بالكاد يستطيع الصياد محمد عبد الحليم صيد كليو واحد من سمك الشاطئ يوميًا، ليقوم ببيعها مقابل توفير قوت أبنائه الستة، بعد موجة من شح الأسماك ضربت المنطقة التي يتخذها مكاناً للرزق.
حالة من الإحباط واليأس تتربع على قلب الصياد البسيط نتيجة ندرة وجود الأسماك التي تشكل له مصدراً للرزق، ما أضطره لهجرة البحر الذي رافقه طيلة أربعة عقود متتالية من عمره، ليبدأ البحث عن أي مهنة أخرى تجلب له مالاً.
يقول محمد للرسالة نت، "لم يعد بحر غزة زاخراً بالأسماك التي عهدناها خلال السنوات الماضية، نتيجة كثرة الصيادين واستخدامهم طرق الصيد الجائر بحق الأسماك، التي لم نرَ منها إلا بقية قليلة لا يكفي ثمنها نصف احتياجات عائلتي".
ويضيف صاحب المركبة الصغيرة "استخدمت كافة السبل وجبت مساحات كبيرة من شاطئ البحر دون أن يتحسن مردود الصيد، حالتي البائسة تنطبق على معظم الصيادين القدامى والبسطاء وبدأوا بهجرة هذه المهنة الفقيرة التي أثقل عليها الصيد الجائر.
وشرع صيادو قطاع غزة خلال السنوات الماضية باستخدام شباك ضيقة تقل عيونها عن 10 ملم، لصيد الأسماك الصغيرة جداً وبيعها، نتيجة منع الاحتلال دخولهم إلى المناطق البعيدة التي تعيش فيها الأسماك الكبيرة والمتنوعة.
ويوضح الصياد "العبد سعدالله"، أن الدافع من استخدامهم الشباك الصغيرة يعود لشح الأسماك في المناطق المسموحة داخل الستة أميال ما يجبرهم على استخدامها لزيادة كميات الصيد وإنعاش المردود الاقتصادي ولو بالقليل من المال.
ويشير سعدالله إلى أن الأسماك الصغيرة التي يقوموا باصطيادها تعتبر مهاجرة ولا يمكنهم الحصول عليها بعد فترة قصيرها، لهجرتها إلى الأعماق والمناطق الممنوعة من الصيد ما يضطرهم لملاحقتها مبكراً.
وقال صاحب البشرة السمراء: رغم اصطيادنا كميات كبيرة منها إلا أن مردودها الاقتصادي غير مجدٍ نتيجة رخص ثمنها، ما يدفعنا إلى الجلوس في بيوتنا معظم الأيام.
وترى وزارة الزراعة أن الصيد الجائر باستخدام الشباك الصغيرة، من أبرز الأسباب التي أدت إلى تهالك الثروة السمكية في بحر غزة ما دفعها إلى اتخاذ اجراءات صارمة لمنع انقراض أسماك الشاطئ.
ويقول "عادل عطا الله" مدير عام الثروة السمكية بوزارة الزراعة، "إن الوزارة بدأت باتخاذ قرارات حماية الأسماك من الصيد الجائر بمنع استخدام الشباك التي تقل عيونها عن 10 ملم في الصيد".
ويضيف عطا الله "لرسالة نت" "إن استخدام الشباك الضيقة على مدار السنوات العشر السابقة أدى إلى ندرة بعض الأسماك مثل الطرخون أو السردين، كما أن استخدام هذه الشباك يقضي على بذرة كافة أنواع الأسماك المتواجدة في المنطقة الشاطئية وخصوصا في موسم التفريخ، وذلك يهدد استدامة المخزون السمكي".
ويبين عطا الله أن اصطياد بذرة الأسماك التي لم تبلغ الحجم القانوني يؤدي إلى انقراض أو ندرة الأسماك الشاطئية، والتي يعتبر مردودها الاقتصادي غير مجدٍ للصياد.
ويوضح أن البكسة التي يبلغ وزنها 20 كجم من بذرة السردين تحتوي على عدد 7000 سمكة، ويتم بيعها بسعر من 10 إلى 15 شيكل وفِي أحيان أخرى ب 5 شواكل، ولو أن هذا العدد من الأسماك ترك وتم اصطياده بعد وصوله للحجم القانوني ستصبح 20 بكسة بسعر 150 شيكل للواحدة لو تركت في بيئتها الشاطئية، ناهيك عن التكاثر الطبيعي.
ويفنّد عطا الله مبررات الصيادين بأن الأسماك الصغيرة التي يتم صيدها تهاجر ولا تعود لمنطقة الستة أميال مرة أخرى، حيث يؤكد أنها لو تركت ستعود كبيرة بعد فترة زمنية قليلة وستعمل على إنعاش الثروة السمكية.
ويؤكد عطا الله في نهاية حديثه بأن وزارته عازمة على تحسين الثروة السمكية خلال الفترة المقبلة، حيث ستشهد الأعوام المقبلة عدة مشاريع للمحافظة عليها.
وبحسب نتائج الأبحاث التي أجريت بوزارة الزراعة بلغت الأسماك ذات الحجم القانوني نسبة %70 من إجمالي كمية الصيد، مع العلم أن توصية منظمة الغذاء العالمية (الفاو) تقول إذا بلغ معدل الأسماك غير القانونية من مجموع الصيد لأي نوع نسبة %30 يجب إيقاف الصيد من هذا النوع من السمك عدة سنوات ليتعافى هذا النوع من الانقراض في المنطقة.
وتنص القوانين الفلسطينية القديمة والحديثة بنصوص صريحة على عدم استخدام هذه الشباك لما لها من تأثير مدمر على المخزون السمكي واستدامته (قانون مصائد الأسماك لسنة 1937/1940 /1941/1945/1946). كما أن القوانين والتشريعات العالمية منعت استخدام هذه الشباك.