لا تنفك حركة فتح وسلطتها برام الله، تكثف مساعيها السياسية وحملاتها الإعلامية في اتجاه تصدير الأزمات وتوجيه الاتهامات والانتقادات لأي طرف يحاول التضامن مع قطاع غزة ويسعى لمساعدة سكانه على تجاوز مراحل الحصار المفروض عليهم منذ أكثر من 11 عاماً.
آخر هذه الحملات الفتحاوية، كان قد استهدف دور كل من قطر وتركيا في مساعدة قطاع غزة، واتهمتهما بتعزيز الانقسام الفلسطيني الداخلي، فقد جاء ذلك عبر بيان أصدرته حركة فتح استغربت فيه ما قالت عنه "سلوك بعض الأطراف الإقليمية التي تجاوزت من خلالها عن سابق إصرار السلطة الفلسطينية بما يعزز وجود حركة حماس في قطاع غزة على حساب الشرعية!".
واستغرب البيان الفتحاوي ما جاء على لسان السفير محمد العمادي رئيس اللجنة القطرية لإعمار غزة لموقع "واللا" العبري، الذي اتهم فيها أطرافاً في السلطة بعرقلة حلول لأزمة الكهرباء في قطاع غزة.
كما انتقد البيان تنظيم مؤتمر شعبي في اسطنبول لفلسطينيي الخارج "بدون علم او تنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية"، وفق البيان.
تهرب من البيان!
وحاول القيادي الفتحاوي يحيى رباح، التهرب من بيان حركته الأخير بشأن قطر وتركيا، نافياً مسئولية حركة فتح عما جاء في البيان، معرباً عن اعتقاده بأن يكون "البيان غير صحيح ولا يمثل موقف حركته رسمياً"، علماً أنه لم يصدر أي بيان آخر ينفي صحة ما جاء في هذا البيان "حتى اللحظة".
وأوضح رباح لـ"الرسالة نت" أن حركة فتح ليست في وارد توجيه الاتهامات أو تخريب علاقاتها "الجيدة" مع قطر وتركيا، ولكنه اعتبر -في الوقت نفسه- أن المشهد العربي والإسلامي مرتبك في ظل الأحداث الجارية منذ ستة أعوام، وأن الأفق للتخلص من هذا الأحداث مازال غامضاً!
ويرى رباح أن من بين الأطراف العربية والإسلامية من ينتظرون أمريكا وغيرهم من ينتظرون إيران، وحتى أن بعضهم ذهب إلى حد البحث عن التحالف مع (إسرائيل) نفسها، على حد تعبيره.
وقال رباح "أن كل الأطراف سواء قطر أو تركيا وكل الأقطار العربية، ما تزال تعيش الاضطراب، وبالتالي رؤاها السياسية في كثير من الأحيان محكومة بالاضطرابات الجارية في المنطقة ومازالت مستمرة في رؤاها وفاقدة للاستقرار والمصداقية".
وكانت حركة حماس استهجنت ما قالت إنه "الدور غير الوطني واللا مسؤول الذي تقوم به حركة فتح ومنابرها الإعلامية للنيل من الدور التركي والقطري لحل أزمة الكهرباء في قطاع غزة وإعادة إعمارها وفك حصاره"، موضحة ان هذا الدور تجلى من خلال تعطيل كثير من المشاريع التركية والقطرية والدولية لمساعدة أهلنا في القطاع وإنهاء معاناتهم وإعمار بيوتهم.
وأشارت حماس في بيان صحفي إلى أن "ذلك يرافقه التعرض لشخص السفير محمد العمادي (رئيس اللجنة القطرية لإعمار غزة) والافتراء عليه وبث الأكاذيب على لسانه مستخدمين بعض منابرهم الإعلامية الهدامة والصفراء لاستمرار هذه الحملة المشينة والمغرضة"، مشددة على رفضها التام لما تقوم به حركة فتح من محاولات إبقاء حصار غزة والتضييق على سكانها وتعطيل وإفشال أي جهود من شأنها التخفيف من معاناتهم.
وطالبت حماس حركة فتح بوقف هذه الحملة الفئوية المغرضة والتحلي بالمسؤولية الوطنية والإنسانية وتحييد المصلحة الحزبية والعمل على تحقيق مصلحة الجميع وتسهيل مهام كل المانحين والمساهمين في مساعدة أبناء غزة المحاصرة والتخفيف من معاناتهم.
