قائمة الموقع

د.البوجي يؤرخ نفحات أجدادنا عبر أضخم موسوعة للتراث الفلسطيني

2017-03-05T20:14:00+02:00
د.البوجي يؤرخ نفحات أجدادنا عبر أضخم موسوعة للتراث الفلسطيني
غزة_ ياسمين عنبر

لا شك أن بعد المهاجرين من مدن وقرى فلسطين عام 1948 الذين جبلوا أغنيتهم هناك بالدم والعرق والمنجل، له أثر بالغ في نفوسهم للعناية الفائقة بالثوب الفلسطيني والحكايا الشعبية والمأكولات القديمة والأغاني التراثية ما من شأنه الحفاظ على تراثهم والتصاقه بهم كالتصاق المؤرخ الدكتور محمد البوجي بقريته يبنا، التي كان يراها في أحاديث جدته... 16 عامًا عاش معها كانت كفيلة بأن تجذر حبها في قلبه، حين ورثته جدته مفتاح العودة ورسمت الطريق أمام عينيه، والتي حفظ تفاصيلها من حكاوي أبيه عنها الذي رفض أن يزورها بعد أعوام طويلة من الهجرة بتصريح خاص، عدا عن أمه اليافاوية وذكرياتها مع بيارات البرتقال وشاطئ البحر، ما دفعه إلى أن يؤرخ هذه النفحات الطيبة في أضخم موسوعة للتراث الفلسطيني.

                         نفحات الأجداد

تصاب بالدهشة حين يخبرك د.البوجي أن هذه الموسوعة استغرقت 16 عامًا ولكن حين تقلب صفحاتها تجد ثمرة هذا المجهود العظيم، لأن الموسوعة لم تقتصر فقط على تجميع التراث فحسب، ولكن أرجع كل المواد الشعبية إلى أصولها البابلية أو الفرعونية أو الكنعانية أو المسيحية أو الآشورية أي درسها عبر تراكم حضارات _الأركولوجيا_ التي تواردت على فلسطين عبر آلاف السنين".

الموسوعة تحمل اسم "نفحات جذور شعبية في التراث الفلسطيني"، وتضم التراث الفلسطيني بكل أشكاله من يافا حتى رفح، استعرض فيها د. البوجي الأمثال الشعبية وقصصها التي لم تذكر في كتاب من قبل، والحكايا الأصيلة التي جمعت من أفواه كبار السن مباشرة، ذاكرًا أهميتها في الحياة المعاصرة لا سيما وأنها تدعو بصورة جلية إلى المقاومة والحفاظ على الأرض، وما دفعه إلى ذلك أنه لاحظ أن اليهود استطاعوا أن يجمعوا أكثر من 4000 حكاية شعبية تجمعت من الحكايا التي أتى بها كل يهودي من دولته وتوثيقها في المنظمة العالمية للتراث الإنساني وهذا العدد للحكايا الذي لا تستطيع أمة مهما كان تاريخها أن تجمعه في محاولة منهم لزرع تاريخ تراثي لهم في فلسطين بالوسائل والسبل كافة، كما ضمت العادات والتقاليد لكافة المناسبات من زواج وميلاد وزراعة وصيد والأزياء التراثية والمأكولات القديمة والأعياد الشعبية والكتاتيب والعلاج الشعبي والألعاب والقضاء العشائري.

كما أن من ميزات الموسوعة أيضًا ذكر اسم البلد من يافا إلى رفح وما فيها من تراث مشيرًا إلى أهمية ذلك، لأن (إسرائيل) غيرتها ومسحت الأسماء العربية للمدن، حتى الشوارع في حيفا ويافا والناصرة وغيرها حولتها إلى أسماء عبرية في محاولة منه لاستعادة ذاكرة الأسماء العربية إلى أصولها.

                        التراث والمواجهة

رأى د.البوجي أن التراث الشعبي دخل في خط المواجهة مع الإسرائيليين الذين سرقوا كل شيء، حيث سرقوا الأرض والأسماء والمكتبات وأهانوا الإنسان وطردوه، حتى وصل الأمر إلى إفرازات الأرض الفلسطينية وإبداعات الفلسطيني عبر آلاف السنين، وهذا كان أكبر دافع لتوثيق الفلسطيني مشيرًا إلى أن (إسرائيل) استطاعت منذ 50 عامًا أن تسجل كل التراث الفلسطيني باسمها في المنظمة العالمية الدولية للثقافة والفنون فأراد من خلال هذه الموسوعة أن يدرس بدقة كيف سرقوا التراث وما يزالون وحتى تبقى دليلًا لكل فلسطيني أينما وجد.

