يرتحل الأربعيني "أبو سعيد" وحده منذ سبع سنوات من خيمة يعدها من عسف النخيل في الأراضي الخالية شرق القطاع وجنوبه لأخرى، فلا مكان محدد يدل عليه حال بحثت عنه عائلته المشردة مثله، لا لشيء، سوى أن شقيقه قتل ابن جيرانهم بعد تعارك بالأيدي إثر مشكلة بين الأطفال، فكانت النتيجة ترحيلهم من "الحارة" كما قرر رجال الإصلاح والعشائر بحجة حقن الدماء، كما يخبر "الرسالة".
أبو سعيد الذي لم يحمل من السعادة شيئًا سوى الاسم، يقول: "لم يلتئم شمل أسرتي منذ وقوع الجريمة (..) حينما أقابلهم لساعات قليلة لكن طيلة الوقت نكون بحالة خوف خشية أن يستد ذوو المجني عليه ثأرهم مني"، متابعًا الحديث عن معاناته: "أعمل أجيرًا في شمال القطاع بعدما كنت موظفًا حكوميًا، لكن اليوم أصبحت مطاردًا وحياتي مهددة دون أن يحميني أحد رغم مطالبتي للجهات المختصة إلا أنه لا أحد يتجاوب مع شكواي".
ويصف حاله بالصعب كون صاحب أي أرض يقيم عليها خيمته يطرده، فكثيرًا ما كان يستيقظ على صياح أصحاب الأرض وهم يهددونه بحرقها إن لم يغادرها، ظنًا منهم أنه يريد السيطرة على ممتلكاتهم، وحينما يخبرهم بأنه هارب من ذوي المجني عليه يصرون على رحيله وقد يصل الأمر إلى التطاول عليه بالأيدي وكأنه ارتكب جرماً.
معاناة عائلة "أبو السعيد" وتشردها دون وجه حق مثال لما يعيشه عدد من العائلات الغزية دون وجود قانون تضمه اللوائح الدستورية في فلسطين بهذا الخصوص، إلا أنه وفق العادات القبلية المعمول بها في قطاع غزة يطبق نظام "الترحيل" على عائلة القاتل بعدما يبت رجال العشائر بذلك، الأمر الذي دفع "الرسالة" إلى البحث في أبعاد هذه الظاهرة اجتماعيًا ومعرفة رقابة الجهات الشرطية والقانونية للحد منها، لاسيما وأنها باتت تهدد كثيرًا من العائلات.
الترحيل وحرق البيوت
داخل مستوصف صحي شرق مدينة غزة، تقدمت سيدة متشحة بالسواد لم يظهر منها سوى عينيها نحو شابة تجاوزت العشرين من عمرها وتحمل بين يديها رضيعها، اقتربت منها واحتضنتها بشدة وسط نظرات الاستغراب التي راحت تراقبهما، بينما تلك العشرينية ذعرت ولم تفهم شيئًا إلا عندما همست لها السيدة ببضع كلمات ليتضح فيما بعد أنها أمها.
عامان مضيا على فراقهما دون أن ترتكبا ذنبًا، فكل ما في الأمر أن ابن عم الشابة قتل أحد أقارب زوجها فاقتضى الأمر ترحيل عائلتها من المنطقة وحرمانها من التواصل مع ذويها، فلم تجد الأم سبيلًا سوى التخفي ومقابلة ابنتها وحفيدها الصغير سرًا.
تقول العشرينية "أسماء" -اسم مستعار-إنها باتت تلتقي والدتها وشقيقاتها حينما يأتي موعد "إبرة التطعيم" لصغيرها دون إخبار زوجها، مما يجعلها مرتبكة طيلة الوقت خشية أن يراها أحد، ويعلم بالأمر فتقع كارثة لا يحمد عقباها.
وتروي أنها حاولت كثيرًا مع زوجها ليسمح بزيارة ذويها خلسة دون معرفة أهله وأقاربه، إلا أنه يرفض بحجة عدم تخطيه للأعراف والاحتكاك بذوي المعتدى عليهم بالدم، فقتلها أهون عنده من ذهابها إليهم"، وفق ما تحدثت به "للرسالة".
