قد يثير فضولك اسمه لدرجة أنك قد تبدأ بالتخمينات لمعرفة سبب تسميته بشارع الحوامل، وما أن تطأ قدماك مدخله حتى ينشرح صدرك باتساعه، فتلقي بما فيه من ضيق بين جنباته!
على جانبي الشارع تتشابك أشواك الصبر من خلف أسلاك تمنعها من العودة للتوغل في الشارع، وكأنها تروي حكاية الماضي حين كانت تغلقه وأشجار الغيلان، حيث كان اجتيازه شبه مستحيل.
لم يكن بالأمر المستحيل أن نعرف حكاية الشارع بعد أن التقينا الحاج الستيني محمد أبو حشايش والذي أكد أن الشارع كان ترابيًا مخيفًا، إلا أنه بات شارعًا حيويًا يربط بين المغازي والبريج وسط قطاع غزة بعد رصفه وتوسعته عام1985.
بعد إزالة العوائق منه أصبح مهيأ للمشي كما يقول الحاج أبو حشايش أحد السكان القدامى بالشارع.
جرس مدرسة شهداء المغازي الذي رن فجأة، قطع حديثنا مع الحاج وأعادنا إلى جرس سيارة الإسعاف التي وصلت للمكان قبل عشرات السنين لتقل سيدة جاءها المخاض أثناء مشيها بشارع الحوامل مع حماتها.
السيدة التي اشتهرت قصة ولادتها بعد مشيها المتواصل في الشارع دفع أهل المنطقة إلى تسميته بشارع الحوامل، بعد أن اتخذته النسوة الحوامل كطريق للمشي أملًا في تسهيل الولادة وفق معتقداتهن!
للرواق والخاطبين!
لم يكن هذا الشارع ذو الشكل الطولي الممتد بعيدًا عن مدى بصرك، يقتصر على مشي الحوامل فيه، بل إنه بات مزارًا لأهل مخيم المغازي هربًا من الضيق واكتظاظ البيوت في أزقة المخيم!
"من أحلى الشوارع للرايقين والخاطبين (...) واللي بيشردوا من زحمة المعسكر" هكذا يصف الشاب إياد الغمري الحركة بالشارع التي لا تقتصر على النساء الحوامل.
إياد الذي قابلناه أثناء عمله بين ألواح الحديد والخشب في شركته بشوارع الحوامل، ابتسم وهو يؤكد بأن منظر الحوامل بات شيئًا مألوفًا حتى أوقات المساء.
مساءً حيث كان تشابك أشجار الصبر على جانبي الطريق في سبعينيات القرن الماضي تخيف كل من يفكر باجتياز الشارع أو محاولة المشي بجانبه، تحول اليوم إلى متنفس تحيطه الأشجار وتنيره أعمدة الكهرباء التي ساهمت في إقبال أهالي مخيم المغازي والنصيرات إلى السهر فيه.
مصدر للإحراج
شارع الحوامل الذي تتحرج الفتيات من ذكر اسمه لا سيما عند ركوبها لسيارة الأجرة وتستبدله بشارع المكسورة أو الشارع الطويل، فطالبة الثانوية العامة هبة الصوري احمرت وجنتاها لدى سؤالنا لها عن سبب تسمية الشارع، واكتفت بالقول: "أنا بخجل من اسم الشارع ولما أكون بالتاكسي بحكي للسواق .. نزلني هان من غير ما أحكي اسمه".
لم تكن هبة وحدها من يتسبب اسم شارع سكناها بالإحراج لها، فزميلاتها من مدرسة شهداء المغازي ضحكن كذلك من بعيد على ذات الموقف الذي تتعرضن له من مجرد الاسم.
تلقائيًا ترتسم ابتسامة على محياك عند سؤالك لأحد المارة عن الشارع، إلا أن الحاج محمد أبو حشايش نوه لطاقم "الرسالة" أنه وفي عام 2009 تم تسمية الشارع باسم الشارع السلطاني، بالتزامن مع مشروع توسعات قامت به بلدية المغازي بالتعاون مع بلدية البريج لعمل اتجاهين لحركة المركبات وإضافة انارة له.
رغم الاسم الجديد للشارع إلا أن شارع الحوامل هو العالق في ذاكرة أهالي المنطقة والدارج على ألسنتهم، كما الطفلة جنى ابنة التسعة أشهر التي قابلناها وهي تستند برأسها على كتف أمها وتبتسم خجلًا، فلن تنسى حكاية شارع الحوامل الذي مشت بين جنباته وهي جنين في بطن أمها، وستمشي به حتمًا حينما تمسي حاملًا للضيق همًا أو للأجنة يومًا.