فرضت نتائج العدوان صيف عام 2014 على غزة معادلات جديدة استمرت مدة عامين ونصف، لكن يبدو أن الحراك الميداني أصعب من أن تستمر هذه المعادلات وقتًا أكثر، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة محاولات إسرائيلية لفرض معادلة جديدة مفادها أن على المقاومة في غزة تحمل تبعات أي صاروخ يطلق من قطاع غزة حتى وإن لم تكن الجهة التي تقف خلفه.
ومن الواضح أن الاحتلال حاول استغلال إطلاق بعض الصواريخ بصورة منفردة من بعض العناصر، وذلك لضرب أهداف ومواقع حساسة للمقاومة الفلسطينية، مستغلة عدم رغبة الأخيرة في اندلاع حرب حالياً، ما دفع كتائب القسام إلى الخروج بتصريح حمل رسالة قوية مفادها أنها لن تصمت على محاولات الاحتلال تغيير المعادلة القائمة، خاصة حينما أكدت أن الصاروخ بصاروخ.
الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي أليكس فيشمان أكد في مقاله له أن التطورات في الشرق الأوسط لا تنتظر، وقد جاء في تقديرات الاستخبارات العسكرية السنوية أن (إسرائيل) لا تلاحظ أي نية لدى حماس لكسر الوضع القائم والبدء في جولة مواجهة أخرى.
وقال: "ذات الموقف تبناه رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال هرتسي هليفي عندما ظهر في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، ولكن من لسعته الشوربة في آب 2014 فهو ينفخ في الزبادي عام 2017".
ورغم التوقعات والتحليلات التي تقول إن حماس والاحتلال غير معنيان بدخول مواجهة حالياً، إلا أن تطورات الميدان أثبتت في التجارب السابقة أنها صاحبة الكلمة العليا وأن أي حدث طارئ يحمل ردود أفعال تخرج عن السيطرة قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية ويجبر الطرفين على خوض المواجهة مرغمين.
وربما يعزز تقرير مراقب الدولة في كيان الاحتلال الذي صدر مؤخراً هذا السيناريو في اتجاهين:
الأول: أن التقرير وضع القيادة السياسية في مأزق كبير حينما تحدث عن تخبطها وعدم قيادتها المعركة بطرق سليمة، كما أنها لم تبحث عن وسائل سياسية لحل أزمة قطاع غزة بعيداً عن الحلول العسكرية وهذا الوضع ما زال قائمًا حتى الآن.
وربما تندفع القيادة السياسية نحو مواجهة للهرب من تبعات التقرير التي تنبأ بعض المراقبين أنه قد يسقط الائتلاف الحكومة، ما يدفع نتانياهو إلى الدخول في مواجهة للهرب من هذا الاستحقاق وحماية الائتلاف من الانهيار من خلال خوض حرب.
الثاني: أن التقرير تحدث عن عدم وجود رؤية إستراتيجية لدى الحكومة الإسرائيلية للتعامل مع غزة، كما ألمح إلى أزمة في المعلومات الاستخبارية لديها حول تهديدات خطيرة كانت تحملها الحرب الأخيرة وأبرزها تهديد الأنفاق، إلى جانب الصراع بين القادة السياسيين وداخل الكابينت الإسرائيلي وهذا يعني أننا أمام قيادة متخبطة قد تدفعها حرب المزاودات إلى دخول مواجهة جديدة.
في المقابل من المهم التذكير بأن الجبهة الداخلية لدى الطرفين "الاحتلال والمقاومة" قد لا تتحمل تبعات حرب جديدة بكل ما تحمله من نزوح وتهجير وتدمير مع الفارق الكبير بين الاستعدادات التي يحظى بها المواطنين في دولة الاحتلال من ملاجئ وغيره وسكان قطاع غزة الذين ينزح معظمهم نحو المدارس والمستشفيات.
ويتوقع مراقبون أن المواجهة القادمة في حال جرت أن تكون خاطفة وتقتصر على الضربات الجوية نحو أهداف مهمة وإستراتيجية للمقاومة، لكن تجربة 2014 أثبتت أن الميدان قادر على إجبار الطرفين على التدحرج نحو شكل مواجهة أعمق وأطول وأكثر قسوة مما أرادوا، خاصة إذا ما حملت مفاجآت غير متوقعة.