لم تستشعر "إسرائيل" الراحة بقدر السنوات التي تلت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي وتولي عبد الفتاح السيسي الرئاسة في البلاد، والتي شهدت أعلى درجات التوتر بين السلطات المصرية وحركة حماس التي تقود قطاع غزة، والتي وصلت حد القطيعة في بعض الأحيان، ما جعل الاحتلال يستغل هذه الفترة لتعزيز التواصل والتنسيق الأمني والاستخباري مع مصر.
ولا يخفى على أحد أن "إسرائيل" كانت أحد أعمدة الشر التي غذت هذا الخلاف، وسعت لتأجيجه باستمرار لضمان المزيد من الإجراءات التي تضيق الخناق على حركة حماس، وذلك من خلال المعلومات الاستخبارية التي كانت توصلها للقيادة المصرية وتهويلها عن طبيعة العلاقة بين حماس والجماعات الجهادية في سيناء التي يشن ضدها الجيش المصري حرب ضروس منذ عام 2013.
وكانت حرب صيف 2014 التعبير الأقوى والأوضح عن طبيعة الأزمة والعلاقات الجديدة التي نسجت بين السلطات المصرية والاحتلال من جهة وحركة حماس من جهة أخرى.
ولم تنكر إسرائيل سابقاً أنها تعمل على تأجيج الخلاف بين مصر وغزة، ووفق صحيفة هآرتس: "إن إسرائيل حرصت منذ وصول السيسي للحكم على إذكاء نار الفتنة بين القاهرة وحركة حماس من خلال تقديم معلومات استخبارية للنظام المصري تدعي خلالها وجود تعاون سري بين حماس وداعش في سيناء".
وربطت الصحيفة العبرية بين التطور الأخير الذي جرى مساء الأربعاء الماضي بإطلاق تنظيم ما يسمى "ولاية سيناء" 4 صواريخ استهدفت مدينة إيلات المحتلة، وبين التقارب الجاري بين حماس ومصر، معتبرة أن هذه الأحداث تأتي في وقت يشهد تقاربا مفاجئا بين حماس ومصر بعد سنوات من العداوة الجارفة من قبل الجنرالات في القاهرة تجاه القيادة في القطاع، الذي يعتبرونه فرعا لخصمهم، جماعة الإخوان المسلمين المصرية".
وقالت "منذ صيف 2013 شدد المصريون باستمرار الخناق على القطاع، ومنذ ذلك الوقت حرصت إسرائيل على تأجيج التوترات بين القاهرة وغزة، بما في ذلك تقديم معلومات استخبارية لمصر، لكن الشهور الأخيرة شهدت تغيرا، فقد خفف المصريون الضغط على الفلسطينيين في معبر رفح، وانطلقت الوفود الأمنية التابعة لحماس إلى القاهرة، لبحث العلاقات بين الجانبين.
وبينت الصحيفة أن عملية إطلاق الصواريخ على إيلات والتي تبنتها داعش في وقت لاحق تخدم هدفين، الأول والأكثر وضوحا هو الانتقام من إسرائيل، التي يتهمها التنظيم منذ شهور بتقديم المساعدات الهجومية والاستخبارية ضده للقوات المصرية في سيناء، والثاني نقل رسالة لحماس على خلفية تقاربها مع مصر.
ويرفع التقارب بين مصر وحماس منسوب التوتر لدى صانعي القرار في حكومة الاحتلال لكنهم في المقابل يحاولوا التعامل بحذر مع الملف، خاصة أن أي تدخل قد يكون غير محسوب العواقب، ما قد يفجر أزمة أو مواجهة، في المقابل تتعامل حماس مع الملف بحساسية مفرطة وتحاول ان تجد صيغة تفاهم مقبولة لدى القيادة المصرية دون أن تضع نفسها في مواجهة مع الجماعات في سيناء.
ولم تخف "إسرائيل" قلقها من إمكانية تحسن العلاقات بين مصر وحماس الأمر الذي تعتبره مصدر تهديد لها وذلك لخمسة أسباب:
الأول: تحسن العلاقات مع مصر سيسمح للحركة بالتخلص من القيود والضغوط المفروضة على القطاع والتي تسببت بأزمة اقتصادية وإنسانية خانقة لسكانه ويصعب التخلص منها دون رغبة مصرية، ما سيجعل حماس في وضع مريح.
الثاني: تطوُّر العلاقات والتي قد ينتج عنها تحسن واضح على وضع معبر رفح والتبادل التجاري بين مصر وغزة سيعزز ويقوي وجود الحركة في غزة وإحداث انتعاش في القطاع ولو جزئياً، وهو ما لا تريده إسرائيل التي رفعت منذ فرض الحصار عام 2006 شعار "غزة لا تحيا ولا تموت".
الثالث: تخشى إسرائيل أن تغض مصر الطرف عن عمل الأنفاق وبالتالي تتمكن حماس من زيادة قدراتها العسكرية عبر تهريب السلاح وهو أحد أهم الأسباب التي دفعت إسرائيل خلال السنوات الماضية لتأجيج الخلاف بين حماس ومصر، وقدمت مقترحات وتقنيات عديدة لمحاربة الانفاق ومنع وصول السلاح لغزة.
الرابع: التبادل التجاري بين غزة ومصر سيجعل جزءا كبيرا من عائدات الاستثمار والضرائب تذهب لمصر بدل إسرائيل التي تستفيد حوالي 3 مليارات دولار سنويا من التجارة مع غزة.
الخامس: الانتعاش في غزة سيقوي ورقة حماس على حساب السلطة في رام الله والتي تلعب باستمرار على وتر الأزمات في غزة لمهاجمة حماس، كما أنها تعمل دور وكيل أمني في الضفة الغربية وإسرائيل غير معنية بخسارة دورها.