وتشرف اللجنة القطرية برئاسة العمادي على إعادة بناء منازل المواطنين المتضررين من العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة صيف 2014، بالإضافة لمشاريع إسكانية وأخرى تتعلق بالطرق والبنى التحتية.
التمثيل "الشرعي" المزعوم
ويرى الكاتب والمحلل السياسي يوسف رزقة في الإطار، أن الموقف الفتحاوي بشكل عام مضطرب ولا ينطلق من موقف واحد، مشيراً إلى أن بعض الأطراف في فتح تشن حملة ضد قطر وتركيا لمحاولة تدخلهما في قطاع غزة ومساعدتهما لسكانها للتغلب على أزماتهم المتراكمة بفعل الحصار.
وذكر رزقة لـ"الرسالة نت" أن هناك فريقاً آخر في فتح يبدي تفهمه لتدخل بعض الدول في حل أزمات القطاع، ولكن هذا الطرف يشترط دائماً أن يتم إشراك السلطة في رام الله في كل هذه التدخلات على قاعدة "التمثيل الشرعي لهذه السلطة المزعومة"، لافتاً إلى أن ذلك يقلل من دور السلطة ويخلخل علاقاتها مع بعض الدول والشعوب التي جُبلت على دعم ومساندة القضية الفلسطينية.
وعبر رزقة عن استهجانه لمواقف السلطة في تعطيل بعض المشاريع القطرية، والتي من ضمنها مشروع خط 161 القاضي بمد غزة بالكهرباء من (إسرائيل)، لافتاً إلى أن قطر وضعت ضمانة مالية للمشروع قيمتها 100 مليون دولار، وما على رئيس السلطة محمود عباس إلا التوقيع عليه.
وعاد رزقة ليؤكد أنه لا يوجد داخل حركة فتح موقف واحد من الموقف التركي والقطري، مشدداً على أن المشكلة تكمن في أن عباس وفريق من حوله يقدمون ورقة التمثيل والشرعية المزعومة على كل مساعدة لغزة.
وقال رزقة "غزة ليست من أولويات سلطة فتح لمساعدة سكانها للتغلب على أزماتهم بفعل الحصار والإغلاق، فهم لا يهمهم ذلك، بل يفكرون في كيفية منع حركة حماس من انتزاع علاقة مع دولتين أو أكثر على حساب الشرعية الفلسطينية التي يزعموها من وجهة نظرهم".
وأضاف رزقة "لم تعد هناك شرعية حقيقية وذات قيمة للسلطة أمام الاستيطان وغول التهويد وأمام فشلها في المفاوضات، فالشعب يرى أن حل هذه السلطة أوجب وهناك ما يبرره، كما أن هناك ألف مبرر لوقف التنسيق الأمني والاتجاه للمصالحة الفلسطينية التي يجب أن تحتل أهمية كبرى أهم من البحث عن الشرعية والتمثيل"، على حد تعبيره.
مستقبل العلاقة إلى أين؟
من ناحيته، تطرق فريد ضهير استاذ الإعلام في جامعة النجاح، إلى مبررات حركة فتح "غير المقنعة" في أن دعم قطر وتركيا لقطاع غزة من شأنه أن يعزز ويقوي حركة حماس، وبالتالي تعميق للانقسام وإضعاف للسلطة.
وأشار ضهير إلى أن فتح التي تدير السلطة تريد أن يكون لديها اليد العليا وأن تكون صاحبة القرار في الشأن الفلسطيني بالعموم وفي القضايا المتعلقة بقطاع غزة على وجه الخصوص.
ويرى ضهير في حديثه لـ" الرسالة نت" أن ما وصفها "اللعبة السياسية" تتلخص في أن هناك قوتين سياسيتين في الشارع الفلسطيني، مما يجعل حركة فتح تعتبر أن أي مساعدة لقطاع غزة قد يصب في صالح حركة حماس ويعزز موقفها على حساب إضعاف السلطة.
وحول ما إذا كانت الانتقادات المتلاحقة من سلطة فتح لقطر وتركيا ستؤثر على العلاقة معها؟ عبر ضهير عن اعتقاده بأن قطر وتركيا تدركان هذا الأمر بشكل جيد، ولكنهما لا تريدان قطع شعرة معاوية مع السلطة، منوهاً إلى أن العلاقات الحقيقية فيها نوع من الفتور إن لم يكن البرود أصلاً، على حد تعبيره.