تمكن اليمين الإسرائيلي المتطرف من شرعنة البؤر الاستيطانية المنتشرة في الضفة الغربية من خلال المصادقة على قانون بهذا الخصوص في الكنيست (الإسرائيلي) وتمريره بالقراءة الثانية والثالثة.
ومن المهم ذكره أن هذه المرة الأولى منذ اقامة الكيان العبري يتم سريان القانون (الإسرائيلي) على أراضي الضفة المحتلة. ويتيح مشروع القانون، مصادرة أراض خاصة فلسطينية (مملوكة لأشخاص) لغرض الاستيطان، كما يمنع المحاكم (الإسرائيلية) من اتخاذ أي قرارات بتفكيك تلك المستوطنات، ويعتمد مبدأ التعويض بالمال أو الأراضي.
ومن الواضح أن القانون الجديد شرعن هذه البؤر التي يزيد عددها في الضفة عن 120 بؤرة، مما يتيح لها التوسع والتحول لمستوطنات كبرى، فيما يبلغ عدد "الكبرى" 184 مستوطنة، وبالمحصلة فإن (إسرائيل) تجاوزت مسألة شرعية المستوطنات الأُم، وهنا مكمن الخطر.
تنظيم للجريمة
ويصف المختص في شؤون الاستيطان خالد منصور، تأثير القرار بأنه "ساحق" كونه يقضي على إقامة الدولة الفلسطينية، ويعد مقدمة للسيطرة (الإسرائيلية) على أراضي الضفة. ويعتبر منصور في حديثه لـ"الرسالة" مصادقة الكنيست على القانون بأنه تنظيم للجريمة (الإسرائيلية)؛ كونه يجعل حل الدولتين جزء من المستحيل، مردفا "من الناحية القانونية بعض المؤسسات في (إسرائيل) حذرت من أنه مخالف للقوانين الدولية لأنه ليس من حق الدول التي تفرض احتلالها ان تتصرف في ملكية الناس".
وأضاف أن القانون يؤدي إلى شرعنة هذه البؤر الاستيطانية الصغيرة، ويمنع استخدام المحاكم لطرد المستوطنين منها، حيث يساويها بباقي الأراضي المحتلة التي تخضع للسيطرة (الإسرائيلية) ويمنح القائمين عليها حقوقا أسوة بباقي (الإسرائيليين).
وأكد منصور أن محاربة هذا القانون تكمن في التوجه للمحاكم الدولية وطلب فتح تحقيق في هذه القضية وليس رفعها فقط ثم تجاهلها، متمنيا أن لا ترضخ السلطة الفلسطينية للضغوط الأمريكية بالتغاضي عن هذا الأمر، كما سابقاته.
أهداف ومؤشرات
وفي البعد السياسي فإن هذا القانون يرمي إلى أهداف ومؤشرات أخرى أشمل من كونه يشرعن البؤر الصغيرة ويسلب الأراضي الفلسطينية.
ويؤكد المختص في الشأن (الإسرائيلي) أحمد فياض ذلك، مبينا أن أول تلك المؤشرات هو ميل مجتمع الاحتلال إلى القرارات اليمينية المتطرفة رغم أنها تدين (إسرائيل) على المستوى الدولي.
وأوضح فياض في حديثه لـ"الرسالة" أن المؤشر الثاني والأبرز هو إصرار حكومة الاحتلال على القضاء على خيار حل الدولتين بشتى الطرق، وإنهاء أي محاولة مفاوضات قد تفضي إليه.
وشدد على أن المصادقة على القانون يقتل آخر رمق لفرص الحل السلمي ويضع عقبة أمام أي تحركات إقليمية ودولية لاستئناف المفاوضات، لافتا إلى أن اليمين أراد أن يوصل رسالة للجميع رغم احتمال اسقاط هذا القانون من المحكمة العليا، بأنه لا يوجد سوى دولة واحدة من النهر للبحر، هي الدولة اليهودية.
وأشار فياض إلى أن اليمين المتطرف استغل فرصة صعود الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في تمرير وطرح هذا القانون العنصري والموافقة عليه.
الخاصرة الأضعف
ويتفق المحلل السياسي د. تيسير محيسن مع سابقه، مؤكدا أن المصادقة على هذا القانون تبين أن رؤية (إسرائيل) الاستراتيجية تكمن بانعدام إمكانية وجود دولة فلسطينية كاملة السيادة تتمتع بكامل الحقوق إلى جوارها. وقال محسين في حديثه لـ"الرسالة" أن الاحتلال يعتبر الضفة الغربية هي الخاصرة الأضعف والتي تشكل خطرا كبيرا على وجوده على المدى البعيد؛ لذلك عمل على إنهاء خيار حل الدولتين.
وأضاف "(إسرائيل) تسارع وفق المتغيرات الدولية في خطواتها اتجاه انهاء امل الفلسطينيين باتجاه إقامة الدولة، رغم أنه يعود بالضرر عليها، خاصة وأن معظم دول العالم انتقدت القرار ووصفته انه يحول دون الوصول لتطبيق مخرجات التسوية السلمية والتي قامت على أساس إقامة دولتين".
ويلفت محيسن أن وجود ترامب فتح الطريق أمام (إسرائيل) باتخاذ أقصى العقوبات تجاه الفلسطينيين بدءا بالقتل ووصولا لسلب الأراضي، كون أن إدارته صامتة وتشجع قرارات الاحتلال اتجاه الفلسطينيين.
الخيارات الفلسطينية
وعن خيارات السلطة الفلسطينية لمواجهة هذا القرار، شدد محيسن على ضرورة أن تتخذ السلطة خطوات جريئة لوضع حد لانتهاكات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
واستبعد أن تقدم السلطة على خطوات تصعيدية على الأرض لمواجهة الاحتلال، مشيرا إلى أنها ستكتفي بالشجب والادانة والتهديد بالتوجه للمحاكم الدولية، مع ابقاء علاقة جيدة مع (إسرائيل).
وبالعودة إلى فياض فإنه يرى أن رئيس السلطة محمود عباس سيبقى مُصمما على المفاوضات رغم أنه لم يبق شيء يفاوض عليه. وتوقع أن تذهب الأمور في الضفة إلى التصعيد والاشتعال في ظل غياب وتعثر الطريق للحل السلمي نتيجة قرارات الاحتلال المستمرة بحق الفلسطينيين.
وفي المجمل فإن هذا القانون يثبت إصرار حكومة الاحتلال على إنهاء حل الدولتين ويؤكد أن الخيار الوحيد في التعامل معها هو المقاومة وما دونها سراب.