في قاعة الألعاب القتالية في أكاديمية المشتل الرياضية، دقت الساعة الواحدة، ظهر يوم السبت الذي تنتظره "منة الله" بفارغ الصبر كل أسبوع كي تأتي إلى تدريب لعبة الكاراتيه لتنهض بكل حماسة ترتدي ملابسها، وتقف منتصف القاعة منتظرة انطلاق صوت صفارة مدربها حين يهتف "استعداد".
يقول الشاعر: "إن يُذهبِ الله من عينيّ نورَهما... فإن قلبـي بصيـرٌ مـا بهِ ضررُ"
معانٍ تجسدها الطفلة الغزية "منة الله البيطار" ذات الثلاثة عشر ربيعًا وهي أول لاعبة كاراتيه كفيفة في العالم العربي، التي رافقتها الرسالة في يوم تدريبها، تقول وهي تربط حزامها استعدادًا للتدريب: "أتعلم الكاراتيه حتى أكون قوية وأستطيع الدفاع عن نفسي، ولأخبر الجميع أن الإعاقة هي إعاقة العقل فقط، وأني أستطيع أن أحقق كل أحلامي حتى لو انحرمت من بصري".
لم يمنع فقدُ البصر "منة الله" أن تؤدي الحركات الأرضية مثل "الجمباز" والتي تأتي ضمن تدريبات الكاراتيه، فهي تهبط على الأرض وتقف وتقفز برشاقة متناهية، وحين يلبسها المدرب القفازات الواقية لليدين تتجه حسب صوته إلى كيس الملاكمة فتضربه بكل قوة، والملاحظ أثناء التدريب أن "منة الله" تنصت جيدًا وتحاول أن تبقى على تركيز عالٍ لأوامر مدربها وهذا سر نجاحها كما أشار مدربها حسن الراعي الذي يظهر عليه الشعور بالرضا والإنجاز لاستجابتها السريعة وإتقانها المثير للدهشة والتعجب.
معيقات وتحديات
التقت الرسالة بالمدرب الراعي ليروي لنا رحلته مع تدريب المكفوفين وطرق تعامله معهم، يقول: "إن رياضة الكاراتيه بشكل خاص تختلف عن الرياضات الأخرى ككرة القدم أو الطائرة، لأنها تختص بجانب مهاري قتالي، فممارستها بالنسبة للمكفوفين تعكس إيجابًا على شخصيتهم وتعزز ثقتهم بأنفسهم وتشجعهم على اندماجهم مع المجتمع، عندما يعلم أن من خلالها سيدافع عن نفسه حين يعتدي عليه أحد".
وتابع: "يعتمد تدريب المكفوفين على برنامج الإدراك الحسي الذي يعتمد بشكل رئيس على اتباع مصدر الصوت، واللمس أثناء الأداء فيشرح لهم الحركة ويمسك بيدهم مع العد، ثم يقف أمامهم ويعتمد على الإيعاز وهو اتجاه الصوت فينفذون الحركة، وعند إتقانهم كل حركة على حدة ينتقل معهم إلى جملة حركية وتكون عبارة عن مجموعة من الحركات التي تعلموها مسبقًا حيث تُخزَّن الحركات في ذاكرة العضلة مع التكرار فللعضلة ذاكرة كما الدماغ وهذا يحتاج جهودًا كبيرة من المدرب والمدرب الذي لا يؤمن بقدرات اللاعبين من هذه الفئة لا يصل معهم لنتيجة".
وعن أكثر المشجعين يوضح المدرب دور الأهل في ذلك، يسترسل قائلًا: "والد منة يهتم بها وبإخوتها كثيرًا ويهبها جلَّ وقته كي تحقق حلمها وهذا أحد أهم أسباب نجاح منة" وفي محاولة لزيادة تشجيعه لمنة يتعمد الراعي بين الحين والآخر دمجها وباقي فريق المكفوفين في تدريب مع الأسوياء، ويضرب بها المثل حين تلعب أمامهم باحترافية أكثر منهم، تحدثنا منة: "أخي مؤمن وهو كفيف أيضًا أكثر من يشجعني ويدربني كثيرًا في البيت، فهو شارك في بطولة دبي العالمية للكاراتيه لذوي الإعاقة، وحصل على المستوى الثالث على العالم".
آمال وطموحات
يرى الراعي أن الحصار يشكل عائقًا كبيرًا وعامل إحباط لهذه الفئة حين نخبرهم بعد تدريب يمتد إلى ما يزيد عن ثمانية أشهر أن إغلاق معبر رفح وعدم قبول الاسرائيليين بإعطائهم تصاريح عبر معبر إيرز سيحول دون مشاركتهم في البطولات، وأردف قائلًا: "شاركنا في بطولة دبي العالمية لذوي الاعاقة وحصلنا على المستوى الثالث على العالم وفي عودتنا الى غزة اعتقلني الاسرائيليون وأحضروا لي مدربًا إسرائيليًا أثناء التحقيق لأخبره عن كيفية تدريب المكفوفين، ومكثت شهرًا في سجن عسقلان وكنت أعلم أنها محاولة لقتل الفرحة الفلسطينية".
وعن طموحاتها تقول منة: "أطمح أن أصبح بطلة وأن أحصل على الحزام الأسود وأمثل وطني فلسطين في جميع المحافل العربية والدولية"، بينما يأمل الراعي أن تهتم وزارة الشباب والرياضة والجهات المختصة بهذه الفئة حتى تستطيع تمثيل فلسطين في البطولات العالمية وهو على ثقة تامة بالفوز إن أتيحت لهم الفرص ووجدوا الاهتمام الكافي والدعم سواء على الصعيد المادي أو المعنوي.