ولمعرفة دور الشرطة في التعامل مع العائلات عند وقوع جريمة قتل، وكيف يمكنها التعامل مع نظام الترحيل، يقول أيمن البطنيجي الناطق باسم الشرطة: "بداية أي جريمة قتل تطالب الجهات العشائرية والإصلاح عائلة الجاني بالرحيل من أجل الحفاظ على النسيج الاجتماعي، لكن الشرطة لا تحبذ ذلك لما يترتب عليه من ظلم كبير يقع على العائلات".
وأكد البطنيجي أن دور الشرطة يكمن بوضع حراسات أمنية على بعض البيوت التي اعتدى ابنها على الآخرين، وذلك خشية هجوم عائلة المجني عليه، وقد تصل مدة الحراسات إلى شهر الأمر الذي من شأنه أن يرهق عناصر الشرطة خاصة أنه يتم الاعتداء عليهم في بعض الأحيان حينما تأتي عائلة القتيل لتأخذ بثأرها.
ويشير إلى أنه بمجرد وقوع الجريمة، تقوم الشرطة بعملها اللازم وتؤكد لذوي المغدور جلب حقهم عبر القانون، لكن لو تجاوزوا ذلك واعتدوا على المنشآت السكنية كحرقها أو التهجم على أسرة الجاني يتم تهديدهم ومحاسبتهم قانونيًا لتعديهم على عمل الشرطة.
ووفق قول البطنيجي، فإن الترحيل ظاهرة قديمة منذ الاحتلال، فقد كانت تحل المشاكل آنذاك عرفيًا، لكن بدأت تتلاشى مع وعي المواطنين.
وفي ذات السياق، يتحدث عبد العزيز الكجك رئيس المجلس الفلسطيني الأعلى للإصلاح في وزارة الداخلية، بأن "هناك إجماعًا لدى وزارته لمنع قضية "الترحيل" بشكل نهائي"، مؤكدًا أن من يدفع الناس إلى الرحيل لا يفقه شيئًا بأمور الشرع.
الشرطة: لا نحبذ "الترحيل" لما فيه من ظلم كبير للعائلات
ووفق قوله، العشائر تنادي ليل نهار أنه لا جدوى من نقل ذوي الجاني إلى مكان آخر لما يترتب على ذلك من أبعاد اجتماعية واقتصادية، لافتًا في ذات الوقت إلى وجود بعض العائلات التي تفضل الرحيل من المكان خشية تصاعد المشاكل بين الطرفين.
ولفت إلى أن دور رجل الاصلاح هو التدخل لحقن الدماء ودعوة القضاء إلى الإسراع في اتخاذ العقوبة المناسبة لإيقاف الثأر المستعجل، ومن يدفع بعكس ذلك يعد جاهلًا في أمور الصلح بين الناس.
عائلات تشتكي للتشريعي
ورغم إصدار بعض العائلات بيانات تتبرأ فيها من أبنائها القتلة، وتؤكد دعمها لأخذ القانون مجراه، إلا أن عديدًا من الجرائم التي وقعت في قطاع غزة تؤكد ضرب بعض عائلات المجني عليهم بالقانون عرض الحائط، وتفردهم بالأحكام وفق منظورهم وقوتهم.
ووقوفاً على الدور الذي يلعبه المجلس التشريعي في الحد من "ترحيل" عائلات الجاني دون وجه حق، التقت "الرسالة" نافذ المدهون أمين عام المجلس التشريعي، وعن ذلك يقول: "لكل جريمة عقوبة محددة لكن العادات التي درج عليها المجتمع أصبحت بديلاً للقانون(..) لذا لابد من الإسراع في معاقبة الجاني لأن تأجيل الأحكام يثير الفتنة بين العائلات".
وأكد على ضرورة أن تعمل وزارة الداخلية والدائرة المختصة في شئون العشائر على إيقاف ظاهرة الترحيل، مبينًا أنه في الماضي كانت تحترم تلك القرارات لوجود بدائل سكنية لذوي الجاني كأن يقيموا لدى أقاربهم أصحاب البيوت الواسعة لكن اليوم أصبحت الأسر كبيرة ولا تستطيع استيعاب أحد.
