقه في التعبير عن رأيه وانتقاد المسؤولين مهما علت مناصبهم، ولا يعني سيطرة حزب ما في دورة انتخابية حقه باحتكار السلطة إلى عقود طويلة، بل غالباً يتناوب على الحكم أكبر حزبين في البلاد، وتسود معارضة قوية للحيلولة دون تسلل أي مظهر من مظاهر الفساد أو التهاون في قضاء مصالح الوطن والمواطنين أو الحيد عن ذلك بأي اتجاه آخر. 

والأهم من ذلك كله، هو سيادة ثقافة التعدد وقبول الآخر، وأن الاختلاف في الرأي لا يوجب العداء، ولا يخلق حالة من التنابذ والتضاد، بل التكامل والتنوع بما يضفي حيوية على الحراك المجتمعي، ويضبط بوصلة الأداء الحكومي بما يحقق الصالح العام، وهذا بخلاف الحال في العالم العربي، إذ تسود ثقافة الخوف وتفادي الخوض في المجالات العامة على قاعدة "اشتري دماغك"، وانطلاقاً من غياب الثقة بإمكانية التغيير نحو الأفضل، فضلاً عن تفادي توابع التعبير عن الرأي بإلصاق تهم الخروج عن الصف الوطني وغير ذلك من تهم جاهزة تندرج في إطار نهج الإرهاب الفكري.

ولعله من الترف الحديث عن قضايا الديمقراطية والانتخابات في وقت يعتبر البحث عن لقمة العيش الشغل الشاغل للسواد الأعظم من المواطنين في العالم العربي، فهموم الحياة تحاصرهم من كل جانب، فضلاً عن حاجتهم للأمن والاستقرار في ظل الاضطراب والفوضى التي تجتاح تفاصيل الحياة في البلاد العربية التي تسودها بيروقراطية مقيتة وروتين قاتل، إذ مازال المواطن العربي يستهلك ثلث يومه من أجل انجاز معاملة في دوائر الحكومة في الوقت الذي ينجز المواطن الغربي جل معاملاته الحكومية وغيرها عبر تطبيقات إلكترونية يحفل بها هاتفه الجوال المزود بخدمة انترنت فائق السرعة والجودة.

لا شك أن الحديث في هذا المجال يطول ويطول، وينكأ جراح المواطن العربي الطامح لحياة كريمة بعيداً عن سطوة الخوف وغياب الأمل، إذ يكفي الإشارة لمؤشرات رغبة الشباب العربي في الهجرة إلى البلاد الأوروبية كونها تفصح عن مرارة الواقع المعاش في الوطن العربي الذي تحول إلى ساحة صراع دولي في إطار تصفية حسابات لا ناقة للمواطن العربي فيها ولا جمل، رغم أنه يدفع ثمنها من دمه وأمنه واستقراره. 

كذلك الحال، فإن الإشارة لحالة الزهد العامة إجمالاً في المشاركة بالانتخابات العربية حين إجرائها، إنما تفضح مدى الثقة بالأنظمة القائمة، وترسم معالم الإحباط الكامنة في نفوس المواطنين العرب، وتعكس ضبابية المشهد في غالبية الدول العربية التي تتغنى بشعارات حقوق الإنسان، ونبذ التطرف والإرهاب، وكأن المواطن المغلوب على أمره مصدر الإرهاب، وتغض الطرف وكيف لها أن تبصر إرهاب أدواتها الأمنية الكاتمة لأنفاس المعارضين، والملاحقة لمصادر قوت المواطنين، والمصادرة لأحلامهم بغد أفضل.

إن الديمقراطية التي نريد هي ثقافة قبل أن تكون ممارسة، والانتخابات التي نطمح إليها هي المنتظمة بدورية واضحة، والتي تفتح المجال للتنافس الصحي في المجالات العامة بما يعود بالنفع على الوطن والمواطنين، والأهم من ذلك، هو احترام كرامة المواطن وحقه في التعبير عن رأيه بعيداً عن أجواء الإرهاب والملاحقة التي باتت تتبع بوستًا هنا وآخر هناك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فهل ترى أحلامنا النور أم أنها ستبقى حبيسة مخيلاتنا ؟!

البث المباشر