مقال: الرسالة.. عراقة الماضي وأصالة الحاضر

محمد ياسين
محمد ياسين

محمد إسماعيل ياسين

توقد صحيفة الرسالة شمعتها العشرين خلال شهر فبراير الجاري، مسجلة بفخر توثيقها لمرحلة بالغة الأهمية في تاريخ القضية الفلسطينية، إذ رغم وجود صحف قبلها وبعدها، إلا أنها حين إبصارها النور عام 1997 على يد ثلة من الطامحين كانت صوت المعارضة الأبرز على صعيد الصحافة المطبوعة، منطلقة بذلك من قيم وطنية صرفة بعيداً عن متاهات المشهد السائد في الساحة الفلسطينية في الوقت الراهن، لاسيما بعد انخراط الحركة الإسلامية في إدارة شؤون الحكم إثر اكتساحها لصناديق الاقتراع عام 2006.

تلك المرحلة شهدت بدايات السلطة الفلسطينية ومشروع التسوية، وتخللتها محطات ومنعطفات كثيرة على صعيد القضية الفلسطينية، كما شهدت مفاوضات واتفاقات ومؤتمرات تمحورت حول مشروع التسوية، وتميزت بضربات نوعية ومميزة للمقاومة، وشكلت بداية الاحتكاك السلبي بين نهج المقاوم الفتي ونهج ما سمي حينها بـ"سلام الشجعان"، حيث دفع فرسان الرسالة ضريبة هذا الاحتكاك والتناقض عبر الاعتقال والملاحقة ومن خلال المصادرة لمقتنيات الصحيفة والاعتداء على مقرها وحتى الإغلاق ومنع الصدور، لاسيما في ظل دورهم الرائد حينها في فضح فساد السلطة في مجالات شتى، إذ أزكم فسادها الأنوف ومازال.

وقد انبرت صحيفة الرسالة في معارضة نهج وسياسة السلطة الفلسطينية، بينما سارت بقية الصحف في ركبها وانبرت للدفاع عن نهجها التفاوضي وسياساتها والترويج لها في أوساط الشعب الفلسطيني على قاعدة "بيع الوهم"، وهذا ما يصدقه الواقع الراهن، حيث تبخرت أوهام السلام فيما انتفشت مستوطنات الاحتلال، وتضاعفت أعداد الأسرى في سجونه، بينما تعاظم الافتراق الداخلي بين نهجي المقاومة والاستسلام وصولاً لمحطة "الانقسام الداخلي" التي زادت أوجاع الشعب الفلسطيني وشتتت شمله.

عشرون عاماً مضت، وصحيفة الرسالة الممنوعة من الطباعة في الضفة الغربية، تحمل لواء الدفاع عن نهج المقاومة، متحملة في سبيل ذلك ضريبة انخراطها في مشروع التحرير، حيث نال مقرها قصف إسرائيلي غادر غير مرة، كل ذلك، دون أن تتخلى عن رسالتها الوطنية كلسان بالحق نابض، وصوت بالحقيقة صادح، ومنبر يروي ظمأ الباحثين عمن يعبر عما يختلج في صدورهم من آهات الواقع ومآسيه اللامتناهية.

وما زلت أذكر حينما كنت أبحر في صفحاتها بعمق، وأتشوق لموعد صدورها حتى أتجول في "شوارع الوطن" للكاتب الدكتور صلاح البردويل، وأستلهم العبر من عمود "بالمختصر المفيد" للدكتور غازي حمد، وأتابع بشغف صفحة "السياسة والناس" للكاتب والصحفي صالح النعامي، وغيرهم ممن جرت حروفهم عبر صفحاتها، إذ في ذلك الوقت، كانت المنافسة في مجال الإعلام ذات معنى، ويسود وسائل الإعلام الانضباط بالأصول المهنية إجمالاً، بخلاف الحال اليوم، إذ اختلط الحابل بالنابل، وباتت وسائل الإعلام مسرحاً يعج بالكثير من الطالح والمالح. 

كانت وستبقى صحيفة الرسالة حاملة لواء المبادئ، وحاضنة فرسانها، مجسدة مدرسة في الإعلام المنضبط بالأصول والأسس المهنية، متكيفة مع مستجدات العصر الحديث بأدواته وتقنياته المختلفة عبر منصاتها المتعددة في فضاء الإعلام الجديد، كل ذلك، بعزيمة فرسانها الذين برعوا في فضح جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في المحطات الفاصلة وغيرها.  

البث المباشر