لجان العشائر: الترحيل ظاهرة نعمل على تقليصها لكنها ضرورة أحياناً
ووفق المدهون فإن ظاهرة الترحيل، ثقافة قديمة موروثة، والعمل على سن قانون لمنع الترحيل لن يجدي نفعاً، لكن لابد من تغيير ثقافة المجتمع والتعامل على أساس محاسبة الجاني وفق الأصول القانونية.
ويفند نظرية أن الترحيل يحقن الدماء، فهو يدعو الأجهزة الأمنية ولجان العشائر والاصلاح إلى الحد من تلك الظاهرة للتخلص منها وإيجاد آليات عملية جديدة، لافتًا إلى أن أغلب العائلات التي تأتي للمجلس التشريعي وتقدم شكواها بعد معاناتها من وقوع جريمة القتل تشتكي أيضًا من الترحيل وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية.
الترحيل يخفف نزعة الانتقام
وهنا حكاية لعائلة وقعت فيها جريمة قتل منذ عشر سنوات بين أبناء العم بعد مشاداة كلامية فقتل أحدهم ابن عمه دون قصد، لكن ذويه لا يزالون يدفعون الثمن، فرحلوا صباح الحادثة حين قام أطلق المجني عليه النار عليهم وطرق أبوابهم ليلًا لإجبارهم على الرحيل.
منذ ذلك الوقت تشتت أفراد العائلة فسكنوا في مناطق مختلفة من القطاع دون أن يعلموا أماكن سكن بعضهم، لارتحالهم من حين لآخر بسبب صاحب السكن الذي يطردهم فور علمه بحكايتهم فيخبرهم "لا مكان لذوي القتلة"، مما يدفعهم إلى معاودة الكرة في البحث عن بديل.
يتحدث "أبو عماد" وهو شقيق القاتل "عشر سنوات ولا نزال نرتحل من مكان لآخر (..) فصلنا من أعمالنا وتطاردنا النظرة الدونية رغم أن شقيقي يمكث في السجن وسددنا الدية عنه بعدما بيعت منازلنا".
ويتابع وهو ينفث سيجارته في المكان الذي التقيناه فيه "خرجنا من بيوتنا بدون ضغط من أحد(..) خشية سقوط قتيل منا، وباتت أوضاعنا تزداد سوءًا نتيجة عدم تقبل المجتمع لنا".
ويوضح أبو عماد أنه رغم أوضاعهم الاقتصادية السيئة التي ألمت بهم بعد بيع بيوتهم وفصلهم من أعمالهم، إلا أن وصمة العار بوجود قاتل في عائلتهم تطاردهم فلا أحد يطرق بابهم للزواج من بناتهم عدا عن أبنائهم الذين يجدون صعوبة في تزويجهم.
الترحيل ليس حلاً لأي جريمة قتل أو اغتصاب تقع داخل المجتمع، بل يزيد من تعقيد الأزمة لا سيما لما له من انعكاسات سلبية تلاحق أسرة الجاني، وعن ذلك تتحدث رائدة وشاح الاختصاصية الاجتماعية في مركز حل النزاعات بالقول: "الترحيل يوقع الأذى على من يتعرض له سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية".
وتوضح أن الترحيل لا بد أن يكون مؤقتًا لتهدئة النفوس، فالمجني عليه أو عائلته يبقون طيلة الوقت في صراع مع النفس لرد حقهم خاصة لو كان يتعلق بالشرف، مبينة أن نزعة الانتقام ستزول بمجرد أن ياخذ الجاني عقوبته وفق القانون، بالاضافة إلى أن الترحيل يعد نوعًا من تخفيف الانتقام.
اختصاصية اجتماعية: الترحيل يخفف نزعة الانتقام، ويسبب أزمة اجتماعية
وبحسب وشاح، فإن العصبية القبلية والأخذ بالثأر تسود المجتمع الغزي، رغم تقدمه ووجود القوانين، معتبرة أن الترحيل يعد عقابًا جماعيًا لأشخاص لم يرتكبوا ذنبًا وسيكون من أضراره نفور المجتمع من العائلة المهجرة فترة معينة.
وخلال عملها يمر عليها العديد من حالات الحرمان من التواصل لوجود مشكلة ثأر وقعت بعد الزواج بين عائلتهن وعائلة أزواجهن، مما يفرض عليهن عدم التواصل مع أهلهن وإلا سيكون الانتقام منهن، مما يضطرهن للبحث عن بدائل كمقابلة أفراد عائلتهن بالخفاء عبر ارتداء النقاب في أماكن عامة كالعيادات الطبية أو المدارس.
