خلافاً لكل التوقعات وللمرة الأولى، يُعين نائب لرئيس حركة فتح محمود عباس، وذلك في نهاية لقاء اللجنة المركزية للحركة، حيث أعلن عباس عن تعيين القيادي محمود العالول نائباً له، وذلك رغم أن أسماء قياديين كثيرين في فتح طُرحت لتولي هذا المنصب.
وكان "مروان البرغوثي" اسماً لامعاً بين المرشحين، وهو يحظى بمكانة عريقة وشعبية كبيرة في صفوف الفتحاويين، ولكن بما أنه يقبع في السجون (الإسرائيلية)، فهو لا يشكل تهديداً حقيقياً على عباس، ورغم ذلك، يخشى عباس من قوة البرغوثي، لذلك يتجنب تعيينه نائباً.
وكان النائب الفتحاوي يحيى شامية، كشف عن وجود ضغوطات خارجية (أمريكية وإسرائيلية) تعرض لها عباس لإقصاء البرغوثي من منصبه في اللجنة المركزية، وعدم اختياره نائباً لرئيس الحركة. وهذا يأتي توافقاً مع ما ذكرته فدوى البرغوثي زوجة الأسير مروان بأن "مركزية عباس" غيبت مروان رضوخاً لتهديدات رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو".
الطريق الأسهل لعباس
وللإجابة على سؤال لماذا محمود العالول نائباً لعباس رغم أنه الأقل حظاً وكان مستبعداً لدى الكثير من الساسة والمحللين؟، يرى الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة أن "العالول ربما الأقل طموحاً ومنافسة والأكثر زهداً وتاريخاً بين القيادات الفتحاوية الحالية".
وتوقع أبو شمالة في حديثه لـ"الرسالة" أن عباس كان يفتش عن الأقرب والأخلص إليه والذي ليس له أطماع في تولي المهمة نائباً له، مشيراً إلى أنه اختار الطريق الأسهل لديه، لأن البديل كان هو "جبريل الرجوب" وهو الذي لا يأمن عباس جانبه سواء في حياته أو حتى بعد مماته.
ونوه أبو شمالة إلى أن عباس كان أيضاً لا يأمن جانب "مروان البرغوثي" ذو الشعبية العالية داخل حركة فتح، مبيناً أن –عباس- لم يختار طريق تعيين العالول نائباً له حباً في فلسطين وفتح بمقدار ما أراد أن يتخلص من الضغوطات الداخلية والخارجية عليه.
ونبه أبو شمالة إلى أهمية إدراك أن تعيين العالول جاء لمرحلة انتقالية في حال جرى لعباس أي طارئ صحي أو أخلى الساحة الفلسطينية، منوهاً إلى أن العالول لا يمتلك مراكز قوى حقيقية على الأرض، حيث أن الذي يمتلك القوة على الأرض جماهيرياً هو مروان البرغوثي ومن خلال الأجهزة والتكتلات والتنظيمات فهو جبريل الرجوب.
وذكر أبو شمالة أن العالول ليس القائد الذي يستطيع أن يلملم كل الأطراف المتناقضة في حركة فتح في مرحلة أقرب إلى العام، مجدداً أن تعيينه جاء من باب التخوف فيما لو جرى لعباس أي طارئ، وفي هذه المرحلة الانتقالية يمكن أن تُعاد الانتخابات أو الترتيبات داخل فتح وفق الولاءات والتحالفات، على حد تعبيره.
استحالة القفز على الضغوطات
من ناحيته، فقد اعتبر الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق علي، أن تعيين العالول كان خيار عباس وليس مركزية فتح كما جرى الإعلان عنه، مشيراً إلى أن نائب رئيس فتح يجب أن يتمتع بمواصفات تؤهله للمنصب، بمعنى أن يكون مقبولاً لدى الحركة التي تشهد عملياً جدلاً كبيراً داخلها.