"التراث والمواجهة" هو عنوان مقدمة الكتاب التي استغرقت معه ثلاث سنوات من البحث، رغم أنها لا تتعدى السبع صفحات، حيث طرح على نفسه تساؤلًا : "ما دام اليهود لا يملكون أدبًا ولا تراثًا في بلادنا فلسطين، من أين جاؤوا بالشيكل وكيف اتخذوا النجمة السداسية رمزًا لهم"؟، ليذهل بعد البحث بالحقائق، حين قرأ التوراة والحضارة الفرعونية والبابلية والأساطير الكنعانية، فاكتشف أن الشيكل كان معمولًا به في فلسطين قبل قدوم بني (إسرائيل)، وكان الجيش الفلسطيني آنذاك من أقوى الجيوش اقتصاديًا"، ويتابع: "الشيكل على الرغم من أنه وحدة وزن بابلية إلا أنه كان معمولاً بها في كل أنحاء فلسطين، وحتى الآن هناك مناطق ما تزال تستخدم الشقلة على أنها وحدة وزن شعبية متوارثة منذ آلاف السنين".

يتابع وعلامات التعجب تبدو على وجهه: "شيء آخر اكتشفته أنهم سرقوا النجمة السداسية من الفلسطينيين، حيث كان القائد الفلسطيني جالوت مرتبطًا عقائديًا بالفراعنة، وكانوا من عبدة الشمس، فرسم على درعه دائرة وبها ستة خطوط إشارة منهم إلى أشعة الشمس، وأثناء الحروب بين اليهود والفلسطينيين قبيل 3000 عام قتل ذبحًا على يد داوود الذي تربى عند الفلسطينيين في معركة بين الحق والباطل وأخذ درعه".

 تاريخ وذاكرة

"يبنا تاريخ وذاكرة" كتاب أعده البوجي قبل أعوام ذكر فيه كل تفاصيل قريته الأصلية يبنا كي يبقى نبعًا وحتى لا ينسى الصغار حين يموت الكبار كما قال ديفيد يومًا ما، وهو يرى أنه من الواجب على المثقفين من كل عائلة أن يعدوا كتابًا عن مدينتهم أو قريتهم ولو كان كتيبًا بسيطًا يذكرون فيه كل تفاصيل الحياة كما كانت هناك حتى يورثوها للأجيال.       

وعن رحلة بحثه عن الحكايا والأمثال والأغاني الشعبية التي يصفها بالمؤلمة، حيث دخل معظم بيوت قطاع غزة وجلس مع كثير من كبار السن الذين كانوا يحدثونه والدموع تذرف على الورق من حسرتهم، فلا يتمالكون أنفسهم إذ لاحظ أنهم يروون حكايات القدم وكأنهم جالسون هناك، يصفون الأرض بطولها وعرضها والمحراث والزراعة وحاراتهم والحسرة تعتصر قلوبهم.

ويشير إلى أنه تحسس ذلك الألم أيضًا حين كان يجتمع بهم ويحدثهم عن بلادهم كيف كانت مشاعر الألم والبكاء تسيطر عليهم حين يرسم لهم خريطة قريته "يبنا" إذ يتذكرون السوق والمدارس والأراضي والحواري والعيادات وغيرها من المعالم كونه شيئًا يلامس طفولتهم وشبابهم.

                   صعوبات وطموحات

صعوبات كثيرة واجهت البوجي في رحلته هذه كالاختلاف في الحكايا الشعبية الذي وجد فيها اختلافًا بين قرية وأخرى، وصعوبة ضبط الأغاني الشعبية بسبب التقارب بين المناطق، ورحلته مع كبار السن الذين قد يخطئون وينسون بحكم سنهم عدا عن المعيقات الكبيرة كصعوبة الحركة والتنقل، وضخامة التراث الفلسطيني الذي لا نهاية له.

يأمل د.البوجي من وزارة التربية والتعليم في ظل الصراع على المكان الذي نعيشه أن تضع في برامجها أسماء القرى الفلسطينية التي دمرت عام 1948، وأن ترسم خرائط لها، مشيرًا إلى أنه ليس من الضروري أن تكون ضمن المنهاج الرسمي وإنما يكون ضمن توجيهات الوزارة في الأنشطة اللا منهجية، كما ويرى أهمية تكليف كل طالب سنويًا برسم خريطة قريته أو مدينته ومعرفة معنى اسم بلدته وزيها المشهور ومأكولاتها المشهورة وأسماء العائلات التي كانت بها وعاداتهم وتقاليدهم، فهو يمارس ذلك مع طلابه في الجامعة بكل قوة بتكليف كل طالب بكتابة بحث عن بلدته ولو صفحة واحدة وذلك بالرجوع إلى والديه وأجداده.

كما يطمح أن يتم عمل أطلس ملون إلكتروني يسرد فيه ما جمع من تراث فلسطيني، واعتماد معهد عالٍ أو مركز ضخم لجمع التراث وتحليله ودراسته ونشره، كما ويرى أننا بحاجة إلى تشكيل فرق تراثية تتجول في العالم باسم فلسطين، بكل ما تحمله هذه الفرق من دلالات سواء في الزي الفلسطيني أو الأغاني الشعبية أو المأكولات أو الألعاب الشعبية أو الدبكة الشعبية، وهذا يحتاج إلى تفكير دقيق وبحاجة إلى التفاعل مع الجاليات الفلسطينية في أوروبا وأمريكا على حد قوله، ولديه طموح أن تطبع هذه الموسوعة في الأردن ومصر وتوزع في دول العالم فأينما يجدها الفلسطيني يجده دليلًا لتاريخ أجداده.

 

اخبار ذات صلة