وتدعو الاختصاصية الاجتماعية، المؤسسات المجتمعية للعمل على نشر التوعية لإظهار أن هناك أشخاصًا لا ذنب لهم، ولا يحق للمجتمع أن ينبذهم، مؤكدة أن ذلك يحتاج إلى وقت طويل كي تتغير النظرة المجتمعية.
الترحيل لدفع الدية
وتوجد حالات يكون فيها رحيل عائلة الجاني حلًا لا بد منه، لاسيما وإن كانت جريمته "الاغتصاب" كحادثة وقعت في القريب حينما اغتصب فتى طفلة لم تتجاوز السبعة أعوام، الأمر الذي دفع رجال العشائر والإصلاح إلى التدخل الفوري وترحيل أسرته وليس عائلته.
ويبرر رجال العشائر والإصلاح ذلك، بأن أسرته التي يعيش وسطها لها سوابق أخلاقية كثيرة في المنطقة، وكذلك خشية من انتقام ذوي الفتاة قبل أن يأخذ القانون مجراه، حيث جرى ترحيل أسرة الجاني بعيدًا عن المنطقة كي لا يتأذى الآخرون من شرور أعمالهم، فــ "كان رحيلهم عبرة لكن من تسول له نفسه بالاعتداء على الفتيات والتحرش بهن".
وتعاني الجهات الشرطية من تدخل لجان العشائر في تنفيذ "ترحيل" العائلات، لذا تحدثت "الرسالة" مع حسين المغني رئيس الهيئة العليا لشئون العشائر والإصلاح والذي تحدث بدوره بأن دورهم يكمن بمجرد وقوع أي جريمة جنائية خاصة القتل حيث تسدعيهم الشرطة أو العائلات ذاتها لتهدئة النفوس بدلًا من الخروج عن القانون.
ويوضح المغني، أنه عند وقوع الجريمة يعملون على أخذ الأمان للأبرياء دون ترحيلهم أو الاعتداء عليهم، لكن في بعض الأحيان تقتضي الأمور ترحيلهم مؤقتًا خشية على حياتهم.
المجلس الأعلى للإصلاح: من يدفع الناس للرحيل، يجهل في الإصلاح بين الناس
سلسلة من الانتقادات والهجوم وجه إلى رجال العشائر الذين يفضلون نظام الترحيل كحل جذري لأي قضية، وردًا على ذلك يعقب المغني قائلاً:" اتخذنا قرار في الهيئة العليا بأنه لا ترحيل بعد اليوم كون الأوضاع لم تعد كالسابق في ايجاد سكن بديل، لكن في حال كانت الجريمة بين عائلتين تسكنان الشارع ذاته يتوجب الترحيل ويقتصر على والد وإخوة وأبناء الجاني حفاظًا على أرواحهم وذلك لفترة محددة حتى تهدأ النفوس".
ويضيف: "اتفقنا مع وزارة الداخلية بغزة على إعادة كل من رُحل عن بيته بعد تهدئة النفوس بين الطرفين". وبحكم طبيعة مجتمعنا الغزي الذي لا يزال يحتكم للعادات العرفية أكثر من القانون، ترحل العائلات الضعيفة وحدها خشية الهجوم عليها، وفي هذا السياق يؤكد المغني أنه من واجبهم الوقوف مع العائلات الضعيفة كما القوية وجلب حقوقهم منعًا لانتشار الفوضى، وتنفيذ أي قرار يطبق على الجميع، لافتًا إلى أن دورهم يكمن أيضًا في البيع والشراء لسكن ذوي الجانين وجلب أعلى سعر لتسديد الدية.
ما أورده يثير التساؤل، طالما لجان العشائر والإصلاح لديهم المقدرة على إيجاد الحلول، لماذا يعجلون في بيع البيوت ودفع الدية؟ رغم أن ذلك يسبب كثيرًا من المخاسر للعائلات الفقيرة أو متوسطة الدخل كونها ستبقى دون مأوى.