وذكر علي لـ"الرسالة" أن فتح لابد أنها أخذت بعين الاعتبار كل الرؤي والمواقف العربية والإقليمية القريبة والبعيدة في اختيارها للعالول، لافتاً إلى أن المراكز الكبرى عند "سلطة فتح" من المؤكد أنها راعت الظروف والمرحلة التاريخية والالتزامات والضغوطات المفروضة عليها، علماً أن السلطة ليست امبراطورية وإنما تعيش بالتمويل ووفق غطاء دولي بحيث لا يمكنها أن تقفز على الشروط الدولية، وفق تعبيره.
ونوه علي إلى أن اختيار العالول محدداً فقط في نائب رئيس الحركة وليس نائب رئيس السلطة أو منظمة التحرير، مبيناً أن اختيار رئيس للسلطة أو المنظمة يتم بطريقة أخرى ويخضع لقوانين وإجراءات محددة وفقاً للدستور الأساسي.
يجدر الإشارة، إلى أن عباس لم يُعين طوال سنواته الرئاسية الـ 12 نائباً أو قائماً بأعمال أبداً، لئلا يبدو أنه يُعين وريثاً له. رغم ذلك، ازداد الضغط مؤخراً على عباس، الذي أصبح عمره يناهز 82 عاماً، لتعيين وريث، لا سيما لأنه بموجب القانون الفلسطيني - فطالما ليس هناك نائب للرئيس، فإن من يحل محله هو رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو منصب يشغله "عزيز الدويك".
اتجاهات وصراعات أخرى
أما المحلل السياسي إياد القرا، فقد ذكر أن عباس يخطو خطوات فردية بعيداً عن دائرة المشورة والقرار، وبالعادة تذهب خيارته في مثل هذه الأمور إلى أسماء ليست ضمن الدائرة المحتملة ليتفادى الصراعات التي يمكن أن تنشأ. ويرى في حديثه لـ"الرسالة" أن عباس أراد أن يذهب باتجاه تعيين نائباً له مقبولاً في صفوف الحركة ولمرحلة انتقالية محددة بعام فقط، مؤكداً أن الهدف لذلك أن يكون هناك مخرج أو عنوان لفتح في حال غادر عباس الساحة الفتحاوية لأسباب صحية أو طارئ أو ما شابه.
وذكر أنه خلال العام الذي سيكون لعباس نائب، ربما الأخير يريد خلاله أن يتوصل لصيغة هو يرغبها في تعيين شخص آخر، ومن الواضح أن ماجد فرج يسير بهذا الاتجاه، وخاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها فرج لواشنطن وهي ليست الأولى والتي تبدو بطريقة أو بأخرى أنها إحدى الخيارات الموجودة(..) قد يكون قد طرح هذا النقاش في الولايات المتحدة فيمن سيكون خليفة عباس؟، علماً أن بعض المعلومات التي سُربت مؤخراً تفيد بأن المخابرات الأمريكية وضعت نوع من "الفيتو" على بعض الأسماء والشخصيات التي كان ينوي عباس يعيينها.
وأردف القرا أن من ضمن العوامل التي جعلت عباس يذهب باتجاه حسابات ليست مخابراتية باعتبار أن الأسماء التي كانت مطروحة لنيابته مرتبطة بالأمن ولها تكتلات أمنية يمكن أن ينشأ عنها صراعات في الضفة الغربية تحديداً، بالإضافة إلى صراعه المعروف مع القيادي المفصول من فتح محمد دحلانـ على حد تعبيره.
ورغم التعيين الملفت واختيار عباس العالول نائباً له، فإن مسألة الوريث تبقى مفتوحة، فالعالول لا يعد من الشخصيات القوية في القيادة الفلسطينية التي باستطاعتها قيادة السلطة أو حركة فتح، ولا ينظر إليه على أنه يهدد مكانة عباس. والفرضية الأقوى هي أن رحيل عباس عن السلطة سيخلط الأوراق مجدداً، ويثير صراعات قوية على كرسي القيادة، دون أي اعتبار لمنصب النائب الذي شغله العالول.