وفيما يتعلق بتدخلهم قضايا الاغتصاب، يوضح أنه في حال كان الفاعل كبيرًا في السن والفتاة ناضجة نعالج القضية اجتماعيًا ونزوجهما ويتم الأمر بالكتمان كي لا تنتشر الفضيحة، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنه في حال كانت الفتاة قاصرًا يأخذ القانون مجراه، وقد ترحل عائلة المغتصب في حال كانوا من ذوي السوابق.
وردًا على الاتهام الذي يشير إلى أن لجان العشائر تلعب دورًا يعزز من مكانة الأحكام العرفية على القانونية، يؤكد المغني أن هناك دخلاء عليه ينتفعون من وراء المشاكل التي تعصف بالمجتمع ويسيئون لرجال الإصلاح، مشددًا على أن رجال العشائر لا يقبلون بتنازل ذوي المجني عليه حتى يأخذ القانون مجراه.
عقوبة الحدود واضحة
"بنات القاتل" تلك التهمة التي توجه لخمس فتيات يعشن في كنف والدتهن، بعدما زج والدهن في السجن عقب ارتكابه جريمة قتل، فكانت النتيجة سجنه وترحيل أسرته من بيتها المجاور لبيت المقتول وعائلته.
ورغم أن البنات كبرن بعيدًا عن المنطقة التي وقعت فيها الجريمة، وأكملن تعليمهن وبتن يعملن في مؤسسات مجتمعية إلا أنهن تخطين الثلاثين دون أن تتزوج أي منهن كون والدهن "قاتلًا".
بعد محاولات عدة تحدثنا إلى إحداهن، فوافقت "سهاد" - 33 عامًا- دون الكشف عن اسم عائلتها، تقول" رغم أننا تخطينا سن الثلاثين إلا أن هناك من يطرق بابنا للزواج إما لجمالنا أو طمعًا بوظائفنا التي يعتبر راتبها مغرياً لأي شاب، إلا أن وصمة العار تطاردنا فتتراجع رغبة العرسان من الزواج منا فور علمهم بأن والدنا في السجن على خلفية "قتل".
وتتابع:" منذ الجريمة وترحيلنا خشية أن يعتدي علينا أحد من عائلة المقتول، إلا أن منزلنا لا يزال مهجوراً تسكنه الحيوانات الضالة والحشرات (..) لا نستطيع الاقتراب منه لكن تعتريني رغبة شديدة باقتحامه ودخوله إلا أن أعمامي دومًا يوقفوني عن ذلك للالتزام بالعادات القديمة".
وللشريعة الإسلامية موقف من ظاهرة الترحيل، يوضحها د. ماهر السوسي أستاذ الشريعة في الجامعة الإسلامية، بأنها وضعت لكل جريمة عقوبة محددة، لا سيما جرائم الحدود فعقوباتها واضحة لا لبس فيها.
الشريعة الإسلامية: العرف لا يكون مشروعًا إلا إذا توافق مع أحكام الشرع
ويبين أن ترحيل أهل الجاني غير موجود ضمن العقوبات ولا يجوز شرعًا، لكن في حال ترحيلهم وابتعادهم مؤقتًا عن أهل المجني عليه من أجل تليين المواقف وحقن الدماء، "فلا حرج في ذلك".
ويؤكد السوسي على ما جاء في القرآن الكريم "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، وتعني أن العقوبة لا تتعدى الشخص الجاني، ولا يجوز للمجتمع معاقبة ذويه الذين لم يقترفوا ذنبًا، مشيرًا إلى أن العرف لا يكون مشروعاً إلا إذا توافق مع أحكام الشرع، وفي حال مخالفته لها لا يجوز التعاطي معه في مجتمع مسلم يحتكم لكتاب الله _عز وجل_.
وكما أن ظاهرة الترحيل لا تجدي نفعاً في إرجاع الحقوق لذوي المجني عليه، فهي أيضًا وصمة عار تلاحق ذوي الجاني فتطاردهم أينما شدوا رحالهم فينبذهم من حولهم دون جريرة ارتكبوها، بعدما يتركهم رجال الإصلاح والعشائر الذين يعتبرون رحيلهم حلاً، غاضين الطرف عن عواقب قرارهم، فهل تنتهي الظاهرة وتتوقف معاناة المرحلين قسراً؟!!.